سعد عبد الراضي (أبوظبي)
للأدباء أحوال في الكتابة، ومن بين تلك الأحوال علاقتهم بالفصول الأربعة، فمنهم من ترتفع لديه حرارة الكتابة رغم برودة الشتاء، ومنهم من تنخفض لديه حرارة الكتابة رغم ارتفاع حرارة الصيف، ولأننا في فصل الصيف أردنا أن نسلط الضوء على أحوال الأدباء وإبداعاتهم فيه، وطرحنا عليهم هذا السؤال: هل تنخفض حرارة الكتابة عند ارتفاع حرارة الجو كما يقال، أم أن هذا لايرتبط بذاك، ولأن الأمر يختلف من شخص إلى آخر أخضعنا السؤال نفسه للتحليل النفسي.
بداية فإن الصيف يحمل فرصا للتنقل لارتباطه بالإجازات عند الكثيرين، وكنا نعتقد أن الروائيين يفضلونه، ربما لأن السفر يشبه الرواية؛ حيث ينتقل المسافر من مكان إلى مكان كما ينتقل المبدع من مشهد إلى مشهد، ومن فصل إلى فصل، ولكن الدكتور عبد الله صالح الجبوري ـ طبيب وروائي عراقي ـ يرى أن الكتابة عاطفة جياشة اقترنت بالدفء والهدوء ومايقرب من عتمة المكان، والصيف صخب ارتبطت به المعاناة ومحاولة لملمة الداخل والسكون، وهذه المعاناة أغلقت الكثير من الأبواب وربما بعض زوارها وأهم ضيف هو شيطان الشعر والعاطفة وناره التي لا تنسجم ونار الصيف؛ فيلجأ إلى بارد وبعيد مكامنه تاركاً العشاق وقلمهم دون وسوسة، ولكي تكتمل لوحة الكتابة وما تسكبه على الورق وجعاً أم فرحاً تحتاج وقتاً ومكاناً وحالة نفسية تمهد للألوان أن تنسكب؛ لتكمل تفاصيل اللوحة وحرارة الصيف تزيد من القلق النفسي ربما أحيانا الى درجة الهلع والخوف، فتنشغل بلملمة شتاتها عن الإبداع وبث الروح في النصوص.
وعلى نفس الخط عبرت الروائية صالحة غابش عن رأيها قائلة : إن الكتابة لا فصل لها، لأن التأمل في الحياة ونبضها لا يتوقف بتغير الفصول، وهو التأمل الذي يحتاجه الإبداع، ويتنفس وجوده من خلاله.. بل لكل فصل موضوعه الذي يمد الكاتب - إن كان مستعدا للجلوس مع نصه - بالمفردات التي تحضر بحضور الصيف، أو تلك التي تأتي مع الشتاء، أو التي تنبت بقدوم الربيع، أو التي تستند إلى انفاس الخريف.. نعم، فالفصول قد تكون ملهمة بملامحها للكتابة، مما يعني أن الكتابة تعيش استدامتها المتألقة بمرور الزمن.
هل الشعراء شتائيون؟
كانت ردود معظم الشعراء الذين طرحنا عليهم هذا السؤال إجاباتهم واحدة، ومن بينهم الشاعر محمود جمعة الذي أكد أنه يحب الشتاء حبا يدفعه لانتظار فصله كما ينتظر الجائع رغيفه، وأفاد أن السبب في ذلك يعود إلى أن للطبيعة دور في تشكيل الحالة الإبداعية، والشتاء فصل مفعم بجماليات الطبيعة، إلا أن الشاعر السوري أديب حسن كان رأيه مخالفا لكل الشعراء الذين سألناهم وأكد أنه لا علاقة للإبداع بالأجواء الخارجية، باعتبار أن الحالة الإبداعية حالة داخلية شعورية تنتجها الأرواح المفطورة دون الركون إلى المؤثرات الخارجية.
أما قمر صبري الجاسم، شاعرة وإعلامية سورية، فقالت: ليس للكتابة درجة حرارة تجعلها تتقلص بالحرارة أو البرودة، المرتبطة بالطقس العام.. بل بطقوس الكاتب نفسه، وحرارة أحلامه أو برودتها، ولا تتعلق بالمناخ الذي يدرس بمادة الجغرافيا بل بمناخ الفرح والحزن والمحيط العام للكاتب، وقد حولت الكثير من القوانين الطبيعية على طريقتي إلى لغة شعرية كقولي: وصلت إلى القطب الجنوني، حيث أصدق مكان على سطح الحب.. القطب الجنوني وليس الجنوبي.. سطح الحب وليس سطح البحر..
أهل المسرح والقصة
المخرج والكاتب المسرحي صالح كرامة أكد أن الكتابة بالنسبة له لا ترتبط بطقوس ولا تحددها مناخات، فالحالة الإبداعية عندما تأتي فإنها تخاطب روح الأديب وتغازل دواخله دون اعتبار لمؤثرات البيئة الخارجية. أما الكاتب والقاص إبراهيم مبارك فخالفه الرأي تماما إذ إنه يتأثر تماما بعوامل البيئة وأشار إلى أن الصيف يمثل له فترة استرخاء وخمول، بعكس الشتاء الذي يحبه فهو كما يصفه بفصل الفرح والبهجة؛ حيث المطر والسحب والغيوم التي تحفز الكاتب وترقق مشاعره، فيتوهج داخلياً ويبدع فيما يكتبه .
وكان للقاصة لولوة المنصوري رأي مطابق حيث أجابت: أعتقد أن الكتابة ليست محددة بفصول وتواقيت، الإلهام محركها وليس الزمن، فقط قد تتفاوت درجات الإلهام وحوافز الكتابة باختلاف الفصول، ففي الشتاء يكون المطر ورحلة التخييم ملهمنا الأول، وفي الصيف يغرينا البحر ومزارع النخيل ورائحة الرطب. الكتابة متدفقة وتشتعل حماستنا لها في كل الأوقات والأحوال.
للناقدة الدكتورة مريم الهاشمي رؤية في ذلك حيث قالت: إن الكتابة هو نسيج اللغة والثقافة والتجربة وهو التراث المنسوج بالفكر والقيم والأعراف والفن والعادات والمعتقدات، وهي الصديق العضيد للكاتب في مواجهة كل ما يجد من خيبات البشر، وبه يحاول أن يصل م لفهم نفسه أولا ومن ثم فهم الحياة ، وإن كانت الكتابة تحمل كل هذا الزخم الروحي والقيمة الحياتية، فلا دهشة أن نجد لأصحابها طقوسا قبل وأثناء كتابتها ، وهو بالأمر الطبيعي وما سوى ذلك لا يكون بديهيا ، فنجد مبدعا يتوارى عن الأنظار فترة ليبدع ما يحمل في جوفه ومبدعا يجمع المستندات كما يجمعها للبحث العلمي ومن ثم يبدأ ممارسته الإبداعية ، ومن يجد في الفوضى منطلقا للإبداع وآخر في انعزاله الاختياري ، وغيره من يترقب فصلاً محددا من فصول السنة ، وهكذا لتختلف طرق مزاولة الإبداع ، ولا يمكننا أن نربط طريقا محددا للإنتاج الكتابي، وإلا فإننا بذلك نقتل الإبداع ، وقد تكون الكتابة هي الممارسة الأوحد للحرية فكيف نقيد الحرية إذن بمنحى وطريق واحد.
الطب النفسي: مشاعر الأدباء كالموج الثائر
أكد الدكتور باسم بدر استشاري الطب النفسي أن المشاعر وتغيرها تمثل هاجسا كبيرا للإنسان منذ بدء الخليقة والإنسان الطبيعي في المطلق يتغير مزاجه من لحظة لأخر، ومن يوم إلى يوم ومن شهر إلى شهر ونصف كمتخصصين مشاعرهم بالموج الهادئ، أما الأدباء أصحاب الإحساس المرهف خاصة الشعراء نصف مشاعرهم بالموج الثائر وتغير مزاجهم شيء إيجابي، فقد يشعر الشاعر مثلا بسعادة في الصباح فيكتب نصا مبهجا، وقد يتغير مزاجه إلى حزن مفرط فيكتب نصا حزينا، قد يكون الصيف مصدر بهجته ونشاطه والشتاء مصدر خموله، وكل هذا التأثر وذاك من الأمور الطبيعية، إلا أن الإفراط في التأثر يمكن أن يكون مرضيا وهو ما نطلق عليه اضطراب المزاج ثنائي القطب وإذا كنا نصف مشاعر الأدباء الطبيعية بموج البحر الثائر نصف المشاعر المرضية المفرطة بموج المحيط الثائر.
وأشار الدكتور باسم إلى أن التأثر بالفصول أيضا أمر طبيعي، سواء فصول اليوم أو فصول السنة فبعض الناس ليليون وبعضهم نهاريون فقد يستيقظ سعيدا وقد يكون في فترة الظهيرة حزينا، وتأثر الناس بالبرودة والحرارة طبيعي لكنه يمكن أن يؤدي إلي الاكتئاب كما يحدث مع بعض مواطني الدول التي لاتشمس إلا في أوقات قليلة يوميا كما أكد أن شهر سبتمبر تحديدا مرتبط بتغير المزاج الحاد لأنه شهر الخريف.