بعد خمس سنوات من التعاون مع صندوق النقد الدولي (2016– 2021)، وثقت مصر تجربتها الرائدة في مجال التعاون الدولي والتمويل الإنمائي، وكيف استطاعت تطبيق وتنفيذ منهجيات حديثة، بما يعظم من أثرالشراكات الدولية المنفذة مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، ويسرع وتيرة تنفيذ رؤية التنمية «مصر 2030».

وقد أطلقت وزارة التعاون الدولي المصرية كتاباً للترويج لنجاح هذه التجربة، واعتمادها نموذجاً لبقية الدول الناشئة والنامية. لقد قطعت مسيرة التعاون مرحلتين، حصلت مصر خلالهما من الصندوق على 17.2 مليار دولار: المرحلة الأولى عام 2016 وبقرض قيمته 12 مليار دولار، في إطار تنفيذ سلسلة إصلاحات مالية واقتصادية.

أما المرحلة الثانية فقد بدأت في يونيو 2020 بقرض قيمته 5.2 مليار دولار لمواجهة التداعيات الصحية والاجتماعية لأزمة «كوفيد–19»، وتم دفعه على ثلاث دفعات، كان آخرها في يونيو الماضي بمبلغ 1.7 مليار دولار. وجاء الاتفاق لتحسين بعض المؤشرات، بعد معاناة مالية تمثّلت في عجزالموازنة العامّة والحساب الجاري، ما أدى إلى تراجع حاد في احتياطات العملات الأجنبية.

وقد لجأت الحكومة إلى صندوق النقد الذي اشترط إجراءات منها تقليص الدعم، وتعويم سعر صرف الجنيه، واعتماد سياسة تقشفية. وقد أنتجت مؤشرات إيجابية، أتاحت لمصر تحسين تصنيفها الائتماني، وعودة ناجحة إلى الاقتراض من الأسواق المالية.

ورغم الإشادة الكبيرة التي أعلنها الصندوق بنجاح «التجربة المصرية»، فقد لفت في بيانه الرسمي الذي صدر في يونيو الماضي، إلى أنه «في ظل الأخطار التي مازالت تتهدد الاقتصاد المصري، والناجمة عن حالة عدم اليقين العالمي، وإرتفاع الدين العام، والاحتياجات التمويلية، ينبغي على السياسات المالية والنقدية قصيرة الأجل أن تستمر في دعم الانتعاش والحفاظ على الاقتصاد الكلي»، ودعا إلى «تعميق الإصلاحات الهيكلية وتوسيعها، لمواجهة تحديات ما بعد الجائحة، وإطلاق العنان لإمكانات النمو».

مع العلم أن الحكومة تستهدف تحقيق نمو يضع مصر ضمن قائمة أكبر 30 دولة في العالم بالاقتصاد والتنمية الاجتماعية. ولعل أهم النتائج الإيجابية لهذه التجربة، يكمن في الثقة المحلية والإقليمية والدولية التي حصدتها مصر، وبفضلها شهدت تدفقات كبيرة للنقد الأجنبي، وحققت المصارف أعلى معدل «تدفقات دولارية» في تاريخها، الأمر الذي أكد قدرة القطاع المصرفي على تلبية طلبات العملاء كافة، وتغطية حاجات الدولة، والمساهمة برفع مستوى الإحتياطي النقدي الذي سجل رقماً قياسياً، حتى إن الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية بلغت نحو 29 مليار دولار في مايو الماضي.

أما النتائج السلبية فتكمن في التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة. مع التذكير بأن مشكلة الديون في مصر مشكلة تاريخية ومزمنة، بدأت مسيرتها عام 1810 في عهد محمد علي، واستمرت إلى نهاية عهد حسني مبارك في العام 2010، مع مشاكل اجتماعية متعددة ومتنوعة، كانت من الأسباب الرئيسة لاندلاع قلاقل 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013.

* كاتب لبناني