لم يستطع العالم التصدي للتحديات الكونية التي واجهته على مدار العقود الماضية، كالإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والجرائم المنظمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية واللاجئين، إلا من خلال التعاون وتوحيد الجهود في مواجهتها، لأنه مهما كانت قدرة أي دولة أو مجموعة من الدول، فإنها تظل عاجزة بمفردها عن التعامل مع هذه النوعية من التحديات التي تتسم بالتعقيد والتشابك وارتفاع درجة المخاطر.
ورغم أن هناك إجماعاً بين دول العالم، المتقدمة والنامية والفقيرة، على خطورة هذا الوباء وحتمية التصدي له، فإن مستوى التعاون الدولي المطلوب لمواجهته لا يزال دون المأمول، بل للأسف فإن هذا الوباء أظهر غياب الطابع الأخلاقي والإنساني عن العديد من دول العالم التي كانت ترفع شعارات مثل احترام حقوق الإنسان والتضامن الدولي، فانكشفت بصورة صارخة حينما تخلت عن تقديم المساعدات لبعضها بعضاً، وتبادلت الاتهامات فيما بينها حول المسؤولية عن نشر هذا الوباء، في وقت يفترض أن تتوحد فيه كافة الجهود من أجل مواجهته.
لكن مع هذا المشهد الدولي الذي يدعو إلى القلق، فإن الإمارات قدمت صورة مشرقة، وأثبتت أنها دولة مسؤولة وصاحبة رسالة إنسانية وأخلاقية وحضارية، وتستطيع أن تقود الجهود الدولية لمواجهة هذا الوباء القاتل، ومن يتابع مبادراتها المتنوعة منذ ظهور هذا الفيروس، يدرك بوضوح حجم ما قامت به - وما تزال- من جهود، فهي من ناحية تأتي في مقدمة دول العالم التي تقدم مساعدات لمنظمة الصحة العالمية، حيث قدمت 85% من المساعدات الطبية حول العالم لدعم الدول الأكثر حاجة في مواجهة هذا الوباء، كما أنها تواصل تقديم المساعدات الطبية إلى العديد من دول العالم، بغض النظر عن أي اعتبارات أو خلافات سياسية. في الوقت ذاته، فإن أطباء الإمارات الموجودين في العديد من دول العالم يقفون في مقدمة الصفوف في مواجهة وباء «كوفيد-19»، رغم الظروف الصعبة ونقص إجراءات الوقاية والحماية لهم، ليسطروا بذلك ملحمة فريدة من العطاء الإنساني، ويثبتون بحق أنهم خير سفراء لدولة الإمارات، وقيم شعبها الأصيلة في التضامن والتكاتف مع الغير في مواجهة المحن والأزمات، في وقت شاهدنا فيه التنافس بين دول تسعى إلى اجتذاب الأطباء من دول أخرى وتقديم الإغراءات لهم لترك أوطانهم من دون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية.
في ظل استمرار جائحة كورونا، فإن طوق النجاة الوحيد لمواجهة هذا الوباء والانتصار عليه هو العمل على توحيد جهود المجتمع الدولي، لأن هذا الوباء يستهدف الدول من دون تمييز، ويصيب المسؤولين في قمة الهرم السياسي إلى عامة الشعب، فالجميع سواسية أمام هذا الوباء القاتل، والكل متضرر من تداعياته الكارثية الآن وفي المستقبل. في الوقت ذاته فإن تركيز الجهود على مواجهة هذا الوباء من شأنه زيادة فاعلية المبادرات التي تجريها بعض الدول للتوصل إلى علاج آمن له، فحينما يتعاون العلماء في أكثر من دولة ويتبادلون المعلومات والبيانات الخاصة بهذا الوباء، فإن ذلك قد يقلل المدى الزمني للتوصل إلى اكتشاف وتصنيع لقاحات جديدة لمكافحة الفيروس والخروج من النفق المظلم الذي يفرضه هذا الوباء على العالم.
العالم الآن أمام اختبار غير مسبوق لإرادة التعاون الدولي، فعليه أن ينحاز لإنسانيته ويتسامى فوق أي خلافات ويوحد جهوده ليس فقط من أجل الانتصار في معركة كورونا، وإنما أيضاً، وربما الأهم، العمل على تطوير الاستجابة الدولية للأزمات ووضع الآليات التي تسهم في التنبؤ المبكر بحدوث هذه النوعية من الأوبئة المتفشية وكيفية مواجهتها في المستقبل، ف«كورونا» سينتهي آجلاً أو عاجلاً كغيره من الأوبئة التي تعرضت لها البشرية على مر العصور، وسيبقى التساؤل الجوهري: هل استوعب العالم الآن، بقواه الكبرى ومنظماته الأممية والدولية، درس «كورونا» الذي يحصد كل يوم الآلاف من أرواح البشر؟ لعل شعوب العالم قاطبة تأمل أن تكون الإجابة على هذا السؤال بنعم، من أجل أن تسود روح التعاون والتضامن والتكاتف مجدداً، وتعود إرادة التعاون الدولي باعتبارها الخيار الحتمي في الانتصار على «كورونا» وغيره من التحديات العابرة للحدود التي قد تواجه العالم في المستقبل.
*إعلامي وكاتب إماراتي