«نقوم بتجفيف الملاذات الضريبية، على كل فرد المساهمة بعدل في عائدات الضرائب» أولاف شولتز، نائب مستشارة ألمانيا
تمضي الدول الكبرى في مسارها الهادف لإحكام قبضتها على الشركات المتعددة الجنسيات، أو ما يسمى بـ «العابرة للقارات»، عبر سلسلة من الإجراءات الضريبية. بعد «مجموعة السبع»، جاءت «مجموعة العشرين» التي تسيطر على قرابة 80% من الاقتصاد العالمي، لتُقر 15% كضريبة عالمية على الشركات. الخطوة كانت متوقعة، خصوصاً في ظل وجود إدارة الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض الأميركي، التي تمكنت خلال فترة قصيرة من ترميم علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها ومع البلدان المؤثرة على الساحة الدولية. فمثل هذه الخطوات تتطلب بالضرورة علاقات دولية متينة وتعاون قوي، نظراً لتشابكات المسألة، التي بات حاضرة في كل اللقاءات العالمية، بل وتشكل محوراً رئيساً في الميدان المحلي لكل دولة.
تصاعد حراك الدول التي تمتلك زمام المبادرة العالمية، على صعيد حسم مسألة تهرب الشركات متعددة الجنسيات من الضرائب، لعدة أسباب، في مقدمتها تزايد رقعة الملاذات الضريبية الآمنة أو تلك التي تحصل أدنى ضرائب، إلى جانب (طبعاً) حاجة الحكومات حول العالم لمزيد من التمويل في أعقاب حزم الدعم والإنقاذ التي أطلقتها لحماية اقتصاداتها من الأزمة الاقتصادية التي خلفها وباء «كورونا» المستجد. حتى أن دولة كبريطانيا خفضت مستوى مساعداتها ومعوناتها العالمية بحجة ضغوطات الأزمة مالياً عليها. ومع فرض 15% في المائة على الشركات والمؤسسات المستهدفة، سيجعل التعامل مع الدول غير الملتزمة لاحقاً بالضرائب الدولية أكثر صعوبة. بمعنى آخر، سيكون اللجوء للملاذات الضريبية أقل ربحية، ما يدعم تلقائياً المخطط الضريبي العالمي.
لكن الأمور لا تزال تواجه بعضاً من المعارضة، وإن كانت دون مستوى القدرة على تغيير الهيكلية التي استندت إليها الدول الكبرى في فرض الضريبة العالمية. دول مثل إيرلندا واستونيا والمجر (وهي بلدان ضمن الاتحاد الأوروبي) تعتقد أن الضريبة المشار إليها ستضرب عوائدها المحورية. لكن هذه الدول لا تقوى في الواقع على المعاندة، وكذلك الأمر بالنسبة لبلدان مثل كينيا ونيجيريا وسريلانكا وباربادوس وسانت منسنت وجرينادينز. مَن مِن هذه الدول يمكنها الوقوف في وجه «مجموعة العشرين»؟ هذه الأخيرة منحت فرصة لمن لم يوقع على اتفاق الضريبة العالمية حتى أكتوبر المقبل على أبعد تقدير للتصديق عليها، وإلا سيتعرض لعقوبات لن يتحملها بالطبع.
المسار نحو هذه الضريبة استغرق أكثر من ثماني سنوات، جرت خلالها تطورات صبت في النهاية في صالح العازمين على فرضها، بما في ذلك الحاجة لمزيد من العوائد المالية لمواجهة تداعيات «كورونا». لا شك في أنه سيكون هناك تشجيعات للدول التي ستواجه خسائر كبيرة من جراء فرض الضريبة، وستحصل في النهاية على بعض المزايا التي تضمن لها عوائد تعوض بعضاً من خسائرها. لكن اتفاقية الضريبة العالمية لا يمكن التفاوض حولها بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي سيغير المشهد الدولي العام في هذه الساحة المتفاعلة.