نسعى جميعاً إلى خدمة هذا الوطن الغالي الذي يجمعنا بدفئه ويضمنا بحنانه ويشملنا برعايته، وطن شهدنا خطه البياني الصاعد، وطن تبنيه السواعد المخلصة، شعاره الطموح وإرثه التسامح والحكمة وتوجهه الانفتاح على العالم· وطن نتشرف بالانتماء إليه لأنه لم يكن لنا يوماً رقعة جغرافية مجردة ومساحة محددة بالكيلومترات والحدود البحرية والبرية، ولم يكن كما تصفه العديد من الدروس التي تشرح مكونات الدول والكيانات السياسية، بل كان ويبقى أماً حنوناً تفيض بالعاطفة وأرضاً دافئة تدق نبضاتها وتتدفق شرايينها، تحب أبناءها وترعاهم وتسعى إلى أن يعيشوا الحياة الكريمة المستقرة، وهذه المحبة قابلها الأبناء وعبروا عنها من خلال ملحمة تنموية رائعة نرى معالمها في كل ركن حولنا، معالم خير نحرص أن نحافظ عليها وأن نحميها·
علمنا الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمة الله الواسعة عليه، أن العمل، والطموح والفكر النير، كفيلان بتحويل الصحراء إلى حواضر مزدهرة، ومن دروسه هذه نستنتج أن الطموح والبناء لا يكبلان بحدود وهمية بل هما إكسير النجاح وأصل من أصول رفعة الأوطان، وعلينا الآن أن نمد هذا الطموح مداً وأن نرسم الأهداف الجديدة ليزيد ازدهارنا ازدهاراً، فالبرنامج الوطني لا يمكن أن يكتمل ولا يمكن أن نكتفي بما تحقق بل يجب علينا أن نبني على النجاح نجاحاً وأن يكون عملنا الوطني بذلاً مستمراً بلا خط نهاية، فالإمارات وشعبها يستحقان الجهد كله والتعب كله·
ونحن أبناء وبنات الإمارات مطالبون في المرحلة المقبلة بأن نكمل المسيرة وأن نضيف إليها الإضافات النوعية وفي كافة المجالات، فما زال هناك الكثير من العمل، ولابد أن يكون شعارنا أن العمل الوطني والعمل الخير سعي متجدد، وعلينا أن نتقن عملنا وأن نتفانى فيه وأن نعرف أن هذا الوطن للجميع، وأن احترام القريب والبعيد لنا يأتي من احترامنا لوطننا ومن خلال التعامل الجاد والمخلص والنزيه في أعمالنا اليومية مهما كان موقعنا كبيراً أو صغيراً· نقول هذا ونحن ندرك أن العالم من حولنا في صراع محموم صوب الحداثة والتطور، والعديد من الدول التي كانت في مواقع متأخرة هي من متصدري السباق اليوم بينما تعثر العديد من المتقدمين، وأما السلاح في هذا السباق فهو هو لم يتغير، ألا وهو العلم والتكنولوجيا توجهها قيم تكرس العمل المخلص الجاد المتفاني، وفلسفة تقدم مصلحة الوطن بآفاقها الواسعة على المصالح الضيقة·
وإذا كان الجيل السابق قد أحب هذه الأرض بكل جوارحه وأعطاها من جهده ولم يبخل عليها مالاً ووقتاً وتأملاً، فالجيل الجديد، وهو الأكثر علماً واطلاعاً على العالم من حولنا، مطالب كذلك بأن يضع بصماته على هذه اللوحة الرائعة، وأن يعشق هذا التراب وأن يعمل مخلصاً لوطن تحدى حجمه واتحدت مكوناته ليخلق تجربة عربية رائعة، تجربة ترسل الرسالة الواضحة للعالم كله أن الإمارات حالة عربية تستحق التقدير، تجربة مبشرة في زمن ما أحوج العرب فيه إلى الإنجاز الجاد والصلب بعيداً عن صخب التطرف والتشرذم·
وفي هذا الذي نراه أمامنا، وبرغم تقديرنا للثناء، ومن منا لا يحب الثناء، إلا أن الهدف واضح ألا وهو رفعة الوطن وسعادة المواطن، وهي أهداف ندرك جميعاً أنها تشمل فيما تشمل المادي المحسوس والمعنوي الغير محسوس، معادلة تضم في أطرافها الخبز والعمل والفرص والحرية والتسامح، معادلة لعلنا في هذه الأرض الطيبة لم نتحدث عنها كثيراً ولكننا مارسناها وبصفة يومية على المستويين الرسمي والشعبي·
خواطر وطنية نتأملها بين الحين والحين لعلها تعيننا على رؤية الغابة كما يقال، بعيداً عن رؤية تفاصيل الأشجار والتي لعل في أوراقها وجذوعها وفروعها تحجب الصورة الكبيرة، ونحن الأحوج للصورة الشاملة والتي تبوح لنا بسرها القائل إن هذا الوطن الذي حقق الكثير في مسيرته منذ الاستقلال بحاجة للمزيد من البذل والجهد والعمل المخلص، مرحلة جديدة تعزز كل خير، تحقق وتضيف إليه حلماً جديداً وحصاداً قريباً·