الأسابيع القليلة الماضية كانت الأكثر أهمية، في هدوء، في تاريخ السياسة الأميركية. فقانون الإغاثة من «كوفيد-19» الذي أُقر لتوه هو واحد من أهم التشريعات التي شهدناها في حياتنا. فقد كتب إيريك ليفيتز في مجلة «نيويورك» يقول إن الخُمس الأفقر من الأسر سيشهدون زيادة في دخولهم بنسبة 20%، والأسرة المؤلفة من أربعة أشخاص وبها أحد الأبوين يعمل والآخر لا يعمل، ستحصل على 12460 دولاراً من الإعانات. وسيتقلص فقر الأطفال إلى النصف. والقانون يتجاوز الإغاثة من «كوفيد-19»، إذ هناك مليار دولار لصالح برامج الخدمات الاجتماعية، والمزارعون السود سيتلقون أكثر من أربعة مليارات دولار في خطوة نحو التعويض فيما يبدو. وهناك توسع هائل في دعم التأمين الصحي. وتعديلات كثيرة، مثل الرصيد الضريبي للأطفال قد تصبح دائمة. 
وأشار مايكل هندريكس، من معهد مانهاتن، إلى أن أميركا أنفقت 4.8 تريليون دولار، بسعر صرف الدولار اليوم، كتكلفة لخوض الحرب العالمية الثانية. وعلى مدار العام الماضي، أنفقت أميركا أكثر من 5.5 تريليون دولار في مكافحة الجائحة. ورغم وجود حالة من الاستقطاب، يحظى التشريع بشعبية واسعة. فهناك ثلاثة أرباع الأميركيين يؤيدون القانون، من ضمنهم 60% من «الجمهوريين»، وفقاً لمسح أجرته شركة «مورنينج كونسالت» الاستشارية. والأعضاء «الجمهوريون» في الكونجرس صوتوا ضد التشريع، لكن الحزب الجمهوري لم يبد اهتماماً بجعل التشريع معركة حزبية كبيرة. فحتى صباح الخميس الماضي، لم ينشر موقع «فوكس نيوز» على الإنترنت إلا قصتين عن مشروع القانون، بينما اهتم بقضايا أخرى. 
ولا أحد يهتم كثيراً حين يروج الرئيس جو بايدن لسياسات تقدمية كان من الممكن أن تثير الاستفزاز لو كان مروجهاً رئيساً مثل بيرني ساندرز أو اليزابيث وارين. وهذه اللحظة تشبه عام 1981، بداية ثورة ريجان، وإن تكن في اتجاه عكسي. والأمر لا يقتصر على أن الحكومة تسير في توجه جديد بل أن النموذج الكامل لدور الحكومة في الحياة الأميركية يتغير. وبايدن لا يجعل طبقات البناء هذه تتغير بل يقود هذا التغير. لقد كانت «الريجانية» استجابة صائبة للتضخم والركود الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي، لكن «البايدنية» استجابة معقولة لنمط مختلف تماماً من المشكلات. ودعنا هنا نعرض مجموعة من الإحصاءات، فقد أشار فريق من الباحثين بقيادة «راج تشيتي» إلى أنه في سبعينيات القرن الماضي، كان 90% من الأشخاص في الثلاثينيات من عمرهم يكسبون من الدخول أكثر مما كان يكسب آباؤهم في ذاك العمر. وبحلول عام 2010 بلغت هذه النسبة 50% فقط. 
وكان المسلّم به على امتداد التاريخ الأميركي أن المرء إذا عمل بجد، سيحقق الأمن الاقتصادي. لكن هذا لا يصدُق بالدرجة نفسها على جيل الألفية والجيل التالي له وكثيرين آخرين على امتداد أميركا. وهذه الوقائع خلقت مناخاً عاطفياً مختلفاً عززته الجائحة وتمثل في الشعور بعدم الأمن وعدم الاستقرار. وهذا الواقع أنتج ثورة فكرية. لقد كان من المسلّم به أيضاً قبل عقد فحسب أن الاحتياط الاتحادي لا يستطيع طبع النقود فحسب دون مبالاة بالعواقب. وكان من المسلّم به أن الحكومة لا تستطيع مراكمة ديون كثيرة دون حدوث تضخم أو عملية سداد صعبة للديون. وهذان العنصران تخلى عنهما عدد كبير من المفكرين الاقتصاديين. وشهدنا سنوات من الديون المرتفعة وسياسة نقدية فضفاضة، لكن التضخم لم يحدث. 
ولذا تم التخلي عن الكوابح. ونشهد حالياً سياسات نقدية ومالية لم تكن متخيلة قبل عقد من الزمن. وتطور الأمر في نهاية المطاف إلى تقليص بلا تعقل في الضرائب لصالح الأغنياء. وأُعيدَ تحديد دور الحكومة. وهناك تسليم الآن بأنه يجب على الحكومة التدخل لتقليص عدم الاستقرار وعدم المساواة الاقتصاديين. بل أصبح هناك جمهوريون، مثل توم كوتون وميت رومني، يعدان خطة لتعزيز أجور العمال الأميركيين بشكل كبير. 
وهذا ليس اشتراكية ولا سيطرة من الحكومة الاتحادية على الاقتصاد، ولا برامج لتقييد سيطرة الشركات. وثقة الأميركيين في الحكومة ما زالت منخفضة، رغم أن الحكومة تعيد توزيع مبالغة كبيرة من المال بإرسال شيكات إلى الناس معتقدةً أنهم سينفقونها بالطرق الصحيحة. وكلا الحزبين يعدلان من نفسهما للنموذج الجديد. فقد رأى «الديمقراطيون» أن قرار بايدن تحاشي الإجماع الحزبي ليقر صفقة إغاثة أفضل من محاولة باراك أوباما تحقيق هذا الإجماع. 
والظروف الاقتصادية الضعيفة جرفت الحزب الجمهوري بعيداً عن ليبرالية ميلتون فريدمان ونحو شعبوية دونالد ترامب. وتعلم الجمهوريون أنها حقبة جديدة، ومن الحماقة التصدي للديمقراطيين في سياسة إعادة التوزيع، بل يمكنهم الفوز بالانتخابات بخوضهم حروباً ثقافية. وقد أشار يوفال ليفين، من معهد أميركان انتربرايز، إلى أننا قد نرى تغيراً في التحيز السياسي دون تغير في التحيز الحزبي، لأن الجمهوريين وجدوا وسائل ثقافية كثيرة لجذب الناخبين. 
إن إنفاق المال المُقترض بلا مبالاة أمر ملق، لكن عدم المساواة في الدخول، وفقر الأطفال واسع الانتشار، وعدم الاستقرار الاقتصادي.. مشكلات عصرنا. والأمر يستحق الإقدام على مغامرة لمعالجة كل هذا. وكان بايدن في البداية يمثل فيما يبدو الفصل الثالث من عصر كلينتون وأوباما من يسار الوسط لكن هذا شيء جديد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/03/11/opinion/biden-covid-relief-bill.html