«صالون المرفوضات»
كتب “آلان باونيس” وهو من أساتذة تاريخ الفن الحديث، في جامعة لندن، وقد كان رئيسا لمؤسسات عديدة ترعى الفنون، وتقيم المعارض الكبرى: “في ربيع عام 1867م، قدم شاب يدعى أدوار مانيه، صورة إلى محكمي الصالون بباريس، فرفضت كما رفضت مئات الصور غيرها. رفع الفنانون المرفوضون الناقمون التماسا إلى الامبراطور نابليون الثالث، الذي رجح أن يكون هناك شيء من الإجحاف في قرارات المحكمين، وسمح بتنظيم معرض خاص بالرسوم والمنحوتات المرفوضة، أطلق عليه “صالون المرفوضات” الذي كان نقطة تحول في تاريخ الفن وتحدد بفضلة أنسب موعد لبدء تاريخ الفن الحديث”.
“صالون المرفوضات” يقودنا نحو ثورة فكرية، ثورة علمت الفنان لغة النضال من أجل الإبداع والتجديد، كثير من النقاد يفتقر إلى الوعي بطبيعة الفن، وطبيعة الذاكرة والخيال عند الفنان، يركز بعض النقاد على الجانب اللغوي للمنتج، متناسياً الجانب الروحي والوجداني للمنتج الفني، وذلك لأن أغلب نقاد العالم العربي منبتهم الأدب وليس الفن، في المنتج الفني أشياء أخرى بجانب البيئة، ذاتية الفنان وطبيعة تكوينه ومشاعره، ومستواه الثقافي بالإضافة للإسقاطات النفسية المتراكمة في الداخل، فليس الأدب والمشاعر السطحية التي تقوم المنتج الفني، هي صرخة قوية ومباشرة نحو الأذن البشرية، إنذار من داخل الفنان إلى الآخر، صرخة استنتاج خوفا من اندلاع الحرب، سواء كانت باردة أو ساخنة، أو حتى موجة نحو التطور السريع على حساب البشرية.
المنتج الفني يقودنا نحو حالة شعورية، أولا شعورية يتفاعل بها الفنان مع الآخر الغائب والحاضر، في عملية الإنتاج والعرض، الفنان يعرض لنا مفهوما خاصا به، يعبر عن تصور معين لواقع تأثر وتفاعل معه، فاللغة المصاغة عبر المنتج الفني تحتاج إلى فكر واسع متفتح، وليس إلى ناقد ينبش عن محور لغوي، خارج إطار الفنان، مهمة الناقد هي التنظير وتصحيح التوجه الفكري للآخر.
يتبين لنا من صالون المرفوضات أن الناقد يحتاج إلى قوة البصيرة، ودقة الإحساس ووزن الأمور بميزان شديد الحساسية والدقة، يبتعد عن الأمور المضبوطة داخليا، أي يبتعد عن القيم المتقاربة في ذاته، والبعيدة عن القيمة الصحيحة للمجتمع، النقد يجب أن يتوجه دائما نحو المستقبل برؤية الحاضر، لا يتعامل مع الفن على أنه قالب مغلق، بل يتوجه الناقد نحو اجتهاد الفنان وقدرته على التقاط المشاهد والصور اللحظية التي تمر به، لأن الجمال الطبيعي نتاج فكر ووعي لمجريات الأحداث اليومية، والمتكرر بشكل غير طبيعي.
قدرة الناقد على فهم المنتج الفني، تحتاج إلى قدرة على التفسير والفهم والحوار، كما يحتاج الناقد لطريقة منهجية مرنه وقابلة للتطوير والتغيير، تماشيا مع التقدم والتطور التكنولوجي والبيئي للفنان، لا نجعل من أنفسنا أضحوكة للتاريخ، بل نمسك بأيدي هؤلاء الفنانين، لأنهم هم من لهم القدرة على خلق المستقبل وبناء رؤية واضحة للفن.
صالون المرفوضات يحقق المعجزة والذكر عبر التاريخ، لأن هؤلاء الفنانين لم يستسلموا لطعنات الآخر، بل أمسكوا بالسكين ورموا بها بعيدا عن أجسادهم.
science_97@yahoo.com