من أين تأتي تنبؤات الطقس وتحذيراته؟ الإجابة بسيطة، كما هو الحال مع خبراء الأرصاد الجوية، نحن ننظر إلى الأحوال الحالية، ونحلل النماذج، ونستخدم معرفتنا وخبرتنا لتفسير البيانات وإرسال توقعاتنا وتحذيراتنا.
والإجابة الأفضل، رغم ذلك، هي أن كل توقع أو تحذير تتلقاه – على الإنترنت أو التليفزيون أو الراديو أو من تطبيقك المفضل – هو نتيجة لأكثر من قرن من الاكتشاف المستمر، والاختراع والتعاون من قبل مجتمع يضم الآلاف حول العالم.
والدافع المثير للحماس والهادف والمستمر لمجتمع الطقس العالمي لتحسين التنبؤات والتحذيرات، هو ما يجعلني أشعر بالفخر لكوني خبير أرصاد جوية.
ويعتبر هذا الأسبوع وهذا العام وقتاً مناسباً بشكل خاص، للاعتراف بالتقدم الهائل المحرز في التنبؤ بالطقس، وأهميته للمجتمع، والتزام مجتمع خبراء الطقس بتحقيق المزيد من النجاح.
يجتمع في بوسطن هذا الأسبوع أكثر من 5000 عضو في مجتمع الطقس من مختلف القطاعات العامة والخاصة والأكاديمية، والذين يلتقون كل عام في شهر يناير في الاجتماع السنوي لـ«الجمعية الأميركية للأرصاد الجوية»، عادة في مكان دافئ مثل فينيكس أو أوستن أو نيو أورليانز. وبدلاً من ذلك، فإن اجتماع هذا العام يعقد في بوسطن الباردة، مقر جمعية الأرصاد الجوية، احتفالاً بالذكرى المئوية لتأسيس الجمعية.
وفي الوقت نفسه، يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ 150 لإنشاء «خدمة الطقس الوطنية» والذكرى الخمسين للوكالة الأم، «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي»، وهي الأساس في التنبؤ بالطقس في الولايات المتحدة.
من خلال مؤتمرات مثل مؤتمر بوسطن – ومن خلال الأبحاث المقدمة والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية – تحسنت توقعات الطقس اليومية بشكل مطرد على مدار عقود عديدة. وفي الواقع، على الرغم من تقلبات الطبيعة الأم من وقت لآخر، فإن التحسن العام في التنبؤ بالطقس مذهل للغاية.
وقد بدأ أحد أبرز الأمثلة على هذا التحسن عام 1900، عندما ضرب إعصار من الفئة الرابعة جالفيستون، تكساس، من دون سابق إنذار، مما أسفر عن مقتل أكثر من 8000 شخص، ليصبح أكثر الأعاصير المميتة في تاريخ الولايات المتحدة. واليوم يحدد المتنبئون، بشكل روتيني، المناطق المعرضة لخطر الأعاصير قبل حدوثها بعدة أيام، حيث يبلغ معدل الخطأ في التنبؤ على مدار 24 ساعة أقل من 60 ميلاً، مما يتيح للمجتمعات الوقت الكافي للاستعداد وإنقاذ أرواح لا حصر لها.
وفي الآونة الأخيرة، من سبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، لقي نحو 650 شخصاً مصرعهم في 20 حادث تحطم طائرة بسبب المطبات الجوية، التي لم تُكتشف عندما بدأت الحوادث ولا يمكن اكتشافها بوساطة الرادار. وفي تناقض صارخ، مر أكثر من 25 عاماً منذ تحطم آخر طائرة أميركية بسبب المطب الجوي، وذلك بفضل الأبحاث الرائدة بقيادة «تيد فوجيتا»، عالم الأرصاد الأميركي الياباني، وتدريب الطيارين على تجنب والهروب من المطبات الجوية، وتركيب أنظمة رادار دوبلر للتحذير.
أما بالنسبة للأعاصير، فقد زاد التقدم في العلوم والتكنولوجيا من متوسط وقت التحذير من 3 -14 دقيقة، على مدار الأربعين عاماً الماضية، مما أتاح للناس مزيداً من الوقت بشكل أكبر، للبحث عن ملجأ قوي وبلا شك، منع عدد كبير من الوفيات والإصابات.
وبالرغم من التوقعات الخاطئة من وقت لآخر ولفرصة إحراز تقدم، يعتمد الناس والشركات بشكل متزايد على التوقعات الأكثر دقة وتفصيلاً، التي يتم تقديمها مسبقاً أكثر من أي وقت مضى. وتساعد توقعات الطقس مسؤولي الطوارئ على إخلاء المناطق الساحلية قبل حدوث إعصار، ويتمكن المزارعون من حماية محاصيلهم، ويستعد المسؤولون المحليون قبل اقتراب عاصفة شتوية، وتخطط الأسر لأنشطة نهاية الأسبوع في مناطق بعيدة عن هطول الأمطار المحتملة.
النجاح الذي تحقق في توقعات الطقس في العصر الحديث هو بالفعل مشروع ضخم، تحقق بمساهمات من كل ركن من أركان المعنيين بالأرصاد الجوية. هؤلاء هم العلماء الذين يسعون جاهدين لفهم تقلبات الجو والمحيطات. وهؤلاء هم المهندسون الذين يبنون الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار والأنظمة الأرضية التي تجمع البيانات من جميع أنحاء كوكبنا.
*خبير أميركي في الأرصاد الجوية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»