تهمة يوجهها الطرف الآخر دائما للمبدعين ولا سيما الشعراء، بأن قلوبهم محطة قطارات، تنزل منها امرأة لتصعد أخرى، ساحبين الثقة من إنسانيتهم، واضعين عنصر الاستمرار موضع شك، وبذلك، فإن العلاقة مع المبدع هي مشروع علاقة حكم عليه بالفشل مسبقاً، وبالتالي، تكون النهاية أقرب من البداية. ويبررون هذه النظرة الخاطئة والموقف غير المبني على دليل أو برهان، بأن الشاعر يبحث دائماً عن محفّز أو شرارة تقدح لتولد القصيدة، مصرين على الاعتقاد بالتصور القديم أن للشاعر شياطين وحوريات ووحياً يتجسد في امرأة بشكل دائم، وهذه القناعة أزاحتها الدراسات النفسية واللغوية والنقدية التي تناولت سيكولوجية المبدع، كما أكدتها النظريات التي تؤكد أن 90 % من العمل الإبداع عمل احترافي يتسم بالوعي الشديد وحشد المعارف والأفكار والصور واللغة والرموز والثقافات والمعلومات، وما تبقى، أي الـ10 %، هو مجرد توفير الظروف والبيئة والحالة والتهيئة التي تقود إلى التدفق، الذي لا يكتمل عند الانهمار الأول، وإنما يدخل المبدع المحترف في ورشة عمل قد تطول أو تقصر، أو قد تقوده إلى البحث المعمق بشأن مفردة أو أسطورة أو قصة معينة، وما يقال عن المبدعين من أنهم ينتظرون الوحي والشياطين ما هو سوى تقليل لقدرتهم على النحت والاستغراق في التأمل وانخراطهم الكلي مع هواجسهم، وبالتالي يظهرونهم وكأن لا دور لهم، وهم أشبه بالوسطاء، وهو أمر غريب حقاً. وبناء على ذلك، كيف يرضى الطرف الآخر أن يشكل 10 % من حياة المبدع. تهمة أخرى يكيلها الناس جميعا للمبدعين ولا سيما الشعراء، إنها تهمة المزاجية، ينتقل من حالة الفرح إلى حالة الغضب خلال لحظات، كما ينتقل من حالة الحب إلى النفور خلال لحظات أو ساعات أيضاً، وهنا يمهدون لأنفسهم توجيه تهمة الجنون، ويعتقدون في قرارة أنفسهم، أن المبدعين مجانين إلى أن يثبتوا براءتهم، وهي نظرة ناقصة وغير موضوعية وتحط من قدر العملية الإبداعية والمبدعين أنفسهم، في الوقت الذي تنظر الشعوب المتقدمة إلى المسألة من منظور مختلف: جمال المبدع في جنونه. إن توجيه التهمة إلى المبدع بالطريقة التي أسلفنا، هو الهروب أو التهرب من تحمل المسؤولية نحوه، وعدم محاولة فهمه، والبقاء خارج عوالمه التي وضعت مسبقاً في قالب محدد، في الوقت الذي يفتح ذراعيه للانطلاق والتخلص من هذه القوالب، وهنا لا بد من الاعتراف بأن التعامل مع المبدع يتطلب ذكاءً من نوع خاص، وتقديراً لقدراته وأفكاره وعوالمه، كما يتطلب التحاور معه وقبوله، وليس مصادرته ورفضه وتأطيره. انور الخطيب alkatib50@yahoo.com??