الإثنين 11 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
التعليم والمعرفة

هل يمكن للفنون إنقاذ مفهوم حقوق الإنسان؟

كريستوفر توماس
12 مارس 2021 00:24

إبراهيم الملا (أبوظبي)

تتشكل الأنساق المتداخلة أحياناً، والمتباعدة أحياناً أخرى، في البؤرة المركزية لفيلم «أن تكون إنساناً»، الذي يقدمه المخرج السريلانكي كريستوفر كوليندران توماس ضمن برامج عروض الأفلام في القمة الثقافية بأبوظبي 2021، مستعيداً أحداث ما بعد الحرب الأهلية في بلاده، وما تمخّض عنها من مفاهيم اجتماعية وسياسية، وظهور نقاشات حول القيم الإنسانية، مقابل الهيمنة الدولية المتحكمة في مصائر الشعوب.
ويرتكز الفيلم على أربع شخصيات، ثلاث منها مرتبطة بحقول فنية مختلفة، بينما يؤدي دور الشخصية الرابعة عم المخرج توماس، الذي أسس مركز حقوق الإنسان في منطقة «التاميل» للتحقيق في جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية والحرب الحكومية، وتتمثل الشخصيات الثلاث الأخرى في رسام معروف ونجم بوب شهير وفنان تاميلي شاب يعيش الآن في أوروبا.
ويدرس الفيلم فكرة الإبداع كمحفّز للخيال الإنساني، حيث تعيد مشاهد الفيلم إنتاج نفسها، من خلال رؤية منهجية تخدم قراءة المخرج الذاتية للأحداث المحيطة به، مستعيناً في تعزيز المناخات السردية بشخصيات مركّبة خوارزمياً، تم إنشاؤها باستخدام الشبكات العصبية، أما الموسيقى التصويرية، فتتضمن إيقاعات نابضة تتناوب بين الصخب والهدوء، مع استخدام أغنية «بوب» للمنتج السويدي ماكس مارتن، الذي أطلق على أسلوبه مصطلح «الرياضيات اللحنية».
يأخذ الفيلم المشاهد في رحلة دائرية تلامس روح جزيرة سريلانكا وثقافتها، وتقوده الكاميرا نحو المناطق المتأثرة من تداعيات الحرب الأهلية السريلانكية، وصولاً إلى «البينالي» الفني الذي تأسس في أعقابها، وما حدث بعد ذلك من تحدٍ بين التكنولوجيا الحديثة، والبيئات التقليدية، وبين قضايا الأصالة الفردية، والسيادة الجماعية، وما يعنيه أن تكون «إنساناً» عندما تهيمن الآلات على المجتمعات المستقبلية، وتكون قادرة على محاكاة فهم الإنسان. 
تم إنتاج الفيلم في العام 2019، ويتضمن سرداً تشعيبياً بمسارات مختلفة في بدايات الفيلم، بحيث تلتقي هذه المسارات في نهاية الفيلم لتقديم إجابات تظل مفتوحة على تأويلات المشاهد، وعلى المتغيرات المستقبلية ، بينما يبقى بعضها الآخر رهناً لنتيجة الصراع القائم بين جاذبية الاستقرار، وانفلات الفوضى.
يطوّر الفيلم بنيته المشهدية، انطلاقاً من لوحات ومنحوتات الفنانيْن «أوبالي أناندا» و«كينغسلي جوناتيلاك» وهما من أبرز الفنانين المعاصرين في سريلانكا، واللذين يتم تقديم أعمالهما في الفيلم كمكونات مادية لإعادة عرضها في فضاء مفاهيمي يناقش قضايا الهوية والسلطة، والفرضيات المتعلقة بعصر «ما بعد الإنسان» واستكشاف العلاقة المتبادلة بين الفن المعاصر وحقوق الإنسان في عصر التسارع التكنولوجي غير المتكافئ عالمياً.
يدمج توماس أفكاره المفاهيمية المكثّفة ببراعة، من خلال فيلم قوي بصرياً، تتناغم فيه المعاني الموضوعية مع التركيبات الفنية ضمن تراتبية تعبيرية لا ترتهن للبدايات ولا تهتمّ بالخواتيم، ويرافق المشاهد الفنان الراوي وكأنه يجلس بجانبه على مقعد القطار الأزرق المخملي، وهو يشرح وجهة نظره حول حقوق الإنسان وتوزيع السلطة بعد انتهاء الحرب الأهلية السريلانكية، وفي تلك الأثناء يخترق القطار الريف السريلانكي الأخضر، ويعرج على شوارع «كولومبو» لمعاينة أشكال النمو الاقتصادي في سريلانكا الحالية، ومن خلال النقاشات المتوالية في الفيلم، نرى أن آثار الحرب لا تزال منتشرة بين سكان سريلانكا، ويشعر بها الفنان التاميلي الشاب، الذي يمثل نموذجاً للفنانين المقيمين في أوروبا، القادرين على التكيف مع ظروف الغربة والشتات، ليؤكد الفيلم أن الفن لا ينبع من الفراغ.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©