ناصر الجابري (أبوظبي)
تدخل دولة الإمارات إلى الخمسين عاماً المقبلة، بسياسات وبرامج ومبادرات تواكب التطورات العالمية الحديثة في مختلف القطاعات التنموية، وبرؤية تستند إلى مواصلة السير على المنجزات التي تحققت خلال العقود الماضية، وتعزيز حضور الدولة الريادي في مؤشرات التنافسية العالمية، وترسيخ علاقات الدولة مع كبرى الاقتصادات العالمية، بما يسهم في استدامة التنمية خلال الفترة المقبلة.
ومع إعلان مشاريع الخمسين، فإن الدولة تدخل إلى محطة جديدة من محطات التنمية والازدهار، بوجود سلسلة من الخطط الوطنية ذات البُعد الاقتصادي العالمي، نظراً للأهمية المتزايدة للقطاعات الاقتصادية في نماء المجتمعات، والمحافظة على المنجزات، وهو الأمر الذي يجعل المرحلة المقبلة من العمل، مرحلة جديدة من العطاء والبذل ونقلة حضارية جديدة تضاف إلى تاريخ الدولة المليء بالمنجزات الهائلة والمحطات المهمة.
وتعد مشاريع الخمسين دورة جديدة من المشاريع الاستراتيجية الوطنية، والتي تهدف إلى التأسيس لمرحلة جديدة من النمو الداخلي والخارجي للدولة، وترسيخ مكانتها الإقليمية والعالمية في جميع القطاعات، والعمل على الارتقاء بتنافسية الإنسان على أرض الإمارات، وصولاً إلى أفضل المراتب عالمياً، حيث تسهم في تحقيق مجموعة من الآثار الاستراتيجية أهمها تحقيق قفزات نوعية للاقتصاد الوطني، والذي يعد أولوية وطنية قصوى لحكومة الإمارات، والعامل الأساسي لضمان الحياة الكريمة لشعبها والأجيال القادمة، حيث تستهدف المشاريع كافة أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، والقطاعين العام والخاص، كما تغطي مشاريع الخمسين عدداً من القطاعات الحيوية تشمل الاقتصاد وريادة الأعمال والاستثمار والمهارات المتقدمة والاقتصاد الرقمي والفضاء والتكنولوجيا المتقدمة.
ويعد إدراج هذه القطاعات تجسيداً لمفهوم استشراف المستقبل، الذي آمنت به القيادة الرشيدة ورسخته من خلال نشر هذه المفهوم ضمن منظومة العمل في الدولة، حيث دأبت الدولة وقطاعات على استكشاف الفرص المتاحة، والحصول على السبق العلمي والمعرفي والاقتصادي، عبر الاستثمار في هذه القطاعات وتأهيل الكوادر القادرة على قيادتها، وإطلاق المشاريع الاستراتيجية ذات العلاقة بها، حتى أصبحت الدولة من ضمن الدول الرائدة في علوم المستقبل وقطاعات الغد.
وتتضمن مشاريع الخمسين، مبادرات منها إجراء أكبر تغيرات تشريعية في تاريخ دولة الإمارات وتغيير مجموعة قوانين، إضافة إلى إطلاق مبادرات وطنية خاصة بتمكين الكفاءات الوطنية والمـواهب ورواد الأعمال الإماراتيين، ومشاريع لاستقطاب المواهب والمستثمرين لدولة الإمارات، ومشروع جديد لاستكشاف الفضاء، واتفاقيات اقتصادية عالمية، بالإضافة إلى حملة تنموية إعلامية عالمية لترسيخ موقع دولة الإمارات بين الاقتصادات الناجحة عالمياً.
مناطق حرة لتملك 100%
وتستمد مشاريع الخمسين تطلعاتها من نهج دولة الإمارات، حيث حافظت الدولة على أصالتها وهويتها باعتبارها جزءاً رئيساً منها، بالتوازي مع القيم والعادات والتي شكلت أساساً للتقدم في مختلف المجالات، كما أن الاعتزاز بالثقافة والحضارة العربية لم يمنع دولة الإمارات من أن تكون قصة نجاح عالمية، بدأت منذ 50 عاماً بالانفتاح على العالم، وعبر سياسة انفتاحية على جميع الشعوب، وسياسة أجواء مفتوحة وسياسة استثمار مفتوحة، ومناطق حرة لتملك 100%، ومطارات وموانئ تربط شرق العالم بغربه، لتصبح الإمارات بعد 50 عاماً دولة عالمية، بل أصبحت العالم في دولة.
وتؤكد دولة الإمارات عبر مشاريع الخمسين، أنها عربية بجذورها، عالمية في تطلعاتها واستثماراتها وتنافسيتها ومواهبها وإمكانياتها، فهي أرض الفرص والنجاح للجميع، وستدخل الخمسين القادمة بتشريعات عالمية، واستثمارات في مختلف أنحاء العالم، وعلاقات دولية اقتصادية مع 5 قارات، واتفاقيات تجارة حرة مع كبرى الاقتصادات، وحملة تنموية إعلامية عالمية لترسيخ موقعها بين الاقتصادات الناجحة عالمياً، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وسويسرا.
واستطاعت دولة الإمارات خلال العقود الماضية، ترسيخ موقعها باعتبارها مركزاً للمال والأعمال في المنطقة وبيئة مثالية لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ووجهة جاذبة لأبرز المواهب والخبرات والشركات الإقليمية والعالمية، حيث تعد دولة الإمارات مركزاً اقتصادياً هو الأنشط والأكثر تطوراً والأسرع نمواً في المنطقة، بفضل موقعها الاستراتيجي، والاحتياطات المالية القوية لديها، وصناديق الثروة السيادية الكبيرة والإنفاق الحكومي القوي على المشاريع التنموية الكبرى، إضافة إلى وجود أكثر من 190 جنسية في الدولة، حيث تتمتع بسمعة دولية بوصفها واحة الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في المنطقة، ما يجعلها تتصدر قوائم الدول التي يرغب الشباب في الوطن العربي والناس من مختلف أنحاء العالم في اتخاذها مكاناً للعيش والاستقرار وبناء حياة لهم ولأسرهم.
دولة الأمن والأمان
واستطاعت دولة الإمارات أن تعزز سمعتها بوصفها من الدول الأكثر أمناً وأماناً في العالم، متصدرة التقارير الدولية في هذا الخصوص. ومؤخراً، نالت الإمارات المركز الثاني عالمياً على مؤشر أكثر بلدان العالم أماناً في 2021، الذي نشرته مجلة «غلوبال فاينينس البريطانية في يوليو 2021، حيث استندت المجلة في تصنيفها لدول العالم من حيث الأمان إلى عدة عوامل، من أهمها الكوارث الطبيعية، والجرائم، والإرهاب، والحروب، وأضافت له هذا العام المتغير الخاص بالأمان من الإصابة بعدوى جائحة «كوفيد- 19»، مع انضمام الإمارات إلى قائمة الدول الأكثر كفاءة في التعامل مع الجائحة واحتوائها.
ويعد مفهوم إدارة الأزمات الذي اتبعته الدولة خلال الجائحة، خير برهان على النهج السديد والرؤية بعيدة المدى للقطاعات الحيوية في الدولة، والتي استطاعت أن تتواكب مع التحديات المتسارعة، خلال الفترة الماضية، وأن تنقل الدولة إلى مرحلة التعافي في مختلف القطاعات، لتشكل بذلك نموذجاً عالمياً رائداً في التعاطي مع الأزمات، واستغلال الفرص المتاحة منها، وتحويل التحديات إلى استكشافات جديدة في منظومة العمل الحكومي.
واحتلت الإمارات المركز الأول عربياً والثاني عالمياً في قائمة أكثر الدول مرونة في التعامل والاستجابة لجائحة «كوفيد-19»، ضمن مؤشر مرونة التعامل مع الأوبئة 2021 الصادر عن مؤسسة «كونسومر تشويس سنتر» غير الربحية، والتي تمثل حقوق المستهلكين في أكثر من 100 دولة حول العالم. وفي عام 2020، وفي أوج تفشي جائحة كوفيد-19، جاءت الإمارات في المركز الأول عربياً وإقليمياً، والتاسعة عالمياً على قائمة أكثر دول العالم أماناً في مواجهة «كوفيد-19»، وذلك وفق تقرير لمجلة «فوربس» الأميركية المختصة بالشأن الاقتصادي.
250 مدينة حول العالم
ترتبط دولة الإمارات بأكثر من 250 مدينة حول العالم بخطوط مباشرةً، وهي لاعب رئيس في خطوط التجارة والملاحة الدولية عبر خطوط ملاحية لأكثر من 400 مدينة، ومن خلال منظومة نقل بري وبحري وجوي هي الأكثر كفاءة والأوسع نطاقاً جغرافياً على مستوى المنطقة والأسرع، وصولاً إلى أي مكان في العالم بالنظر إلى موقعها الجغرافي، من خلال 10 مطارات مدنية تعدُّ من بين الأفضل في العالم، و27 رخصة شركة طيران، و105 شركات شحن، و12 منفذاً بحرياً وتجارياً، ونحو 310 مراسٍ بحرية، خلافاً للموانئ النفطية، بقدرة مناولة تزيد على 17 مليون طن سنوياً، وبحمولة تبلغ 80 مليون طن من البضائع، بينما تتسم الموانئ البحرية لدى دولة الإمارات بالطاقات الاستيعابية الكبيرة، حيث تندرج ضمن قائمة أكبر 50 ميناء حاويات في العالم، كما تستحوذ الموانئ البحرية الإماراتية على ما نسبته 60% من إجمالي حجم مناولة الحاويات والبضائع المتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
وضمن مؤشرات البنية التحتية، تتصدر الإمارات دول الشرق الأوسط على مؤشر جودة البنية التحتية للموانئ، كما تحتل الترتيب الرابع عالمياً على الصعيد نفسه. وهي الأولى عربياً في مجال الربط البحري بين الموانئ. ويعمل في الدولة أكثر من 20 ألف مؤسسة وشركة بحرية في تجمع بحري يعتبر الأكبر على مستوى المنطقة، كما تمتلك دولة الإمارات بنية تحتية رقمية هي الأكثر تطوراً في المنطقة، محتلَّةً المرتبة الأولى عربياً وعلى مستوى دول المنطقة في مؤشر التنافسية الرقمية لعام 2020، وفقاً للكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2020.
ومن أهم النجاحات التي حققتها دولة الإمارات، هو الانتقال في مفهوم تقديم الخدمة من الأسلوب التقليدي المباشر إلى استخدام الأسلوب الذكي الإلكتروني، حيث حلّت الدولة في المركز الأول خليجياً وعربياً وفي غرب آسيا، والثامن عالمياً في مؤشر الخدمات الذكية الصادر عن الأمم المتحدة ضمن المؤشر الكلي لتنمية الحكومات الإلكترونية 2020.
قطاعات اقتصادية واعدة
تدعم الدولة من خلال مشاريع الخمسين، الاستثمار في عدد من القطاعات الاقتصادية الجديدة والواعدة، وضمن بيئة أعمال هي الأكثر جاذبية على مستوى العالم، حيث تشمل هذه القطاعات: الاستثمار والشركات الناشئة والتكنولوجيا الزراعية والتصنيع والترفيه وسلسلة الإمداد والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية والسياحة الطبية والعلاجية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا المالية «فينتك» والتجارة الإلكترونية والطاقة المتجددة والتعليم.
وجاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً وإقليمياً والـ15 عالمياً من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بحسب نتائج تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي للعام 2021 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، الذي يرصد نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2020 في دول العالم، مقارنة مع 2019، كما تقدمت 9 مراكز عن ترتيبها في تقرير العام الماضي 2020، حيث جذبت الإمارات، كما ورد في التقرير، استثمارات أجنبية مباشرة في العام 2020 تصل قيمتها إلى 19.9 مليار دولار أميركي بنسبة نمو 11.24% عن العام 2019، لتتصدر المرتبة الأولى عربياً مستحوذة على 49% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مجموعة الدول العربية.
حملة تنموية
تعد حملة «الإمارات العالمية المتحدة»، والتي تنطلق بالتزامن مع مشاريع الخمسين، أكبر حملة تنموية لتسليط الضوء على الإمكانيات والامتيازات ذات المعايير العالمية التي تمنحها دولة الإمارات للمستثمرين ورواد الأعمال والمواهب من مختلف الجنسيات، واستقطابهم للعمل في العديد من القطاعات النوعية، والاستثمار في مجالات ذات قيمة مضافة لأموالهم، بالإضافة إلى تجربة أسلوب الحياة والعيش في دولة الإمارات.
وتسعى الحملة إلى البناء على المكتسبات التي حققتها بيئة ريادة الأعمال والاستثمار في الإمارات على مدى العقود الماضية، بالإضافة إلى السمعة التي صنعتها بوصفها الأكثر جذباً في المنطقة، بحيث تنتقل بهذه البيئة إلى مرحلة جديدة، بما يرسخ موقعها على الخريطة مركزاً اقتصادياً وتجارياً هو الأنشط إقليمياً والأكثر انفتاحاً على التجارب والاتجاهات الجديدة.