لا تزال العلاقات الصينية- الأميركية تدور في دائرة محددة من التجاذبات الخاصة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من السيناريوهات التي قد تبدو صفرية، وهذا واضح من جملة المعطيات الراهنة في مستوى التعاملات بين الجانبين، بما في ذلك الاتصالات الرسمية، وهو ما أكده السفير الصيني الجديد في الولايات المتحدة «تشين قانغ»، بأن العلاقات الصينية -الأميركية قد وصلت مرة أخرى إلى منعطف حاسم جديد، حيث لا تواجه العديد من الصعوبات والتحديات فحسب، بل تواجه أيضا فرصاً وإمكانيات كبيرة إن أرادت واشنطن، وأن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة في حالة جمود، وتواجه صعوبات خطيرة.

في المجمل يرى الخطاب الإعلامي والسياسي للصين أن الولايات المتحدة تُصوّر الصين على أنها عدو أسطوري، وأن شيطنة الصين محاولة من جانب الولايات المتحدة لإلهاء الشعب الأميركي عن القضايا الداخلية في ظل خلافات متعلقة بالتجارة، وملف القرصنة وانتهاكات حقوق الإنسان وهونج كونج، كما لا تزال الصين ترى أن مسارات تنميتها لا تمثل تحدياً للسياسة الأميركية، وأن العلاقة بين البلدين استمرت في المضي قدماً على الرغم من التقلبات. في هذا الإطار يؤكد الرئيس الصيني الحاجة إلى صياغة مسارات جديدة وبناء جسور جديدة كلما لزم الأمر لتجاوز جميع المخاطر والتحديات، وهو ما قاله أيضاً الرئيس الأميركي أن أي شيء ممكن على حد قوله، ولكن كيف يتم ذلك في ظل إعلان الصين فرض عقوبات على عدد كبير من الأفراد والمؤسسات الأميركية.

وجاءت هذه الدفعة من العقوبات المضادة التي أعلنتها الصين قبل أيام من زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية «ويندي شيرمان» إلى بكين، إضافة إلى استمرار فرض قيود التأشيرات على أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، والطلاب الصينيين الذين يسعون للدراسة في الولايات المتحدة. ولا تزال واشنطن وبكين على خلافات بشأن عدد من القضايا، فيما تؤكد التوجيهات الاستراتيجية المؤقتة للأمن القومي لإدارة بايدن، أن الصين هي المنافس الوحيد المحتمل أن يكون قادراً على الجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية والقوة العسكرية والتكنولوجية، فيما أكد الحزب الشيوعي الصيني أن العلاقات الثنائية يجب أن تخضع لمبادئ عدم الصراع، والاحترام المتبادل، حيث ترى الصين أن أميركا تمثل أكبر تهديد خارجي لأمنها القومي، وسيادتها واستقرارها الداخلي.

والواقع أن النظرة السلبية تجاه الصين لا تقتصر فقط على النخبة السياسية في أميركا، ولكنها أيضاً موجودة بين الشعب الأميركي، فالجيل الأكبر من الأميركيين ينظرون إليهم كطلبة أو زملاء يسعون إلى التعلم من التجربة الأميركية، أما الجيل الأصغر من الأميركيين فإنهم يتبنون موقفاً صارماً تجاه الصين.

ولتجنب الدخول في صراع، تحتاج واشنطن وبكين إلى أمرين: الأول هو أن تسلم الإدارة الأميركية بأن الحزب الشيوعي الصيني يتمتع بشعبية كبيرة بين الشعب الصيني، ولن تتزعزع سيطرته على السلطة، وبالتالي الضغوط الخارجية على الصين لن تؤدي لنتائج إيجابية، الثاني اقتناع الصين بأن الولايات المتحدة ستبقى الفاعل الأقوى في تشكيل النظام العالمي، ومن ثم يجب أن يلتزم البلدان بنهج الاحترام المتبادل للحيلولة دون تحول المنافسة إلى مواجهة، مع التأكيد على أن المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، والمتمثلة في نهج الاشتراكية الصينية، والنظام الليبرالي لن يلتقيا على خط واحد.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية