بيروت (وكالات)
نبّه البنك الدولي، أمس، إلى أن أزمة لبنان الاقتصادية والمالية تُصنّف من بين أشدّ عشر أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، منتقداً التقاعس الرسمي عن تنفيذ أي سياسة إنقاذية وسط شلل سياسي. ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، فيما يحول الصراع على الحصص والنفوذ بين القوى السياسية من دون تشكيل حكومة منذ أشهر. ورجّح البنك الدولي في تقريره أن «تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر». وتوقّع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من «كساد اقتصادي حاد ومزمن»، بنحو عشرة في المئة في العام 2021. وحذّر من أنه «في مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش»، في وقت «لا تلوح في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة». وخلال أقل من عامين، خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار تدريجياً إلى أن فقدت أكثر من 85 في المئة من قيمتها، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة.
وفيما يشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة في مقابل الحصول على دعم مالي ضروري، لم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري منذ تكليفه في أكتوبر، من إتمام مهمته، رغم ضغوط دولية تقودها فرنسا خصوصاً.
ولا يزال تبادل الاتهامات بالتعطيل سيد الموقف، خصوصاً بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. وتتحدث تقارير محلية في اليومين الأخيرين عن احتمال اعتذار الحريري عن إكمال مهمته. في موازاة ذلك، تبدو حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن اتخاذ أي قرارات أساسية ضرورية. وتبحث منذ أشهر في ترشيد الدعم عن سلع رئيسية مع تضاؤل احتياطي المصرف المركزي بالدولار. وأورد تقرير البنك الدولي بعنوان «لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية»، أن «استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات على صعيد السياسات العامة كانت غير كافية إلى حد كبير». ويعود ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها: «غياب توافق سياسي بشأن المبادرات الفعّالة في مجال السياسات»، في مقابل «وجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس، أفاد أعداداً قليلة لفترة طويلة». وفي عام 2020، انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 20.3 في المئة، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في المئة عام 2019. وانخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي، وفق التقرير، من نحو 55 مليار دولار عام 2018 إلى ما يُقدّر بنحو 33 مليار دولار في 2020. وأضاف التقرير: «في ظل حالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 9.5 في المئة العام الجاري».
وعادة ما يرتبط «الانكماش الشديد بالصراعات أو الحروب»، وفق البنك الدولي، الذي حذر من «نشوب اضطرابات اجتماعية». وفيما تدهورت قيمة الليرة في السوق السوداء، بقي سعر الصرف الرسمي محدداً بـ1507 ليرات في مقابل الدولار، لكن السلطات أقرت بالتوازي أسعار صرف أخرى، بينها سعر حدده للسحوبات من المصارف وآخر للصرافين.
وأورد التقرير أنه «في سياق نظام متعدّد لأسعار الصرف، انخفض متوسط سعر الصرف الذي يحتسبه البنك الدولي بنسبة 129 في المئة عام 2020»، مشيراً إلى أن «التأثير على الأسعار أدى إلى ارتفاع التضخم، الذي بلغ متوسطه 84.3 في المئة عام 2020». وارتفعت أسعار كل المواد والسلع من الخبز والأغذية المستوردة بغالبيتها، مروراً بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة، وصولاً إلى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين صارم في التيار. وحذر التقرير من أن تدهور الخدمات الأساسية سيكون له «آثار طويلة الأجل»، بينها «الهجرة الجماعية». وبالفعل، تشهد قطاعات عدة، لا سيما القطاع الطبي، منذ أشهر هجرة أطباء وممرضين بحثاً عن فرص أفضل في الخارج. ونبّه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه من أنّ لبنان «يواجه استنزافاً خطيراً للموارد»، مرجحاً أن تتوجه اليد العاملة «ذات المهارات العالية» للبحث عن فرص في الخارج، وهو «ما يشكّل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد». وأضاف: «وحدها حكومة ذات توجه إصلاحي، تشرع في مسار موثوق نحو الانتعاش الاقتصادي والمالي، وتعمل عن كثب مع جميع الجهات المعنية، بإمكانها أن تعكس اتجاه لبنان نحو مزيد من الغرق في الأزمة وتمنع مزيداً من التشرذم الوطني».
الرئاسة تنفي علم عون المسبق بتهريب الأموال
نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، أمس، علم الرئيس ميشال عون المسبق بعمليات تهريب الأموال من مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت. وأفاد المكتب، في بيان، بأنه لا صحة مطلقاً لما ورد من تقارير إعلامية حول «أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان على علم مسبق بعمليات تهريب الأموال وأرقامها من مطار رفيق الحريري الدولي».
وأعلن المكتب أن «مثل هذه الادعاءات التي لا أساس لها تندرج في إطار الحملات المبرمجة، التي تستهدف رئاسة الجمهورية، لأسباب لم تعد خافية على أحد، والتي لا طائل منها».
وكان إعلامي لبناني زعم في مقابلة على قناة تلفزيونية محلية أن «رئيس الجمهورية ميشال عون يعلم كل شيء عن حركة الأموال في مطار بيروت».
بيروت: موقف الرئيس الفرنسي مقدر ومميز
أكدت رئيسة مجلس الوزراء ووزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، زينة عكر، أن «موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن لبنان مقَدر ومميز». وقالت عكر، خلال استقبالها السفيرة الفرنسية في لبنان آن غرييو، أمس: «نشكر الموقف المقَدر والمميز للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الدعم الذي يوليه للبنان، بشكل عام، وللجيش اللبناني بشكل خاص، لا سيما التحضير للمؤتمر الدولي المقرر عقده في يونيو الجاري، تأكيداً على استمرار فرنسا في دورها التاريخي تجاه لبنان شعباً ومؤسسات». وتناول البحث، حسب بيان صادر عن وزارة الدفاع، «المساعدات التي تقدمها فرنسا للجيش اللبناني على الصعد كافة، من عسكرية ولوجستية، وخصوصاً الإمدادات الغذائية والطبية، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية راهناً».
ويمرّ الجيش اللبناني بأزمة كبيرة، يتوقع ازديادها بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي الذي يعاني منه لبنان. وكان قائد الجيش العماد جوزاف عون لبى دعوة من نظيره الفرنسي فرانسوا لوكونتر في 25 مايو الماضي، وشدد المسؤولون الفرنسيون خلال الزيارة على «ضرورة دعم الجيش في شتى الوسائل لمساعدته على الاستمرار بالقيام بمهامه العديدة، وعلى كيفية توفير سبل مساعدة العسكريين على تجاوز الوضع الاقتصادي الدقيق».