لماذا تهمنا أفغانستان؟ عادة ما تسمع أربع إجابات أو حجج عن هذا السؤال. تقول أولاها إنه سرعان ما ترتد أفغانستان لتكون ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية في حال عودة \"طالبان\" إلى السلطة. ثانياً، سرعان ما تتحول أفغانستان إلى كابوس جديد لحقوق الإنسان، فيما لو عادت \"طالبان\" للحكم. سوف تؤثر الهزيمة العسكرية للقوات الأميركية سلباً على صورة أميركا عالمياً، بينما تساعد تلك الهزيمة على تعزيز شوكة الأصوليين الراديكاليين. رابعاً وأخيراً، سوف تعود أفغانستان مرة أخرى لتصبح قاعدة انطلاق للجماعات الإرهابية المتطرفة العازمة على زعزعة استقرار باكستان، في حال عودة \"طالبان\" إلى الحكم. ولكن يلاحظ أنه ليس من سند قوي لأي من الحجج الأربع التي يثيرها مروجوها بشأن ما تعنيه لنا أفغانستان في واقع الأمر. صحيح أن أفغانستان تهمنا... ولكن لأي مدى على وجه التحديد؟ فليس تنظيم \"القاعدة\" بحاجة للأراضي الأفغانية كي يصبح خطراً أمنياً إقليمياً أو دولياً. فالمعروف عن الإرهابيين أنهم ينتقلون إلى المناطق التي تقل فيها مقاومتهم. فإذا ما صعبت عليهم أفغانستان، سرعان ما ينقلون عملياتهم إلى دول أخرى مثل اليمن والصومال، على نحو ما نرى الآن بالفعل. والمسألة الرئيسية الوحيدة التي يجب على الولايات المتحدة أن تجعل منها جوهر استراتيجيتها الخاصة بأفغانستان هي جارتها باكستان. ففي هذه الأخيرة وليس في أفغانستان تكمن المصالح الأميركية الحقيقية. وتنشأ هذه المصالح مما لباكستان من سلاح نووي، ومن وجود أخطر العناصر الإرهابية داخل أراضيها، إضافة إلى احتمال اندلاع نيران نزاع جديد بين الهند وباكستان، يخشى من تطوره إلى حرب نووية. هذا ولا تزال الولايات المتحدة تبذل الكثير من الجهد في أفغانستان، بل تفكر جدياً في رفع جهودها هناك، بسبب إدراكها لأهمية ما تقوم به من أجل بسط الأمن والاستقرار في باكستان. ولكن لا بد من وصف هذا المنطق بشيء من الغرابة. صحيح أنه سوف يكون صعباً جداً التخطيط لهزيمة تنظيم \"القاعدة\" وحركة \"طالبان\" داخل الأراضي الباكستانية، في حال سقوط أفغانستان تارة أخرى بيد \"طالبان\". ولكن يصح في الوقت نفسه القول إن لهاتين المجموعتين ملاذات آمنة سلفاً تنطلق منها عملياتهما. وليست هذه الملاذات في أي دولة أخرى عدا باكستان. ويذهب المنطق نفسه إلى القول إن حكومة باكستان هي التي تفتح صدرها لذات الجماعات التي تحاربها الولايات المتحدة في أفغانستان، باسم الاستقرار الأمني الباكستاني. تجدر الملاحظة أيضاً أن المسؤولين الباكستانيين لا يطالبون واشنطن بزيادة عدد قواتها في أفغانستان. والسبب أن هؤلاء المسؤولين كثيراً ما ينظرون إلى أفغانستان باعتبارها إحدى الجبهات المهمة في صراع بلادهم مع الهند، في حين يعتبرون عناصر حركة \"طالبان\" الأفغانية جنود مشاة لهم لا غنى لباكستان عنهم في ذلك الصراع. وعليه فإن مصير باكستان سوف يقرر بمدى قدرتها واستعدادها لمواجهة تحدياتها الداخلية، أكثر من أي عوامل أخرى تأتيها عبر حدودها. بهذا نصل إلى استنتاجنا الرئيسي لنقول إن مصالح أميركا في أفغانستان هي أدنى من كونها أساسية بأية حال. وعليه فإن حربنا هناك هي حرب اختيارية وليست حرباً تمليها الضرورة. وطالما هي حرب اختيارية، فإن أمام الولايات المتحدة طائفة من الخيارات التي تتراوح بين إرسال المزيد من عشرات الآلاف من الجنود إلى أفغانستان -وهو ما يطالب به الجنرال ستانلي ماكريستال-، وترك الأفغان لمواجهة مصيرهم بأنفسهم. وتتوافق هذه الخيارات مع حجم الخطر والتداعيات المحتملة لكل واحد منها. هذا وتشير أنباء أروقة واشنطن إلى أن الرئيس أوباما بصدد البحث الآن عن خيار وسط لحربه على أفغانستان. فكيف يكون شكل هذا الخيار يا ترى؟ على الأرجح سوف تحافظ الولايات المتحدة على حجم وجودها العسكري الحالي، على رغم احتمال ترجيح كفة التدريب العسكري للقوات الأفغانية على المهام القتالية. كما يرجح أن تهدف عمليات تدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية إلى تحقيق أهداف شبيهة بذلك النجاح الذي حققته الاستراتيجية التي اتبعتها قواتنا في المناطق السنية من العراق. وسوف تسهم هذه الاستراتيجية في الخفض التدريجي للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. كما يتوقع أن تستمر واشنطن في استخدام تمويلها لأفغانستان بهدف استمالة الكثير من الأفغان الموالين لحركة \"طالبان\"، لا سيما قبائل البشتون. أما زيادة تمويل واشنطن لحكومة كابول، فإن من الواجب تقييده بالتزام كرزاي بتشكيل حكومة ائتلاف وطني واسعة. وفي المقابل يتوقع رفع العون العسكري والمالي المقدم لباكستان. فليس ثمة معنى في أن تنفق خزانتنا الفيدرالية بين 20-30 دولارا في أفغانستان، مقابل كل دولار تنفقه في باكستان. والسؤال الأخير: هل تنجح هذه الاستراتيجية؟ كلا، إن كان المقصود بالنجاح هو التوصل إلى تعايش سلمي بين باكستان وأفغانستان. ولكنها تبقى قابلة للنجاح، فيما لو تواضعت أهدافنا ودوافعنا في أفغانستان. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"