يمكن تفهم دعوة القاضي جون بول ستيفنز إلى إلغاء التعديل الثاني في الدستور كما فعل يوم الثلاثاء في مقال رأي بصحيفة «نيويورك تايمز» في أعقاب سوء تفسير المحكمة العليا الأميركية للتعديل لحماية بعض مبيعات الأسلحة. وأنا أكنّ احتراماً كبيراً للقاضي «ستيفنز»، واتفق معه أن قرار المحكمة في عام 2008 في قضية (هيلر ضد مقاطعة كولومبيا) كان خاطئاً. لكن محاولة إلغاء التعديل الثاني لمجرد أن المحكمة العليا أدركته بشكل خاطئ ستكون في الواقع فكرة مروعة. وتشير الخبرة إلى أن الدستور يضعف إذا استجبنا لسابقة سيئة من المحكمة العليا بمحاولة تعديل الدستور. وأحدث الأمثلة ذات الدلالة، قضية (تكساس ضد جونسون). وفي هذا القرار الذي صدر عام 1989 وجد القضاة أن حق حرق العلم الأميركي في التعديل الأول يعتبر مسألة رمزية لحرية التعبير. ونتيجة لهذا ظهرت حركة قومية جادة لتعدل التعديل الأول لاستبعاد العلم من حماية حرية التعبير. ومن حيث المبدأ، كان للتعديل المقترح والمتعلق بحرق العلم وجاهة كبيرة. فالعلم يمثل جانباً رمزياً خاصاً من حياتنا العامة. والرجال والنساء في الجيش يقاتلون حقاً ويلقون حتفهم من أجله. كما أن التعديل المقترح لن يمثل تقليصاً كبيراً في حرية التعبير، بل يقتصر على علم البلاد وكفى. وكان من المسوغ إجازة التعديل. لكن التعديل الخاص بحرق العلم كان فكرة سيئة للغاية. ليس بسبب محتواه بل بسبب ما قد يعنيه إجازته. والتعديل الأول مثل باقي وثيقة الحقوق موجود منذ عام 1791 دون تعديلات. وهذا القدم في حد ذاته يعزز حمايته وحماية باقي الحقوق. وفتح صندوق الشرور لتغيير حقوقنا الأساسية بسبب قرار من المحكمة العليا لا يروقنا يهدد بنية وثيقة الحقوق ذاتها. وجيمس ماديسون - أبو الدستور الأميركي وأحد الآباء المؤسسين ورابع رئيس للولايات المتحدة فهم هذا جيداً. فقد كان يأمل أن يكتسب الدستور في نهاية المطاف «تبجيلا». ورغم أنه أدرك أن الدستور يتعين أن يُسمح بتعديله، لكنه أراد أيضاً أن يتجنب الإسراع إلى التعديلات مما قد يتسبب في مزيد من المؤتمرات الدستورية، التي كان يأمل منعها. وظهرت محاولة أخرى لتعديل الدستور رداً على قضية (رو ضد واد) الخاصة بالحق في الإجهاض عام 1973. ومن الوارد أن يحدث اختلاف في الآراء المتضاربة بشأن حق حرية الإجهاض. وقام قرار المحكمة في القضية على تفسير مثير للجدل بشأن فقرة ضمان الحقوق في التعديل الرابع عشر من الدستور. وظهرت انتقادات لهذا الرأي ومجموعة القرارات التي أدت إليه والتي جعلت حق الخصوصية من الحقوق المكفولة، باعتبارها أصلاً مرعياً في التفكير الدستوري الأميركي. لكن تعديل الدستور لمجرد أن المحكمة العليا، ربما ذهبت مذهباً بعيداً في تفسيرها قد يقوض فكرة أن القضاة لهم سلطة تفسير الدستور لتطبيق وتوسيع الحقوق الأساسية. فنحن نعيش بالتفسير القضائي ونموت بالتفسير القضائي. وإذا كان المرء يعتقد أن المحكمة العليا لها السلطة الشرعية؛ لأن تجد حقاً دستورياً للإجهاض وزواج المثليين وحرية حرق العلم، فمن الأفضل أن يقر أن المحكمة لديها مشروعية توسيع نطاق التعديل الثاني حتى لو كان يختلف مع هذا الحكم. ومن المؤكد أنه من الممكن منطقياً أن نعتقد أن القضاة لديهم سلطة البت بقرار في (قضية هيلر) التي ألغت القيود على الأسلحة النارية في مقاطعة كولومبيا لكن حكمهم يجب أن يجري إلغاؤه بتعديل. لكن المنطق لا يستوعب أن الدعوة إلى تعديل الدستور استجابةً على تجاوز قضائي يضعف المشروعية القضائية نفسها. وهذه النقطة قد تكون دقيقة، لكنها مهمة رغم هذا. فمشروعية التفسير القضائي للدستور أمر دقيق. لأنها تقوم في جانب منها على القبول الاجتماعي الواسع لحكمة النظام. وهذا القبول يجب أن يكون قادراً على الصمود في وجه القرارات غير الشعبية التي تثير غضب اليسار وأيضا اليمين. ومن المؤكد أن القاضي «ستيفنز» بعد الوقت الطويل والمميز والمشرف الذي قضاه في القضاء يعلم هذا جيداً. ولا أقصد نفي التزامه بتخويل سلطة القضاء. لكن في هذه الحالة، قد تتجاوز خيبة أمل القاضي من عواقب قرار قضية «هيلر» الدروس الأوسع المستفادة من الخبرة. والقاعدة الأساسية هي حين يخطئ القضاة، يجب على القضاة أنفسهم إصلاح الخطأ. بمعنى الأمل معقود بنقض قرار قضية «هيلر» في نهاية المطاف، وأن يبقى الدستور ووثيقة الحقوق كما هما. *أستاذ القانون الدولي والدستوري في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»