«المخصصات الجديدة ستساعد البلدان الأكثر ضعفاً، في مواجهة أزمة كورونا» كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي
لا يمكن النظر إلى التطورات التي تجري على ساحة صندوق النقد الدولي، إلا من زاوية الإصلاحات التي كانت مطلوبة منذ سنوات في هذا الكيان الدولي الهام. ورغم أن هذه التطورات التي يمكن وصفها بالتحولات، أتت من فرط المخاوف من جراء التداعيات الاقتصادية لوباء «كورونا» المستجد على الساحة العالمية، إلا أنها ستصبح أمراً واقعاً في المرحلة المقبلة، وهذا ما يرفد صندوق النقد بمزيد من الأدوات تضمن له التجديد المتواصل سواء في أوقات الأزمات، أو في أزمنة الانفراجات. دون أن ننسى أن هذه المؤسسة، كانت (ولا تزال) عرضة للتشكيك الدائم في خطواتها وتوجهاتها وحتى ونواياها، بحيث ربطها البعض بمشاكل محلية أصابت بلداناً فقيرة هنا وهناك، بصرف النظر عن المبالغة في ذلك.
مجلس محافظي صندوق النقد أقر أخيراً تخصيص أكبر دعم في تاريخه بقيمة 650 مليار دولار، لتعزيز السيولة العالمية، وبالطبع لمساعدة الدول في التعامل مع تداعيات «كورونا»، وخصوصاً الناشئة والفقيرة وتلك التي تصنف بالأشد فقراً. هو ببساطة قرار تاريخي، وُصف بأنه «حقنة في ذراع الاقتصاد العالمي»، أثناء أزمة غير مسبوقة. لماذا؟ لأن حقوق السحب هذه هي الأكبر في تاريخ «الصندوق». ولا شك في أن هذه الخطوة، ستلبي الحاجة للاحتياطيات، وتبني الثقة، وتسند في النهاية الاقتصاد العالمي. وهذا التمويل الهائل، سيقدم بدون فوائد، ما يؤكد مجدداً أن المؤسسة الدولية عازمة على أنه يكون لها دور محوري ليس فقط في تخفيف أعباء «كورونا»، بل في إعادة النظر في معايير وتوجهات الإقراض التي تتبعها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن أهم المؤشرات على نجاعة هذا التحرك، أن صندوق النقد قدم تخفيفاً لأعباء الديون في شكل منح بما يعادل 739 مليون دولار لـ 29 بلداً، من أفقر بلدانه الأعضاء وأشدها فقراً. وكانت هذه الدول بحاجة ماسة للدعم المشار إليه، وإلا دخلت في دائرة العجز عن السداد ما قد يهدد كياناتها في مرحلة لاحقة. ولعل من أهم المتغيرات التي تحدث حالياً في «الصندوق» هو إضفاء مزيد من المرونة والاستدامة في نطاق الائتمان. وهذا أيضاً توجه إصلاحي، يبدو واضحاً أنه سيَستكمل مسيرته في غضون الفترة القصيرة المقبلة، ولاسيما في ظل تفاهم شبه تام بين البلدان المساهمة في هذه المؤسسة. فالإصلاحات بدأت عملياً عبر زيادة الاستفادة من التمويل بشروط ميسّرة لكل البلدان منخفضة الدخل.
وهذه النقطة الأخيرة حساسة جداً، إذ دائماً ما يتم ربط شروط «الصندوق» القاسية بتردي الأوضاع المعيشية في البلدان التي تتوجه إليه طلباً للعون. لكن هذا التيسير سيكون مرتبطاً بالطبع بتقوية الضمانات الوقائية لحماية البلدان منخفضة الدخل، وضمان مسيرتها نحو خفض معدلات الفقر فيها 45%. إنها «ثقافة» جديدة تستند إلى التيسير الضروري، يحتاجها الاقتصاد العالمي ليس فقط في هذه المرحلة، بل في المراحل المقبلة.