يلقي اعتقال موظفين اثنين من شركة هاواوي الصينية العملاقة في الآونة الأخيرة، الضوءَ على واحدة من أهم المعضلات الجيوسياسية المتعلقة بالسؤال عن أفضل طريقة للرد على القوة العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين. والولايات المتحدة وباقي الغرب شجعوا الصين في بداية الأمر على دخول الأسواق الغربية متوقعين أن الصين مع تحررها اقتصادياً ستتحرر سياسياً وبشكل تلقائي. وكان من المعتقد أن الشعب الصيني سيطالب بالمزيد من الحرية مع تزايده ثراء. واعتقد الخبراء أن الحكومة ستذعن لهذا لأنها لو فعلت غير ذلك لتسببت في الاضطراب ولعرقلت النمو. وكان تعزيز الصعود الاقتصادي للصين بالعضوية في منظمة التجارة العالمية ينظر إليه في ذاك الوقت باعتباره خطوة رابحة للجميع تعزز الثروة العالمية وتقلص التوترات الدولية.
لكن سلوك الصين منذئذ يوحي بأن ذلك التفاؤل لم يكن في محله الصحيح. فمازالت الحكومة الصينية ترجح في السوق الداخلية كفة الموردين المحليين وشركات معينة. وتعتقد الحكومة الأميركية أيضاً أن الحكومة الصينية تنتهك حقوق الملكية الفكرية من الشركات الأميركية والشركات الغربية الأخرى.
وفي الوقت نفسه تعرضت الهيمنة العسكرية الغربية في المحيط الهادئ للتهديد. والجيش الصيني يجسر سريعاً الفجوة بين قدراته وقدرات الغرب مستخدماً في بعض الحالات تكنولوجيا مقلَّدة. ولو لم يكن اقتصاد الصين متشابكاً مع الغرب لكان الرد عليها أسهل، ولكان بوسع الولايات المتحدة والغرب التصدي لانتهاكات الملكية الفكرية، ولجمدوا التداخل الاقتصادي مع الصين لحرمانها من الثروة والتكنولوجيا التي تحتاجها لتصعد إلى مستوى التهديد الجيوسياسي. لكن الحال هنا يختلف عن حربنا الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وأي مواجهة سياسية مع الصين قد تتسبب في ضرر لنا.
والدول الغربية تستطيع منع شركة هاواوي، على سبيل المثال، من ممارسة نشاطها داخل حدودها إذا أرادت ذلك، لكن الشركات التي تستخدم تكنولوجيا هاواوي ستتحمل تكلفة العثور على بدائل. وتستطيع الصين الرد باستهداف أفراد غربيين أو شركات غربية تعمل في الصين كورقة ضغط في النزاع.
والواقع أن الصين اعتقلت بالفعل كنديين يعيشان على أراضيها بشأن اتهامات تجسس وأصدرت حكماً جديداً يقضي بإعدام كندي أدين بتهريب المخدرات قبل بضع سنوات. ويُعتقد أن هذا يمثل رداً على اعتقال «مينج وانتشو» المسؤولة المالية في شركة هاواوي في ديسمبر الماضي في كندا بناءً على طلب من سلطات إنفاذ القانون الأميركية.
والأمر يبدو كما لو أن الغرب انتبه أخيراً للتهديد؛ فألمانيا وبريطانيا ودول أخرى تتحرك نحو منع الصين من الاستثمار في شركات التكنولوجيا. وقد انخفضت الاستثمارات الصينية الدولية بشكل كبير عام 2018 وهذا يرجع في جانب منه إلى هذه الإجراءات التي لم يؤد أي منها إلى عمليات انتقامية صينية خطيرة.
لكن المعارك الحقيقة مازالت تننتظرنا على الأرجح. ومن المتوقع أن تصعد الصين الضغوط كلما ضيّق الغرب الخناق عليها، لاعتمادها على الحماية غير المحكمة للملكية الفكرية والنقل القسري لها والتجسس والسرقة للحصول على المعرفة التي تحتاجها لجيشها. وهناك 340 ألف صيني يدرسون في الجامعات الأميركية يوفرون عائدات مطلوبة من الرسوم الدراسية لكثير من المؤسسات التعليمية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»