تمثل أفغانستان الآن تحدياً جديداً بالنسبة إلى الصين. ينطوي هذا التحدي على تهديد يُقلقها، لكنه يتضمّن في الوقت نفسه فرصاً يمكن اغتنامها. تحدٍّ يحمل في طياته مزيجاً من مكاسب مُمكنة، وخسائر مُحتملة.
غير أن كفة المكاسب تبدو أثقل مقارنةً بالخسائر، ليس فقط لأن هذه مُحتملة وتلك مُمكنة، وربما أكيدة، ولكن أيضاً لأن حاجة حركة «طالبان» وحكومتها إلى دور اقتصادي صيني كبير تدفعها للسعي إلى طمأنة بكين عبر تعاون أمني مُتوقع للحد من تهديد إرهابي عبر الحدود، وهو أكثر ما يخشاه الصينيون في الفترة المقبلة.
وليست الصين وحدها القلقة من مثل ذلك التهديد، فروسيا وإيران أيضاً قلقتان، وبدرجة أكبر، لأن حدود أفغانستان مع كل منهما أطول منها مع الصين. لا يزيد طول الحدود الصينية الأفغانية على 76 كم، لكنها تمتد بمحاذاة منطقة شينجيانج التي تنشط فيها حركات تُتهم بأنها انفصالية. كما أن المرتفعات الشاهقة على طول هذه الحدود تجعل تأمينها بشكل كامل صعباً.
والقلق الصيني من تهديد إرهابي ليس خفياً. وقد عبّر عنه وزير خارجيتها ومسؤولون آخرون التقوا وفد حركة «طالبان» خلال زيارته بكين في 28 يوليو الماضي، وفق ما ورد في وسائل إعلام حكومية. كما أعلن المتحدث باسم ذلك الوفد، في ختام الزيارة، أن الأراضي الأفغانية لن تُستخدم ضد أمن أي بلد. والمفترض أن يكون هذا الوفد قدّم ضمانات بأن ما حدث خلال حكم حركته السابقة بين عامي 1996 و2001 لن يتكرر، وهو استضافة ناشطين من إقليم شينجيانج. وهذه الضمانات بالغة الأهمية بالنسبة إلى الصين التي يُقلقها أن يكون الانفصاليون قد استغلوا الارتباك الذي حدث في فترة الانسحاب الأميركي الغربي المضطرب، لذا فقد سعوا إلى إقامة قواعد خلفية لشن هجمات داخل الأراضي الصينية.
وتواصل الصين في الوقت نفسه مساعيها لضمان تقليل احتمال التهديد الإرهابي عبر الحدود إلى أدنى حد، عبر تحركات واتصالات مع الأطراف الإقليمية الأخرى خشية ألاّ تتمكن «طالبان» من ضبط حركة الإرهاب. ومن هنا كانت مشاركة الصين بوفد رفيع في اجتماع عُقد في إسلام أباد وضم رؤساء هيئات الاستخبارات في الدول المجاورة لأفغانستان في 11 سبتمبر الجاري. 
ورغم القلق الصيني، وهو أمر طبيعي، يبدو أن احتمال حدوث تهديد إرهابي عبر الحدود سيكون ضعيفاً، الأمر الذي يتيح لبكين أن تهتم أكثر بالعمل لجني المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية التي لابد أنها تعرف السبيل إليها، وتُدرك في الوقت نفسه أن الأفغان ينتظرون ما سيعود عليهم من جراء دعم العلاقات معها.
وهذا هو النموذج الذي تسعى الصين إلى تقديمه بديلاً عن التدخل الأميركي الغربي في أفغانستان.. نموذج يمكن تلخيصه، بشيء من التبسيط، في أن الصين تحمل معها خططاً وأموالاً للاستثمار والبناء والازدهار، وليس دبابات ومدافع وقنابل.
ولدى الصين خبرة متراكمة في الاستثمار في بيئات غير مثالية من الناحية الأمنية. وقد حققت نجاحاً ملموساً في هذا النوع من الاستثمار في عدد من الدول الأفريقية.
وستكون البنية التحتية المجال الأول للاستثمارات الصينية المتوقعة سعياً إلى تحقيق هدفين. الأول هو الوصول إلى ما يُعتقد أنها احتياطيات معدنية كبيرة غير مُستغلة، ولبعضها قيمة كبيرة في المرحلة الراهنة من التطور الاقتصادي الصيني، مثل الليثيوم والكوبال. والثاني هو إلحاق أفغانستان بمشروع الصين الأكثر أهمية، «الحزام والطريق»، ومن ثم إضافة مسارات جديدة إليه تجعله أكثر ترابطاً.
كما أن الاستثمار في قطاع البنية التحتية الأفغاني يُتيح فرص عمل أسرع من معظم القطاعات الأخرى، وهو ما يمكن أن يُدعّم الوعد الصيني بأن تكون ثمار هذا الاستثمار متبادلة ينعم بها الأفغان أيضاً.

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية