العمل الإنساني عمل نبيل وخالد ومتعة وراحة بال وسعادة، لمن تستهويه هذه المهنة أو الهواية أو مَن يوفق ويعمل بهذا المجال الحيوي الهام والملهم. وبدون أدنى شك فإنه سيستمتع وهو هذا الحقل، لما يحتوي عليه من القيم والفضائل وأنواع السلوك الحميد، الأمر الذي يمنح المرأ شعوراً بالارتياح والحيوية والنشاط، أو بالأحرى شعوراً بالراحة النفسية والتصالح مع الذات والعمل على تهذيبها وتشذيبها. والإنسان في هذه الحالة يشعر بتغيير نمط الحياة العادية التقليدية المملة.

عندما كنا نعمل مع المنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر، والتي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً لها، كانت بمثابة مظلة قانونية ونظامية وشرعية وإنسانية وارفة الظلال، لكل الأنشطة التي تمارسها هيئات الهلال والصليب الأحمرين في الدول العربية. خلال وجودنا في تلك المنظمة الإنسانية لم نشعر بالتعب ولا انتابنا أي إحساس بالملل والإحباط والخمول، بل ينتابنا فقط شعور آدمي وإنساني غريب يدفعنا لمزيد من النشاط والمثابرة، لإننا نشعر ونحس بأننا نقدم ونشارك في عمل تطوعي إنساني خالص من أجل الإنسانية ومن أجل خدمة الناس ومساعدتهم، لذلك كنا نستمتع أي ما استمتاع بالعمل الجماعي التطوعي الخيري.

صحيح أن هناك مشاهد إنسانية صادمة، كنا نتألم لرؤيتها عندما نزور ونتفقّد مخيمات اللاجئين والنازحين في الخارج، وأغلبهم في الدول العربية المنكوبة بالحروب الأهلية والصراعات الطائفية والمذهبية.

كنا نشعر بالألم والحزن والأسى على ما تعرضت له العوائل والمجتمعات العربية من كوارث ومآسي ومحن ومرارات، بسبب القلاقل والاضطرابات التي شهدتها بلادهم، فخربت الديار وأتلفت الخيرات وبددت الثروات وأحرقت البلد ككل.. قبل أن تتهجر من مدنها وقراها بلا ذنب، فقط بسبب التطاحنات السياسية التي فجّرها ما سمي «الربيع العربي» سيء السمعة. كان ذلك قبل زمن جائحة كورونا التي زادت الطين بلة، وعطلت العمل الإنساني الواسع والنشط في السابق، على أيدي دول ومنظمات إنسانية مارسته وصرفت عليه من أموالها الخاصة، فقط من أجل خدمة الإنسانية. وقد سطّرت دولة الإمارات العربية المتحدة سجلا ناصعاً ومتقدماً في سجل العمل الإنساني النبيل، فقامت بالمبادرات الخيرية، ورصت الأموال والجوائز والمكافآت التحفيزية للأعمال الخيرية.

لقد أثّرت جائحة كورونا على نشاط العمل الخيري الإنساني، فعطلت حركته وشلتها إلى حد كبير، لاسيما بسبب تقلص حركة السفر الجوي والبحري والبري والتعقيدات الجديدة في مجال السفر، والقيود الصارمة التي وضعتها الحكومات والدول مخافةَ انتشار فيروس كورونا المستجد. وقد انعكست هذه الظروف السيئة سلباً على مبادرات العمل الإنساني في كثير من تفاصيله، بعد أن كان وسيلة مهمة للتخفيف من معانات الناس، كما كان له الأثر الواضح في تحسين ظروفهم الصعبة والمزرية، لاسيما في ظل الأحداث السياسية التي عصفت بالعالم العربي ومزقته، قبل مجيء جائحة كورونا التي عصفت بالعالم كله وعطلت عجلة الحياة.

ومع ذلك فقد ضاعفت دولة الإمارات من مجهودها الخيري الإنساني في ظل جائحة كورونا، حيث أمدت عشرات الدول بمئات الأطنان من الأدوية والتطعيمات والوسائل الواقية والمعدات الطبية. أسوق هذه الكلمات هنا بمناسبة اليوم العالم للعمل الإنساني، الذي برز دوره وشاعت ملامحه، بشكل واضح ومؤثر، قبل قدوم الوباء العالمي الذي أربك العالم وأثّر في كثير من الأشياء النافعة والمفيدة، ولم نعد اليوم نسمع إلا أعداد المرضى والمصابين ورصد كشوفات الموتى في المستشفيات والمقابر، بسبب هذا الوباء الخطير في عالم أصبحت تسوده الأنانية وقليل فيه من يهتم بالعمل الخيري والإنساني خدمة للإنسانية.

* كاتب سعودي