من الحقائق المؤسفة والمؤلمة أن قرابة المليار طفل، يتعرضون سنوياً للعنف وإساءة المعاملة. هذا الرقم المفجع، شهد زيادة ملحوظة خلال وباء كوفيد19 الحالي، كما أن فعالية وكفاءة الخدمات الاجتماعية، المعنية بحماية الأطفال ووقايتهم من العنف وإساءة المعاملة، شهدت تراجعاً ملحوظاً، وأحياناً توقفت تماماً عن أداء مهمتها لقرابة 1.8 مليار طفل في أكثر من 100 دولة.

أضف إلى ذلك أن 1.5 مليار طفل ومراهق، تحولوا للدراسة عن بعد، وتوقفوا عن حضور دروسهم في المباني التعليمية، مما حرمهم من الحماية والدعم اللذان أحياناً ما توفرهما المدارس. ومما زاد الطين بلة، تضافر الإجراءات والتدابير التي اتخذت لمنع انتشار الفيروس، مع الصعوبات الاقتصادية والمالية التي وضعت الكثير من الأسر تحت ضغوط غير مسبوقة، والتي أدت جميعها لخلق بيئة سلبية وظروف معاكسة للأطفال، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يتعرضون في الأساس لإساءة المعاملة، أو العنف النفسي والجسدي، أو الاستغلال الجنسي.

ورغم الفوائد التي تُجنى حالياً من تكنولوجيا التواصل الرقمي على المنصات المختلفة، إلا أن الوباء دفع بغالبية الأطفال نحو حياة إلكترونية وبشكل شبه كامل، على صعيد التعليم، والتواصل الاجتماعي، وتقضية وقت الفراغ واللهو مع الألعاب الإلكترونية، إلا أن هذه النوعية من الحياة نتج عنها تزايد احتكاك هؤلاء الأطفال بشخصيات مريضة وإجرامية، حاولت الاستفادة من الظروف الآنية في استغلالهم وإيقاع الأذى بهم.

هذا الوضع برمته، يضعنا جميعاً في مرحلة حرجة وعند مفترق طرق خطير، فإذا لم نسارع باتخاذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة، فسنخاطر حينها بخسارة جيل كامل، نتيجة التبعات والآثار طويلة المدى، الجسدية والنفسية والعقلية، من جراء ما سيتعرض له أفراد هذا الجيل من عنف، وإساءة معاملة، بشكل يقوض ويهدد أمنهم، وسلامتهم، وصحتهم، وتحصيلهم الدراسي، ونموهم وتطورهم النفسي والاجتماعي.

وحالياً مع بدء انحسار الوباء نسبياً، وظهور بشائر عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه سابقاً، أصبحت الفرصة متاحة لخلق وبناء مجتمعات أكثر أمناً وسلامة، ولاندماج جميع الطوائف الاجتماعية والفئات العمرية. فالفرصة متاحة حالياً لمضاعفة الجهود، وتوظيف الدروس المستفادة من الفترة الماضية ووضعها موضع التنفيذ، لبناء عالم يتمتع فيه جميع الأطفال بالأمن والسلامة، من خلال بيئة داعمة وصحية، بعيدة عن العنف البدني والجسدي، وعن سوء المعاملة بجميع أشكالها وصورها.

* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.