بيروت (الاتحاد، وكالات)
على وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يشهدها لبنان منذ نحو عامين وصنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، لم يبق قطاع بمنأى عن تداعيات الانهيار وبينها قطاع الاستشفاء والأدوية المستوردة بمعظمها من الخارج.
وبحسب تقرير نشره «المرصد العالمي للسرطان» المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في مارس 2021، سجل لبنان 28,764 إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينهم 11600 حالة عام 2020، إلا أن أطباء يوضحون أن عدد من يتلقون العلاج يتجاوز هذا الرقم باعتبار أن مدة علاج بعض المرضى قد تمتد لسنوات.
وأوضح رئيس جمعية أطباء الدم في لبنان البروفسور أحمد إبراهيم أن نحو ألفين إلى 2500 حالة لوكيميا وأمراض لمفاوية تسجّل سنوياً في لبنان، ولا يتوفر حالياً إلا القليل من الأدوية التي تُستخدم في علاجها.
وحذّر من أنّه «إذا لم يُتابع علاج هؤلاء بطريقة دوريّة، سيموت البعض منهم»، منبّهاً إلى أن «بعض المرضى كانوا يُشارفون على الشفاء وبلغوا مرحلة قرب انتهاء العلاج، وفجأة قُطع عنهم الدواء».
ويلقي وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، الذي يجري حملات على مستودعات تخزن كميات كبيرة من الأدوية والإمدادات الطبية، بقدر من المسؤولية عن نقص الدواء على التجار الذين يخزنون الإمدادات.
بدوره، قال الدكتور جوزيف مقدسي الذي يرأس قسم أمراض الدم والأورام في المركز الطبي الجامعي التابع لمستشفى القديس جاورجيوس إن ما يقدر بنحو 10 بالمئة من مرضى السرطان لم يتمكنوا من الحصول على أدويتهم على مدى الشهرين الماضيين.
وأضاف «نحتاج حلاً فورياً، لا يمكنني أن أخبر مرضاي أن هناك أزمة وأطلب منهم الانتظار حتى تنحسر، هذا المرض لا يصبر».
وتجد حكومة لبنان المثقلة بالديون صعوبة بالغة في تلقي أموال من الخارج وسط حالة من الشلل السياسي أدت لإلغاء الكثير من الدعم تدريجياً. لكن أدوية السرطان لا تزال مدعومة، الأمر الذي يعني أنه يتعين على الوكلاء انتظار التمويل اللازم للاستيراد من قِبل المصرف المركزي الذي نفدت احتياطياته.
لكن الدكتور مقدسي ليس متفائلاً بأن يحل تخفيف الدعم على أدوية السرطان مشكلة مرضاه. وبعض الأدوية المستخدمة في العلاج الكيميائي، الذي قد يكلف ما يصل إلى 5 آلاف دولار للجلسة الواحدة، مدعومة في الوقت الراهن، وهذا يعني أن المريض يدفع نحو 400 دولار بينما تتحمل الدولة بقية التكلفة.
وقال مقدسي «حتى إذا رفعوا هذا الدعم لتوفير الأدوية لن يستطيع الكثير من المرضى تحمل التكلفة».
وأدى شحّ الأدوية إلى ارتفاع ثمنها بشكل كبير جراء انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتفاقمت معاناة المرضى الذين باتوا بغالبيتهم عاجزين عن توفير علاجاتهم أو تحمّل كلفة شرائها.
ومنذ مطلع العام، يبحث اللبنانيون عبثاً عن أدويتهم في صيدليات باتت رفوفها فارغة، وينشر مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي يومياً أسماء أدوية يحتاجونها من مسكنات الألم العادية مروراً بأدوية الأمراض العادية والمزمنة.
وبات كثر يعتمدون على أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الخارج لتأمين أدويتهم، بأسعار مرتفعة جداً مقارنة مع السعر المحلي المدعوم، في وقت بات 78 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.
واعتادت الشركات المستوردة تقديم فواتير الاستيراد إلى مصرف لبنان لتسديدها، في إطار سياسة الدعم، لكن مع شحّ الدولار وازدهار عمليات التهريب والاحتكار والتلاعب بالأسعار، بات يطلب موافقة مسبقة من وزارة الصحة على الأدوية التي يراد استيرادها على أن يسدّد الفواتير لاحقاً، وهو ما أدى إلى تراكم مستحقات الشركات.
وترفع مبادرات وجمعيات عدّة الصوت، بينها جمعية «بربارة نصار» التي تعنى بدعم مرضى السرطان وقد نظمّت أمس الأول، وقفة احتجاجية في بيروت شارك فيها عشرات المرضى للمطالبة بتأمين أدوية السرطان.
وقال رئيس الجمعية هاني نصار: «تخيّلوا أنّه في لبنان يُطلب من مريض السرطان، مع كلّ همومه، أن ينزل إلى الشارع ويطالب بالدواء»، متسائلاً «ما ذنب المريض إذا كانت الدولة عاجزة عن ضبط الأزمة؟».
ونبّه إلى أن «الخطورة تكمن في أن بعض المرضى قد يفارقون الحياة لاحقًا ما لم يتناولوا أدوية تحمي أجسامهم من تفشّي أوسع للسرطان».
وعلى مدى شهور حذر العاملون في الرعاية الصحية من انخفاض مخزون إمدادات الأدوية الحيوية، وخلت الأرفف في الكثير من الصيدليات مع استنزاف الاحتياطيات الأجنبية في لبنان على خلفية برنامج دعم يُستخدم لتمويل شراء الوقود والقمح والدواء ويتكلف نحو 6 مليارات دولار سنوياً.