سلطان الثقافة
معرض لندن للكتاب تسبقه ذائقة حسنة وتغلله نكهة جميلة تسحر الألباب. ويبدو المكان أرحب وأجمل حين ترقى اللقاءات الى حيز المدى والمد المتسع ثقافة وعلما، تناطح قامته الإبداعية النضج وهامته السمو والمعنى، يفرحك اللقاء دائما بالشيخ سلطان بن محمد القاسمي، لأنه الرافد المهم حين يحضر إلى فعالية ما، يفد ليضيف منتهجا قلمه ورؤاه، يستدل إليه الفكر قبل المكان، لكونه صاحب رؤية ودلالة معرفية مهمة، فحين يتحدث سموه تشعر بأن العقل وحده الذي يصغي إليه وهذه من صفات المثقف النيّر، يدلك لمكمن قدرة واتساع مداركه، يحيل المستمع لليقظة ولمداره فلا يدعه ينأى بعيدا ولو لوهلة عن دائرة حواره، فحديثه دائما ملئه الثقافة المتسعة للتاريخ وللقيم مكتسبة من سنوات العمق المعرفي لسموه.
وترى سموه يبصر الكثير مما يطرح في الساحة الثقافية ويرقيها الى رحاب النفس ولا ينحيها جانبا، فكان يخط لكاتب هذه السطور إهداءه كتابه الأخير باللغة الانجليزية “حديث الذاكرة”، ولم ينس سموه ما كتبته ذات يوم عن كتابه الجميل والمبهر “سرد الذات” فقدم شكره وثناءه على هذه الزاوية، فكانت كلمات سموه فيها من المعنى ما يضفي على “الاتحاد الثقافي” بأكمله وسام الاعتزاز كونه يأتي من رائد للثقافة وللفكر ومحب للفنون والأدب وغارس في النفوس تراث الآباء والأجداد.
شعرت بعد اللقاء الجميل بأن كلمة سموه ترف في النفس لتصل الى رحيقها وصفوها، ولربما لا أستحق ذلك الثناء بيد أن هناك من كتّاب الإمارات تنبض الحياة على مشارف أقلامهم، ولهم آراء مهمة أينما أبدوها تستقر فيها جواهر الكلام وتلهب أقلامهم الفكر، لكن حكمة سموه تغذي فينا الروح من أجل المثابرة وإيقاظ النفس لمكامن أدبية ربما تكون راكدة في انتظار هاتف يشعل دورانها من جديد.
هذه لست المرة الأولى التي ألتقي فيها سموه عن قرب، وتأخذني حالة التأثر بحضوره الثقافي الممتع، بل سبق ذلك لقاءات في معرض الشارقة للكتاب، ومعرض فرانكفورت، ومناسبات ثقافية كان لحضوره وانتاجاته الأدبية فيها الكثير ما يعزز المكانة الثقافية للدولة، وهذا ما ختمت به المحاضرة التي قدمتها حول القصة القصيرة خاصة والساحة الثقافية عامة، فالدعم الذي يقدمه سموه للثقافة يفتتح به أفقها ويكتمل به شهيتها نحو الانتشار والاستشراف على الثقافات العالمية المختلفة، فكانت المحاضرة التي أدرجت ضمن برنامج المعرض أحد مبادرات سموه نحو الحوار مع الآخر، وبهذا تتعزز مكانة وثقافة الأدباء بالمحافل والمعارض الدولية وتسجل لهم المكانة المشرفة.
سلطان الثقافة يسكنها ويرفع لواءها ويحررها من القيود، ويختار لها الأكفياء، يخاطب بها الآخر بلغته الأم، وبهذا يسجل للمعرفة قيمتها لكي تصل للشريحة الأكبر على الصعيد العالمي، وهذا ما يجب أن يسود.. أن تبرز موروثك الثقافي وقيمك التاريخية للآخر، وأن لا تكتفي بما يفد إليك، بل المخاطبة بالمثل أو محاولة العمل على كل الأصعدة الثقافية من أجل إنارة المساحة الثقافية الأشمل.