تواجه أفغانستان، المترنحة من انتصارات «طالبان» وانسحاب الولايات المتحدة، خطر خسارة مكاسب حقوق النساء، وحرية الصحافة، والمعايير الديمقراطية التي حققتها خلال العشرين عاماً الماضية. غير أنه خلال زيارة لي إلى هذا البلد مؤخراً، وجدتُ صورة أكثر تعقيداً – وبعض المؤشرات الإيجابية --أثناء اجتماعات مع الحكومة والمعارضة وشخصيات عسكرية.
أولاً، الأشياء السيئة: فقد اجتاحت «طالبان» العديد من المناطق، حيث قطعت الطرق وعزلت ثكنات ونقاط تفتيش. كما فاجأت قوات «طالبان» القواتِ الأفغانية والأجنبية بالانتقال من الجنوب والشرق – وهي المناطق التي تشهد أعنف المعارك تاريخياً – ومهاجمة واحد من أضعف فيالق الجيش الأفغاني في الشمال. وكان من نتائج ذلك أن العديد من المواقع العسكرية الأصغر، التي كان قادة أميركيون قد حذروا لسنوات من أنها غير قابلة للاستمرار – إما استسلمت أو تعرضت للاجتياح.
وقد تكون تغيرات القيادة الأفغانية الكثيرة مؤخراً أسهمت في هذه المشاكل – مثلما فعل بدون شك قدر من الفساد وبعض الحشو لقوائم التجنيد. غير أن الولايات المتحدة أيضاً تتحمل بعض المسؤولية عن المشكلة الأكبر.
فالحاميات الأفغانية عُزلت، غير أن الولايات المتحدة سحبت موارد إعادة الإمداد الجوي. كما سحبت المتعاقدين الأجانب الذين كان يعتمد عليهم الأفغان في إدارة نظامهم الخاص بالإمداد، وأولئك الذين يقومون بصيانة المقاتلات والمروحيات الأفغانية. وبالنظر إلى قدرات النقل الجوي المحدودة التي يمتلكها الأفغان، فإن الجنود يتساءلون الآن ما إن كان سيتم إعادة إمدادهم أو إجلاؤهم إن قاتلوا.
بيد أن هناك ما يدعو للأمل والتفاؤل. فالانطباع الشعبي – أن القوات الخاصة الأفغانية فقط هي التي تقاتل بينما الجيش الأفغاني لا يفعل شيئاً – مبالغ فيها. ذلك أن الجيش النظامي في إقليم هيلمند يحارب ببسالة ولم يتكبد خسائر في محيط عاصمة الإقليم رغم تعرضه لضغط شديد. وقد أخبرني صديق أفغاني عن قتال أحد أقربائه في الجيش في إقليم نيمروز النائي. فبعد ثلاثة أيام من القتال، نجحوا في صدّ هجوم لطالبان، وتمكن الجيش، الذي تلقى المساعدة من مقاتلين محليين، من استعادة السيطرة على المنطقة الآن.
مثل هذه القصص لا تُثبت أن الجيش قوي، ولكنها تُظهر بالفعل أن الاعتقاد بأن كل شيء قد فشل مبالَغ فيه.
ولعل المؤشر الأكثر إيجابية هو المقاومة الشعبية لـ «طالبان». ففي بعض المناطق، يقود المعارضةَ زعماء حرب سابقون.
غير أنه إذا كانت هناك بعض الأمثلة لعمل المقاومة مع الجيش وزعماء الشرطة المحليين، فإن الانتفاضة الشعبية تفتقر عموماً إلى قيادة مركزية وتنظيم. كما إنها مسلحة بأسلحة خفيفة؛ وما لم يتم دعمها، فإنها يمكن أن تنهار أمام هجمات مركزة لطالبان.
ومثلما أكد الرئيس جو بايدن، فإن الحكومة الأفغانية تتحمل المسؤولية الكبرى. إذ يجب عليها أن تدعم المقاومة وتقودها، وتضع استراتيجية أوضح، وتشرح تلك الاستراتيجية لشعبها. الرئيس أشرف غني قال لي إنه يمتلك هذه الاستراتيجية؛ وينبغي عليه الآن أن يكشف عن عناصرها الرئيسة للجمهور.
غير أنه من المهم أيضاً أن تدرك الولايات المتحدة كيف أضرت أفعالُها بالمعنويات، وأن تقوم بواجبها في رفعها من جديد. فتاريخياً، كانت الحروب الأفغانية تنتهي عندما يقرر الناس أن طرفاً ما بات في طريقه إلى الفوز ويوقفوا القتال. وقد حدث ذلك في 2001، عندما انهارت معنويات «طالبان» بعد بضع معارك. وعليه، فإذا تدنت المعنويات هذه المرة وبدأ الجيش يخسر في المدن، فإنه يمكن أن يكون هناك تفكك سريع، وقد تجد الولايات المتحدة نفسها فجأة في وضع إجلاء قبيح في كابول.
لقد مثّل قرارنا الانسحاب، بدون تفسير، قبل موعد الـ11 من سبتمبر المقبل الذي حدّده بايدن صدمةً حقيقيةً. والتركيز الضروري والصاخب معاً على تأشيرات للمترجمين الأفغان وآخرين ممن عملوا مع الحكومة الأميركية يدفع الأفغان إلى التساؤل ما إن كنا قد تخلينا عن دعم قدرة بلدهم على مقاومة «طالبان». كما إن فكرة أن النتيجة منوطة كلياً بالأفغان تجعلهم يتساءلون ما إن كنا قد غسلنا أيدينا من المسؤولية.
إننا نقول إننا سنواصل دعم قوات الأمن الأفغانية؛ ولكن الأفغان يشكون في أننا نعني ما نقول. وفضلاً عن ذلك، فإن أعمال الدعم التي نقوم بها، مثل توفير مزيد من الطائرات، تضيع وتغرق وسط الرسائل المختلطة التي تصدر عنا. وتفقد وعودنا قيمتها.
لقد أرجأت «طالبان» مهاجمة المدن الرئيسة؛ ولكن المراقبين يتوقعون استئناف الهجمات قريباً. وعليه، فنحن في حاجة عاجلة إلى إيجاد إجراءات رمزية تضع حداً للرسائل المختلطة وتؤكد أن دعمنا ما زال حقيقياً.
وأحد هذه الأعمال الممكنة هو توفير إعادة الإمداد بالطعام والذخيرة جواً للمدن الرئيسة في نهاية خطوط إعادة إمداد صعبة. ذلك أننا نستطيع تحديد احتياجات قوات المقاومة من حيث المعدّات والتمويل والقيام بعملية نقل عاجلة. ويمكننا القيام ببعض الضربات الجوية من طائرات توجد خارج أفغانستان. وقد تكون هناك أفكار أحسن.
الخلاصة هي أن التحرك ينبغي أن يكون كبيراً ومرئياً وحقيقياً. إذ يجب على الأفغان وقف الانزلاق أو خسارة الحرب. ويجب على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لتبديد الشكوك التي يمكن أن تفضي إلى الانهيار. إن نافذة العمل تنغلق بسرعة، وعلينا التحرك الآن!
رونالد إي. نومان*
سفير الولايات المتحدة إلى أفغانستان من 2005 إلى 2007
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومببرج نيوز سيرفس»