حسام عبدالنبي (دبي)
يواجه الكثير من شباب رواد الأعمال صعوبات في تدبير التمويل اللازم لتنفيذ أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع وشركات خاصة، في ظل رفض البنوك المخاطرة واقتصار التمويلات التي توفرها على عدد محدود من القطاعات الاستثمارية، فضلاً عن وضع اشتراطات صعبة للحصول على التمويل اللازم. وفي عالمنا اليوم أصبحت الأفكار المبتكرة ثروة حقيقية، خصوصاً في ظل التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي توجد كنزاً من الأفكار التي يمكن أن تولد ثروات هائلة. وقد تنبهت الشركات العالمية وكبار رجال الأعمال في العالم لأهمية تلك الأفكار عبر مشاركة رواد الأعمال ممن يملكون أفكاراً متفردة يمكن تحويلها إلى مشروعات وشركات تدر دخلاً بالملايين، لتحقيق حلمهم وتحويل حماسهم للفكرة إلى واقع، وذلك عبر مفهوم «جولات التمويل».
فكرة الجولات
ظهرت فكرة جولات التمويل في منطقة الشرق الأوسط بعد إنهاء عدد من الخريجين دراستهم الجامعية في الغرب وعودتهم إلى أوطانهم، محملين بأفكار مدروسة عن كيفية توظيف التكنولوجيا لإنشاء شركات ناشئة ناجحة، لاسيما بعد وجود نماذج فعلية مبهرة في الغرب وصلت من مجرد فكرة إلى شركات عالمية.
وخلال جولات التمويل يمكن أن تحصل الشركات الناشئة على ملايين الدولارات كتمويل من مستثمرين اقتنعوا بفكرتها وتميز مستقبلها مثلما حدث مع شركة كريم (Careem) التي حصلت على أكبر مبلغ تمويل تحصل عليه شركة ناشئة واحدة، بقيمة 200 مليون دولار أميركي.
كما يمكن أن تكون جولات التمويل السبيل لتأسيس الشركات الناشئة، إذ تتم تلك الجولات على أربع مراحل تبدأ بمرحلة التأسيس حتى آخر مرحلة لها تصل فيها الشركة على سيطرة حصة كبيرة من السوق.
التمويل التأسيسي
وتتلخص فكرة «جولة التمويل التأسيسي» للشركات الناشئة في قيام الأفراد المؤسّسين لتلك الشركات الناشئة، والذين يسعون إلى جمع الأموال، بتقديم طلب للحصول على تمويل إلى مختلف أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة والمستثمرين الأفراد، وخلال الاجتماعات التي تتم بين الطرفين يتم عرض الفكرة وتوزيع نص ترويجي من صفحة أو صفحتين عن الشركة وعرض عنها معد بشكل جيد، وتنتهي هذه العملية بجذب مستثمر أو تحالف من المستثمرين يقدمون دفتر شروط إلى المؤسّسين (أصحاب الأفكار) لبيان الشروط والأحكام المقترحة للاستثمار.
وبمجرد توقيع دفتر الشروط، يلتزم كل من الطرف المؤسس والمستثمر (الذي تم عرض فكرة المشاركة عليه، خلال جولة التمويل وقبل الاستثمار) أخلاقياً بالتفاوض والاتفاق على إتمام الاستثمار في الشركة وفي حال إتمام التفاوض على هذه الاتفاقات، ووضعها في صيغتها النهائية، وإبرامها، (وتحويل الأموال) تكتمل العملية بإصدار مختلف الأسهم، وتنفيذ القرارات، وتعيين المديرين، ووضع الهيكل الجديد للإدارة في الشركة الناشئة لتصبح شركة بمفهومها الحقيقي.
وبمعنى أوضح فإن «جولات التمويل» هي أول جولة استثمارية منظّمة تستهدف جمع الأموال عبر استقطاب مستثمر خارجي من غير المؤسسين (من المستثمرين المحترفين)، وغالباً ما تنتهي بتحول الشركة الناشئة من مشروع يتحمس له المؤسسون إلى شركة يؤمن بها الآخرون، إذ إنها تعد أول عملية ضخ حقيقية لرأس المال في الشركة، حيث تكون الشركة قبلها مجرد فكرة قد حصلت على تمويل من أصحاب الأفكار (المؤسسين أنفسهم) وبعض الأصدقاء والمعارف والعائلة.
مراحل التمويل
تتم جولات التمويل على أربع مراحل تبدأ بمرحلة التأسيس حتى آخر مرحلة لها تصل فيها الشركة إلى السيطرة على حصة كبيرة من السوق.
وتبدأ مراحل لجولات التمويلية بمرحلة الرأسمال الأولي (Seed Capital) وفيها يتم تمويل الشركة من الأصول الشخصية للمؤسسين أو الأقارب أو الأصدقاء، وذلك لتغطية النفقات الأولية للتشغيل ولجذب أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في شركتهم الناشئة.
وتتضمن المرحلة الثانية (مرحلة التمويل أ) (Series A Founding) وفيها تقوم شركات الاستثمار التقليدية بتمويل الشركة الناشئة بهدف تحسين وضعها وتحسين قاعدة المنتج الخاص بها، وذلك من خلال تمويل الخطة التي تم وضعها لتطوير نموذج الأعمال وتوسيع نطاق المنتج في مختلف الأسواق، وتحقيق الأرباح على المدى الطويل للشركة.
أما المرحلة الثالثة (مرحلة التمويل ب) (Series B Founding) فتشهد توسيع الشركة الناشئة من خلال تمويل مستثمرين لغايات التوسع للشركة، وإيصالها لما خططت له في خططها التسويقية، وكذلك لتعيين الموظفين ذوي الكفاءة العالية فيها.
وتنتهي مراحل الجولات التمويلية بـ(مرحلة التمويل ج) (Series C Founding) وفيها تكون الشركة تحتاج للتمويل لعمل تطورات واسعة لإنتاج المزيد من المنتجات أو الخدمات، وكذلك للوصول إلى حصة تسويقية أكبر من السابق أو شراء شركة أخرى، وتوسيع مجال العمل.
التجربة الإماراتية
شهدت دولة الإمارات بالفعل تجارب ناجحة في حصول الشركات الناشئة على تمويلات عبر جولات التمويل، ولكن لنجاح الأمر لابد أن تتميز فكرة الشركة الناشئة الراغبة في الحصول على تمويل بالابتكار والتفرد إلى جانب جودة إعداد العرض الذي يقدم للمستثمرين المحتملين ليشمل كافة التفاصيل المدروسة التي تجعلهم يقتنعون بجدوى الاستثمار في الشركة.
وفي هذا الإطار، جمعت شركة «زبوني» التي تتخذ من الإمارات مقراً رئيساً لها خلال جولة للتمويل 1.1 مليون دولار أميركي لتواصل تنمية أعمال تطبيق «زبوني» وتطويرها، حيث تأسست الشركة عام 2017 لتكون الأولى والوحيدة في الشرق الأوسط والثامنة عالمياً ضمن برنامج حاضنة الأعمال من «فيسبوك». وتقوم فكرة التطبيق على أنه يراعي ويلبي احتياجات التجار عبر الإنترنت في عصر تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على مختلف مفاصل الحياة، لتتم عمليات البيع، والدفع عبر تطبيقات الدردشة العالمية مثل «واتساب»، و«إنستجرام»، و«فيسبوك» بأمان، إذ يمكّن المستخدم التطبيق المستخدم، خلال دقائق من امتلاك وإنشاء متجره على الإنترنت، بهويته الخاصة، والحصول على استضافة مجانية، ومن خلاله يستطيع العملاء إتمام عمليات الشراء بيسر وسهولة لتصل المبيعات إلى حساب المستخدم.
وأتمت «يو درايف» الشركة المتخصصة في تأجير المركبات بالدقيقة عبر تطبيق الهاتف المحمول، والتي تأسست كشركة ناشئة في الإمارات عام 2017، جولة التمويل الثانية بقيمة خمسة ملايين دولار، بعد أن خضعت سابقاً لجولة تمويل جمعت خلالها مليون دولار، وشهدت أرباح المستثمرين زيادة، بمعدل ثلاثة أضعاف، مؤكدة أن جولات التمويل تعزز من نمو الشركة، ولذا تتوقع إجراء جولة تمويل ثالثة لتنفيذ خططها للنمو، مثل زيادة عدد السيارات المتميزة في أسطولها، إضافة إلى توسيع نطاق خدماتها ليشمل دولاً جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وجهة متكاملة
وأغلقت منصة RentSher Middle East الكائنة في دبي، جولةَ تمويل أولية عند قيمة تزيد على 600 ألف دولار، بمشاركة مزيج من المؤسسات والمستثمرين، بقيادة «شروق للاستثمارات» شركة تمويل رأس المال المخاطر بأبوظبي، حيث إن المنصة تعد وجهة شاملة متكاملة متخصصة في تأجير المستلزمات المتنوعة إذ تتيح للمستخدمين إمكانية استئجار أي شيء بضغطة زر على شبكة الإنترنت، وليتم توصيل الأغراض حتى باب المنزل، على أن يتم جمعها مرة أخرى في الوقت الذي يحدده المستأجر.
وحصل موقع «ممزورلد.كوم» للتسوق عبر التجارة الإلكترونية والمخصص لتلبية حاجات الأمهات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على استثمار إضافي بقيمة 20 مليون دولار أميركي بعد جولة تمويل ناجحة من الفئة «B» وهو أكبر تمويل لرأس المال المخاطر تحصل عليه شركة تجارة إلكترونية بقيادة نسائية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مؤكداً استخدام التمويل لإحداث تغيير جذري في سوق التجزئة والتجارة الإلكترونية المتنامية والغنية بفرص التوسع في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى رفع مستوى وفعالية أنظمة وتطبيقات المكننة لدى الشركة وإطلاق عروض استهلاكية محددة الاستخدام، وفق أجندة الابتكار الخاصة بالشركة.
أما شركة «سمارت كراود»، والتي أطلقت منصة الاستثمار الجماعي العقاري «سمارت كراود»، فقد نجحت في إكمال جولة تمويل أولية، بقيمة 600 ألف دولار أميركي، بعد أن اجتذبت التمويل الرئيس من شركة شروق للاستثمارات ومقرها أبوظبي.
وتتمثل فكرة المنصة في علاج مشكلتين أساسيتين في الاستثمار العقاري، وهما الحاجة إلى مبالغ نقدية كبيرة وفترة امتلاك طويلة نسبياً وسوق لا يتّسم بالسيولة السريعة، حيث تمكن المنصة العملاء من الاستثمار في العقارات بمبالغ بسيطة تصل إلى 5 آلاف درهم إماراتي، لتُحقق أحلام الأفراد في الاستثمار في المنازل، وتُشجّع الجميع على البدء في الادخار الآن بدلاً من الانتظار للحصول على رأسمال ضخم، وهو أمر قد يستغرق عقوداً.
التطبيق عالمياًً
وعلى المستوى العالمي نجحت جولات التمويل في زيادة القيمة السوقية لشركة «يواي باث» إحدى الشركات العالمية العاملة في مجال أتمتة العمليات الآلية، من 110 ملايين إلى 7 مليارات دولار، لتصبح إحدى أسرع شركات برمجيات الذكاء الاصطناعي المؤسسية نمواً، وأعلاها قيمة في العالم. كما حصلت شركة «آنت فايننشال الصينية»، على نحو خمس إجمالي التمويل في غالبية جولات التمويل، التي عقدت بالولايات المتحدة والصين وأوروبا، لتنجح في إتمام أكبر جولات التمويل على الإطلاق، تليها شركة تشغيل تطبيق «علي باي» للدفع عبر المحمول التي وصل إجمالي تمويلها إلى نحو 14 مليار دولار.