الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
التعليم والمعرفة

«نومادلاند».. كيف يصبح الألم شاعرياً هكذا؟!

فرانسيس مكدورماند في جانب من المشهدية البصرية للفيلم (من المصدر)
14 يوليو 2021 00:20

نوف الموسى (دبي)

لا تزال الشاعرية تأسرنا، نحن مجبولون عليها، مفقودون تماماً في حيزها الواسع باحتمالاتها اللانهائية، وحدها الشاعرية وبكل ما تملك من قوة وثقة، قادرة على أن تُمتعنا بالحُزن، مثلما البهجة تماماً، أي سحرٍ ذاك، أن تبكي في الفقد، أن يرحل شخصٌ عزيز، وبكل شجاعة تكتب بعدها قصيدة، بل الأدهى أن تكتب قبلها، قبل رحيلك، كما فعل الشاعر الإنجليزي هنري سكوت هولاند، في قصيدته «الموتُ لا يُعوَّلُ عليهِ» هكذا بكل بساطه يقول: «ليس للموتِ معنًى. الموتُ لا يُعوَّل عليه. كلّ ما هنالك أنَّنِي انزلقتُ إلى الغرفةِ المجاورة. لم يحدثْ شيء على الإطلاقِ»، وهكذا أيضاً تتأمل الممثلة الأميركية فرانسيس مكدورماند بدور شخصية «فيرن» في الفيلم الحائز جائزة الأوسكار لعام 2021 «Nomadland» وهي تقول: «أنا لستُ بلا بيت، أنا فقط بلا منزل، هما ليس نفس الشيء، أليس كذلك؟!». 
أي شاعرية تلك التي عمقتها المخرجة الصينية كلوي تشاو، هي فعلياً تقدم الألم كفارس نبيل، لا يرتضي عوناً، دعماً، احتياجاً، بل يقدم نفسه كجمال بديع يرتمي في أحضان المشاهدين، ثقيلة تلك المشاهد، ولكنها لينة ممتلئة بكثافة سُكرية للمناظر الطبيعية عبر الأفق المفتوحة للولايات الأميركية، بينما يرتحل عبرها مجتمع مثل البدو الرحل في سيارات (فان)، تلك التي يعيشون في داخلها، ويعكسون أبرز الحكايا التي رصدتها الصحافية جيسيكا برودر عبر كتابها «Nomadland»، حول الأشخاص الذين خرجوا للطريق بعد أن طمس الركود الاقتصادي مدخراتهم.
يصفونه بأنه «خيار»، رغم كل الظروف المحيطة والعوائق التي يعتقدها المشاهدون، أنها تلعب دوراً جوهرياً في تشكيل تلك المجتمعات، التي يتجاوز فيها الأفراد سن التقاعد، يقررون فيها الذهاب، دونما معرفة مسبقة وأكيدة للمستقبل، إلا أن المدهش في جّل التفاصيل بالعمل، أن السرد البصري بمجمله، متصل بخفة لا يمكن فصلها، أنت تتحرك بالألم والحزن وتتجه نحو اللذة من خلال إحساس الوحدة والاكتمال، وبينهما خيط رفيع ينسج أمل التحول، بارقة الضوء البعيدة، تلك التي تجعل من التعاطف محركاً استثنائياً، في الحياة الإنسانية.
في اللحظة التي تتعاطف فيها، أنت تضع نفسك في روح الحدث، وتتولد فيك الرغبة في تحمل أعباء التجربة بكل مضامينها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©