تنير لنا إحدى زوايا مكتبة المعرفة بأن أهمية النظرية والتنظير في العلاقات الدولية، كجزء من العلوم الاجتماعية، تنبع من القدرة على تفسير الواقع، وتصويره للآخرين مع استشراف المستقبل. فإن كانت الأخوة من النظم الاجتماعية الإنسانية تعني رابطة الدم والانتماء إلى شجرة واحدة، فإن الأخوة في العلاقات الدولية تشير إلى الدول المتجاورة جغرافياً، لما لها من زخم في الاتصال والتواصل، كما تشير أيضاً إلى الدول الإقليمية التي تنتمي إلى إقليم واحد، تجمعهم أبعاد وتفاعلات أمنية وبيئية وتنموية واقتصادية وثقافية وحضارية مشتركة، في إطار لا يخلو من وجود التنافس والصراع في بعض الملفات. فمن أحد رفوف مكتبة المعرفة نسحب ونعرض كتاباً يتحدث عن نظرية أنظمة الأمن الضمنية.
يقدم لنا كل من البروفسور كلايف جونز Clive Jones والدكتور يوئيل جوزانسكي «Yoel Guzanzky» نظرية أنظمة الأمن الضمنية «Tacit Security Regimes» في كتابيهما، (الأعداء الأخوة: إسرائيل والملكيات الخليجية).''Fraternal Enemies: Israel and the Gulf Monarchies''حيث تقوم قاعدة النظرية على وجود تعاون في مجالات محددة بين الدول دون التصادم في مسائل وقضايا أخرى كالمرتبطة بالوضع الداخلي الشعبي ومعتقداتهِ، أو التأثير على طبيعة علاقات دولية ما. بالفعل يعرضان على نظريتهما أمثلة واقعية متعددة في سياق العلاقات بين طرفي الدراسة. وما إن اكتملت في ذهني أبعاد النظرية، حتى وجدتها تنطبق على العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل وبين أنقرة وحكومة أربيل.
نظرية (TSR) مع جونز وجوزانسكي تقودنا إلى الحديث عن البراجماتية الواقعية والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية. قطعاً، صناع القرار السياسي هم الأكثر إدراكاً للمتغيرات في البيئة الدولية والإقليمية والداخلية، لذا هم يتجهون في الغالب إلى مصالح دولهم، فمثلاً لعبة الشطرنج قد تجمع طرفين في صراع واختلاف عقائدي وثقافي، ويخضعان لقانون اللعبة، لذا فإن أطراف الصراع قد تجمعهم المصالح المشتركة ومتطلبات الأمن والتنمية، وربما مع تكرار واستمرار اللعب بفترات زمنية طويلة تتغير وتزول بعض المعوقات، كالصراع الحدودي أو العقائدي.
وتأتي أهم المتغيرات الدولية والإقليمية في احتمالية تقلص الدور وقوة الحضور الأمني الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، والذي سيلقي بدورهِ الأمني على عاتق الدول الإقليمية، والتي عليها تغليب مصالحها المشتركة على قضاياها الصراعية لتحقيق الأمن الإقليمي، والعمل على رفع مستويات التنمية والتعاون إلى حدود مقبولة في منطقة غنية بموارد النفط والغاز، شحيحة المياه، وذات مؤشر مرتفع في النمو السكاني، ومؤشر منخفض في التنمية، إلى جانب كونها محلاً لبروز الجماعات المتطرفة التي لا تؤمن بواقع الدولة القُطْرِية/القومية وإطار العلاقات الدولية. يقابل هذه المسألة، ظاهرة تزايد فعالية الليبراليين والعلمانيين وحتى اليساريين في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي إسرائيل بصورة خاصة، والتي تقلل من وجود الأفكار والسياسات اليمينية المتطرفة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي بسببها اغتيل الرئيس المصري أنور السادات وإسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي، لذا لابد من الاهتمام بهذا الحيز لتحقيق السلام في القضية الفلسطينية.