د. شريف عرفة
يسود اعتقاد بأن الإبداع مرتبط بالموهبة.. وأن الشخص يولد بقدرات خاصة هي التي تجعله رساماً بارعاً أو أديباً عظيماً أو مخترعاً عبقرياً.. فإما أن تكون هذه الموهبة حاضرة أو لا تكون.. أن تكون مبدعاً أو لا.. دون حلول وسط!
إلا أن هذا الكلام لا يبدو صحيحاً، حسب العلماء والمتخصصين.
حسب علماء النفس، فإن الإبداع ليس صفة ثابتة جامدة، بل ديناميكية تتطور باستمرار. هذا ما يؤكده - مثلاً - البروفيسور روبرت إبستين، مؤلف كتاب «الكتاب الكبير لألعاب الإبداع».. الذي يعتبر الإبداع مهارة يمكن صقلها كي تتطور وتزدهر، وإن لم تتم تنميتها ستذوي وتضمر.. كما أن هذا ما يؤكده المبدعون أنفسهم.
الكاتب أحمد مراد، كاتب سيناريو ومن أكثر الروائيين مبيعاً في العالم العربي، ترجمت رواياته وتحولت لأعمال تلفزيونية وسينمائية، بالإضافة لقيادته كثيراً من ورشات العمل الإبداعية، وترشحه لجائزة البوكر.. في حواره مع «الاتحاد» يحدثنا عن طبيعة الإبداع..
الوقت والجهد
يقول مراد: بالطبع يمكن للإنسان العادي أن يكون مبدعاً في مجاله أو في الشيء الذي يحبه، فالعملية الإبداعية لا تعتمد فقط على الموهبة كما يشاع، قدر اعتمادها على العمل الشاق الدؤوب المستمر.
من يُطلق عليهم أنصاف المواهب، ما هم إلا أشخاص لم تنضج موهبتهم بالقدر الكافي وما زالوا في منتصف الطريق ليس أكثر.. فلا أحد يظل بنفس مستواه الإبداعي طوال حياته.. ستجد فارقاً كبيراً بين أعمال أي مبدع حين بدأ وحيث انتهى.. حيث يعتمد الإبداع على تراكم الخبرات والتعلم المستمر. وهذا لن يتحقق إلا ببذل الجهد والوقت الكافي الذي يستحقه المجال الإبداعي.
مقاومة النفس
يتابع مراد: من المفيد عرض العمل على متخصصين تثق فيهم.. لتعرف الجوانب التي تحتاج لتطوير.
كما يتطلب المشوار الإبداعي الكثير من العمل الشاق ومقاومة المغريات.. لو استطاع المرء أن يضحي بالكثير، في عالم ملون مملوء بالمغريات والأمور الجذابة السهلة، كتصفح «الإنترنت» دون هدف، وقرر عوضاً عن ذلك أن يخصص وقتاً ثابتاً لإجادة عزف الجيتار.. أو كتابة رواية.. أو تعلم التصوير الاحترافي.. عندها سيكون مخلصاً لإبداعه قادراً على تنميته.
لو أردت أن يكون أبناؤك جيدين، ستعطيهم من وقتك وجهدك.. الرسم الهندسي الذي يستغرق عاماً كاملاً من التحسين والتطوير وتصحيح الأخطاء، سينتج عنه في النهاية بناء متميز.. الموهبة مثل هذا: ليست عملاً سريعاً و لا مجرد إلهام، بل تراكم وقت وجهد ومثابرة. بيتهوفن لم يصبح كما هو عليه بمجرد الموهبة، بل لأنه قضى وقتاً أطول وبذل جهدا أكبر من أي شخص آخر في ممارسة وإتقان عمله. «انتهى كلام المصدر»
الموهبة ليست كل شيء
تتسق وجهة النظر هذه مع دراسة البروفيسور أنديرسون إريكسون وزملائه، التي نشرت في دورية سايكولوجيكال ريفيوز عام 1993، والتي وجد فيها الباحثون أن عازفي الموسيقى المحترفين احتاجوا إلى عشرة آلاف ساعة من الممارسة الشاقة كي يستطيعوا الوصول لمرحلة الاحتراف «وهو الرقم الذي أصبح شهيراً بعد أن تناقله كُتّاب مثل مالكوم جلادويل».
وعلى الرغم من تشكيك بعض الباحثين اليوم في هذا الرقم، أو في أن الناس يتقدمون في مستواهم بنفس القدر، إلا أن القاعدة ذاتها ما زالت صامدة.. وهي أن الإبداع ليس صفة مصمتة.. بل مهارة يمكن تطويرها وتنميتها باستمرار.