لا أريد أن أكون متشائمة ولكن ما يحدث يأخذنا كثيراً نحو عزلة عن الآخرين، يُغلق علينا أبواب الفرح، نحن نعيش زمناً لا فرح ٌ فيه، ولا حزنٌ نستطيع أن نشاركه الآخرين، لا أريد أن أكون متشائمة إذا قلت إننا نسير نحو التوحد، وهذا أمر خطير للغاية إن صار سمة عامة، رغم محاولات كثيرة للخروج من نفق الأسر الذي وضعنا فيه هذا الفيروس المسمى كورونا الذي لم يترك أرضاً إلا ووطأها وأصابها في مقتل.
كثير من الأشياء الجميلة في الحياة فقدناها، كثير من التفاصيل الدافئة أصاب وجهها القيح، وشابت قبل أوانها، حتى فيروز الصباح لم يعد لها ذاك الشوق أو الشغف، فقد يمر صباح دون صوت فيروز، وتأتي الظهيرة بلا أم كلثوم رغم أن وصلة الظهيرة الكلثومية ما زالت حاضرة في الإذاعة عند الثانية ظهراً، التفاصيل البسيطة تلك جزء من حياة، ومن ذاكرة، ومن يوميات قد نمارسها بشكل اعتيادي، غير أن طعمها تغيّر، كما حال الكثير من حولنا، فقدت طعمها بفعل كورونا.
قد تبكينا بعض المواقف، لكنها حقيقة، وأصبحت واقع حال، يتزوج قريب لك فلا تتمكن من الحضور ومشاركة أسرته أفراحهم لأنك مخالط، أو مصاب لا قدّر الله، يفقد صديق أحد أحبائه فلا تتمكن من الوقوف معه لأنك ستخالف الإجراءات الاحترازية تلك التي جعلتنا نحترز حتى من أنفسنا، ابنة عمي في منطقة مجاورة لم تلتقِ والدها ووالدتها من مدة ستقترب من العامين الآن بسبب الاحترازات، صديقتي لم تستطع السفر لرؤية والدتها التي قتلها الشوق إليها لأن التطعيم الذي تلقت جرعتين منه غير معتمد في المنطقة التي تعيش فيها والدتها.
أي أسرٍ وقيد هذا؟ ما هذه القسوة التي يمارسها هذا الفيروس على قلوبنا، وأنفسنا، ومشاعرنا، تشعر فجأة أنك تنسحب من حياة جميلة تعيشها، عُمادها تواصلك مع الآخر، أو حتى مع كرسيّك المعتاد في المقهى الذي تذهب إليه صباحاُ لتحتسي فنجان قهوتك الذي يُعدّ هناك خصيصاً لك لأنهم يعرفون مزاجك وما يشتهي تلك اللحظة، إنك تتوجس من المقعد قد يكون مستخدماً قبلك، ربما نسيَ النادل أو النادلة تعقيمه، فتخرج ُ سلاحك المسمى «ستنايزر» وتبدأ في التعقيم، لتشرب قهوة بطعم الكحول عالية النسبة في المعقّم.
ولا أريد أن أكون متشائمة، أو أنقلَ لكم هذه المشاعر القلقة التي أثقلتني بوقعها، لكنني أعلمُ أن أكثركم يشعرُ بما أشعر، فهيَ سمةٌ عامة في المجتمعات كلّها اليوم حتى تلك التي تحاول العودة إلى الحياة الطبيعية، وجدت أن الحياة نفسها تبحث عن حياة.
ستنجلي بإذن الله، ويعود الفرح إلى قلوبنا وحياتنا وتفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، فقط ابتسموا.