طه حسيب (أبوظبي)
تحت عنوان «عالم ما بعد كورونا.. أسس التعاون الدولي في مكافحة الأوبئة»، تستقرئ «الاتحاد»، عبر مجموعة من الخبراء والباحثين، حجم التحديات والتغيّرات التي أحدثها الوباء، وطرق التعافي منه اقتصادياً وصحياً، ودور التعاون الدولي في إنقاذ الدول النامية، وإعادة عجلة النمو مرة أخرى. أكثر من 14 شهراً مرت على ظهور وباء «كوفيد - 19».. خطر جماعي يواجه العالم لا يفرق بين لون أو دين أو لغة أو عِرق. الإمارات واجهت هذا التحدي بخطوات علمية موضوعية، بثت رسالة طمأنينة، وانتهجت كل وسائل الوقاية والحماية كي تدرأ الخطر عن مجتمعها، وتمد في الوقت نفسه يد العون في الخارج لمن تعثروا في التصدي للوباء.
الندوة تضمنت ثلاثة محاور رئيسية، أولها أسس التعاون الدولي في مواجهة فيروس كورونا المستجد. ويتساءل المحور الثاني: هل وحّد الوباء البشرية؟ ويتطرق المحور الثالث للتجارب الدولية في مواجهة الوباء، وأيضاً أسس التعافي الاقتصادي منه. المشاركون بحثوا دروس المواجهة العالمية ضد الوباء، وكيف يستفيد العالم من نموذج الإمارات في مواجهة «كوفيد - 19»، وكيف يمكن وضع آلية إنذار مبكر لصياغة خطط استراتيجية لمواجهة الأوبئة محلياً ودولياً؟ والدعوة لتصحيح الاختلالات الهيكلية في الرعاية الصحية الدولية، وجهود الإمارات في المساعدات الخارجية لمواجهة الوباء والتنسيق مع المنظمات الدولية، وضمن هذا الإطار تعاونت الإمارات مع منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي.
حمد الكعبي: الإمارات لديها تجربة ثرية جداً في التعامل بكفاءة مع أزمة «كوفيد - 19» داخلياً وخارجياً
رحب حمد الكعبي رئيس تحرير «الاتحاد» بالمشاركين في الندوة، مؤكداً، خلال إدارته الجلسة الأولى، حرص الصحيفة على الاستفادة من الطاقات الإيجابية لكُتّابها ومحلليها. وأشار الكعبي إلى أن وباء «كوفيد - 19» أجبر العالم على التباعد الجسدي، لكن التكاتف الوجداني والإنساني بين البشر قد ازداد أكثر وأكثر. على الصعيد العالمي، تم اتخاذ خطوات عديدة كي يساعد الإنسان أخاه الإنسان في التصدي للجائحة، وضمن هذا الإطار، أكد الكعبي أن الإمارات لديها تجربة ثرية جداً في التعامل بكفاءة مع أزمة «كوفيد - 19»، فعلى الصعيد الداخلي أجريت الفحوص والتطعيمات، وتم تقديم الرعاية الصحية لجميع السكان دون أي تفرقة أو تمييز، وتكثيف التوعية من أجل ضمان السلامة الصحية. وخارجياً، أرسلت الإمارات المساعدات اللازمة للدول الصديقة والشقيقة، وفتحت جسراً جوياً لتقديم مستلزمات الرعاية الصحية.
تكافل إنساني
وحول «تطوير أسس التعاون الدولي في مواجهة الأوبئة»، ركّزت الجلسة الأولى على كيف يستفيد العالم من نموذج الإمارات في مواجهة «كوفيد - 19»؟ واستنتج خلالها الدكتور محمد البشاري أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أن أزمة «كورونا» دفعت في اتجاه استيلاد نظام عالمي جديد أكثر نضجاً وقناعة بحتمية التعاون والمشاركة القائمة على خدمة الإنسان ورعاية مصالحه، وضاعفت من الضوء المسلط على الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، باعتباره ثمرة لتطور الوعي الإنساني بضرورة التعاون من أجل تعزيز السلم والسلام ونبذ التطرف والكراهية وبناء المستقبل، من خلال تأصيل ثقافة العيش المشترك واحترام الاختلاف، وأن النظام العالمي الجديد، هو عالم للإنسان وبه يزدهر. ويرى البشاري أن الإمارات أكدت قدرتها على العطاء حتى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات التي تمر بها الإنسانية جمعاء أثناء جائحة «كوفيد - 19»، ضمن نهج إماراتي يعزز الروابط الإنسانية، ومبادئ راسخة من البذل والعطاء وخدمة الإنسانية جمعاء دون تفرقة بين عِرق أو دين.
وأكد البشاري أن الإمارات سيّرت المئات من الطائرات إلى أكثر من نصف دول العالم منذ بداية «الجائحة»، محمَّلةً بأكثر من 3000 طن من المستلزمات الطبية والوقائية، وصلت لأكثر من مليوني مستفيد من العاملين في القطاع الصحي. وأضاف أن الإمارات ساهمت في نقل ما يزيد على 80% من مساعدات منظمة الصحة العالمية إلى دول عدة، خطوات عملية تجسد دعوة الإمارات إلى وقوف الإنسان بجانب أخيه الإنسان، وفي الوقت نفسه تضيف لعناصر القوة الناعمة الراجحة التي تتمتع بها الإمارات، ومثلت تجسيداً واقعياً لأبهى صور التكافل الإنساني والاقتصادي بين البشر. فهنيئاً لدولة الإمارات العربية المتحدة التي جندت كل طاقاتها ومقدراتها للمساهمة في تخفيف آثار أزمة «كورونا» على الإنسانية، وأضاءت طريق ميلاد لنظام عالمي جديد مبني على منظومة قيم التكافل الإنساني والتسامح بين الشعوب.
بناء الجاهزية
وخصص الكاتب والباحث الإماراتي سالم سالمين النعيمي مداخلته للبحث عن «آلية الإنذار المبكر لصياغة خطط استراتيجية لمواجهة الأوبئة محلياً ودولياً»، مقراً بأنه لا يوجد سجل مخاطر وبائي عالمي يرتبط باستراتيجية عالمية يوقع عليها جميع الأطراف وتفعل بنودها على المستويات المحلية، وأشار النعيمي أيضاً إلى غياب التنبؤ الدقيق للأحداث المستقبلية من خلال بنك عالمي لمواجهة الجائحات، وعدم وجود مختبرات مترابطة بشبكة دولية للكشف المبكر عن انتشار الأوبئة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ولا تزال هناك حاجة للمزيد من الإنفاق على البحث العلمي والاستثمار في التطعيمات المضادة للفيروسات، خاصة في ظل ضعف الشراكة مع القطاع الخاص في هذا الجانب. ويطرح النعيمي حلولاً تتمثل في تحقيق الربط بين مختبرات العالم الوبائية بصورة مباشرة وآنية، وتدشين هيئة دولية لمواجهة الأوبئة التي تواجه الإنسان والحيوان والنبات، وتدشين معاهد متخصصة في علوم الأوبئة. ويدعو النعيمي لتأسيس وحدات متخصصة في مواجهة الأوبئة، مهمتها دعم المجهود الوطني، وإطلاق نظام دولي للقياس والتحقق من مصداقية وثائق الفحص الخاصة بالمسافرين. وعلى المستويات المحلية، يدعو النعيمي لإطلاق دراسات هدفها تحديد ورصد نقاط الضعف الوطنية في مواجهة الكوارث، وتطوير استراتيجية للصمود والمرونة على الصعيد الوطني، ورسم خرائط جغرافية ذكية لتحديد المناطق الأكثر عرضة للمخاطر الصحية، وتوعية الجمهور بضرورة وأهمية نظام الإنذار المبكر.
نقص العاملين في المهن الطبية
وعن «التحالفات الدولية في مواجهة الأوبئة»، أكد الدكتور أكمل عبدالحكيم، أن الثمن الإنساني الفادح لهذا الوباء، والمتمثل حتى يومنا هذا في أكثر من 100 مليون إصابة، وأكثر من مليوني وفاة، يدفعنا للانتباه إلى أمراض مثل الأيدز، والسل، والتهاب الكبد الفيروسي، التي لا تزال تقتل أكثر من 4 ملايين شخص سنوياً، معظمهم في الدول الفقيرة. وهناك أمراض يمكن الوقاية منها عبر التطعيمات، مثل فيروس الحصبة الذي يحصد حياة أكثر من 140 ألف شخص سنوياً، معظمهم من الأطفال.
وحسب عبدالحكيم، تتضمن الأسباب الجذرية خلف استمرار الأمراض المعدية في حصد ملايين الأرواح سنوياً، سواء تلك المعروفة سابقاً، أو ما يطلق عليها الجديدة: فقدان التمويل الكافي لمكافحتها، وضعف نظم الرعاية الصحية في أماكن توطن هذه الأمراض، وتقاعس الدول الغنية عن تحمل مسؤولياتها في المكافحة.
ويرى عبدالحكيم أن غالبية دول العالم لديها نقص حاد في العاملين بالمهن الطبية، ما يهدد خدمات الرعاية الصحية، حيث تشير التقديرات إلى أن العالم سيحتاج إلى 18 مليون من العاملين الجدد في قطاع الرعاية الصحية بحلول عام 2030، خصوصاً في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، 9 ملايين منهم من الممرضات والقابلات.
وأبدى عبدالحكيم استغرابه من أن العالم بمختلف أطيافه ينفق على الاستجابة للأوبئة والكوارث الطبيعية، وبقية الطوارئ الصحية، أكثر مما ينفق على الوقاية منها، وعلى الاستعداد لها حال وقوعها.
ولدى عبدالحكيم قناعة بأنه إذا أردنا أن نكون أكثر جاهزية واستعداداً للأوبئة الحالية والمستقبلية، فلابد من تصحيح الاختلالات الهيكلية في الرعاية الصحية الدولية. وهو بالتحديد ما كان محور «اليوم العالمي الأول للاستعداد والتحضير أو الجاهزية لأوبئة الأمراض المعدية» (International Day of Epidemic Preparedness)، والذي أحيي للمرة الأولى في 27 ديسمبر الماضي. وتم خلاله تأكيد أهمية العمل المشترك وتضافر الجهود بين حكومات الدول في مختلف أصقاع الأرض، وبين المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة العالمية، لدعم الجهود الرامية لبناء نظم قوية للاستجابة للأوبئة المعدية، ضمن مقاربة متكاملة لتحقيق هدف توفير الرعاية الصحية للجميع، من خلال رعاية صحية أولية تتميز بالكفاءة والفاعلية. ومن أهم المبادرات الدولية في هذا المجال، ما يعرف بـ«تحالف ابتكارات التأهب الوبائي» أو «تحالف الابتكار للاستعداد للأوبئة»، والذي تم إطلاقه رسمياً عام 2017 في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا. وعلى حسب وصف المجلة العلمية الشهيرة «نيتشر»، يعتبر «تحالف الابتكار للاستعداد للأوبئة، أكبر مبادرة تطوير لقاح على الإطلاق ضد الفيروسات، التي تشكل تهديدات وبائية محتملة». وفي عام 2020، تم تصنيف هذه المبادرة على أنها لاعب رئيس في السباق لتطوير لقاح لمرض «كوفيد - 19».
جهود الإمارات
وعن «تقييم التجارب الدولية في مواجهة الوباء»، تمحورت مداخلات الجلسة الثانية التي استهلتها الباحثة الإماراتية عائشة المري مدير إدارة التوعية والدراسات في قطاع حقوق الإنسان بهيئة تنمية المجتمع في دبي بإطلالة على «جهود الإمارات في المساعدات الخارجية لمواجهة الوباء»، حيث قدمت الإمارات حتى نهاية عام 2020 أكثر من 1685 طناً من المساعدات الطبية لأكثر من 121 دولة، استفاد منها 1.6 مليون من العاملين في المجال الطبي، مجهودات أكدت القدرات اللوجستية والتخزينية للإمارات في ظل تحديات تعانيها أغلب قطاعات الشحن والتخزين العالمية. ولعبت الإمارات دوراً إنسانياً لا يقتصر على إرسال المساعدات للدول المحتاجة، بل قامت بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية، مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، وضمن هذا الإطار، أرسلت منظمة الصحة العالمية 80% من معدات الحماية الشخصية إلى جميع دول العالم عبر دبي. وساهمت الإمارات في تعزيز جهود منظمة الصحة العالمية في 30 دولة أفريقية، وبالتنسيق مع المنظمة أيضاً أرسلت الإمارات مساعدات طبية إلى إيران، يستفيد منها 100 ألف إيراني و15 ألف من العاملين في الرعاية الصحية لمواجهة تفشي وباء «كورونا».
ونسقت الإمارات مع «الصحة العالمية» والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتقديم المساعدة لأكثر من 600 ألف من النازحين يوم 20 يونيو 2020، تزامناً مع اليوم العالمي للاجئين. ونفذت الإمارات 166 عملية إخلاء لمواطني 61 دولة ممن تقطعت بهم السبل جراء تفشي الفيروس. وفي إطار مبادرة «الإمارات وطن الإنسانية»، قامت الإمارات بإجلاء 215 فرداً من جنسيات متعددة من مقاطعة هوبي الصينية بعد تفشي الوباء بها ونقلهم إلى «مدينة الإمارات الإنسانية» في أبوظبي. وفي اليوبيل الذهبي للاتحاد، تنوي الإمارات زيادة، جهودها في مجال الإغاثة الإنسانية، وخصصت 15% من إجمالي مساعداتها الخارجية للأغراض الإنسانية، ما يجعلها من أكثر المانحين.
«الصلاة للتعافي من الوباء»
وتحت عنوان «الصلاة للتعافي من الوباء»، أشاد أميل أمين، الكاتب المصري المتخصص في حوار الأديان، بالدعوة التي أطلقتها «اللجنة العليا للأخوة الإنسانية» يوم 2 مايو 2020، والتي دعت إلى جعل الرابع عشر من الشهر عينه، يوماً للصلاة حول العالم، من أجل أن يرفع الله تعالى الوباء عن البشرية. وأضاف أمين: بينت لنا «الجائحة» أن عالمنا المعاصر مليء بأوبئة تتجاوز «كورونا»، وأن أخطرها، وباء الأنانية والشخصانية والكراهية والعداء والإيمان بالنزعات الفوقية والإمبريالية حتى غير العسكرية.
صباح الرابع عشر من مايو 2020، كانت الأكف الضارعة تجمع أبناء إبراهيم حول الكرة الأرضية، عطفاً على إخوة في الإنسانية من أصحاب الديانات الأخرى، من غير تمايز أو تصنيف عرقي، الأمر الذي جرت به المقادير للمرة الأولى في التاريخ الإنساني المعاصر. لعل سكان الكوكب الأزرق يدركون أننا أمام لحظات استثنائية يمكنها أن تجمعهم في عقد الأخوة الإنسانية. وأفضل من عبر عن أهمية لحظة الصلاة العالمية تلك في ذلك اليوم، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي اعتبر أنها تجسد تضامناً إنسانياً تتلاشى فيه الاختلافات في ظل تحد لا يستثني أحداً.
واستنتج أمين أن أفضل صلاة يمكن أن تترجمها الشعوب القادرة والغنية في هذه الأيام، هي أن توفر اللقاحات لكل البشر، هذه هي الصلاة المقبولة بالعمل وليس فقط بالشفاه.
وتحت عنوان «الأخوة الإنسانية أمام اختبار التعاون والتضامُن»، أكد رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية أنه في الرسالة البابوية العامة بعنوان: كلنا إخوة (أكتوبر 2020) يشيد قداسة البابا فرنسِيس بابا الكنيسة الكاثوليكية في فصلين منها بوثيقة الأخوة الإنسانية، ويعتبر أنّ يوم الأخوة الإنسانية، الذي صار يوماً عالمياً لدى الأمم المتحدة في ذكرى صدور الوثيقة في 4 فبراير من كل عام، وهو تعبيرٌ عن القدرة على التأثير في توجُّهٍ قويٍّ إلى صنع العدالة والسلام على أساس المحبة الناجمة عن الأخوة، والمؤازرة والتضامن الذي تقتضيه علائق الأخ بأخيه في العالم الإنساني.
وقال السيد، في ختام مداخلته: ليكن نموذج الأخوة والتضامن الذي تطرحه دولة الإمارات العربية المتحدة، قدوةً ومثالاً في المنطقة والمحيط وعلى المستوى العالمي: مساعدة النفس والشعب، ونشر أجنحة المؤازرة والتضامن والاستضافة والجوار في عمل الدولة وسياساتها الراعية والحانية والملتزمة بأخوة بني الإنسان. ومن التقدم الإنساني إلى التقدم العلمي في مسبار الأمل بمدار المريخ.
معضلة الدول النامية
وعن «المنظمات الدولية وإنقاذ الدول النامية من خطر الجائحة»، أكد عبدالوهاب بدرخان المحلل السياسي المقيم في بريطانيا، أنه ليس للبلدان النامية أو الأشدّ فقراً سوى أن تعوّل على مبادرتَي «كوفاكس» و«غافي» اللتين دفعت إليهما منظمة الصحّة العالمية بمساهمة من البنك الدولي لشراء اللقاحات وتخزينها وتوزيعها. وحسب بدرخان، تعتبر غالبية البلدان النامية أن 2020 كان عام الإفقار، وتقّدر معطيات البنك الدولي أن 17 إلى 26 مليون شخص في العالم ينتقلون هذه السنة إلى الفقر المدقع بسبب «الجائحة».
التجربة الهندية
وحول تجربة الهند في مواجهة الوباء، استنتج الدكتور ذِكْرُ الرحمن، رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي، أن الهند ثاني أكثر دول العالم سكاناً، وأيضاً ثالث أكبر منتج للعقاقير في العالم بصناعات دوائية بلغت قيمتها السنوية 38 مليار دولار. وتمثل مورداً لعقاقير معالجة طائفة من الأمراض حول العالم، وتشتهر بإنتاج عقاقير عالية الجودة منخفضة التكلفة للأسواق الهندية والعالمية.
وفي شهر أبريل 2020، دشن «المعهد الهندي للتكنولوجيا الكيماوية» و«مجلس الأبحاث العلمية والصناعية» وشركة «سيبلا» مشروعاً مشتركاً لتطوير عقاقير مضادة لـ«كورونا». حين بدأ «كوفيد - 19» يحصد عدداً كبيراً من أرواح البشر دون أن يستثني أحداً، أخذت الهند بزمام المبادرة لمنع انتشار المرض، وقرر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التواصل مع الدول المجاورة، وأيضاً الدول الصديقة لرصد متطلباتها، وتقديم كل مساعدة ممكنة. وأثنى ذِكْرُ الرحمن على تجربة شركة أبوظبي للإعلام التي نشرت من خلال جريدة الاتحاد إصدارات لتوعية العمال بلغات مثل الأوردية والمليبارية والهندية والفلبينية.
وقدم الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور محمد العسومي مداخلة حول «أسس التعافي الاقتصادي من تداعيات الجائحة»، مؤكداً أن جائحة «كورونا» ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد العالمي وبالاقتصادات الوطنية لكل دولة، بحيث تعدت هذه الأضرار مثيلتها في الحروب والأزمات الاقتصادية والتي كانت آخرها أزمة عام 2008 والتي استطاع العالم بالكاد الخروج من معظم تداعياتها بعد عشر سنوات، ليفاجأ بتفشي فيروس «كوفيد - 19». لدى العسومي قناعة بأن عام 2020 كان الأسوأ اقتصادياً منذ الكساد العظيم في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، مما يعني أن التداعيات التي ستترتب على «الجائحة» ستكون شديدة.
أسس التعافي الاقتصادي
وحول بعض الأسس الرئيسية للتعافي الاقتصادي من تداعيات «الجائحة»، يرى العسومي أنها تتفاوت بين دولة وأخرى وبين قطاع اقتصادي وآخر، حيث سنقوم بتقسيم دول العالم إلى مجموعات متشابهة في هيكليتها الاقتصادية وفي قدراتها على تجاوز هذه التداعيات: فالدول الصناعية المتطورة، ورغم تضررها الكبير من «الجائحة» وإغلاق قطاعاتها الاقتصادية لفترات طويلة، تمتلك أسساً قوية تؤهلها لسرعة التعافي، فالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان، وكذلك الصين تمتلك أدوات نقدية ومالية تتيح لها ضخ سيولة هائلة في أسواقها، تلك السيولة التي تعتبر أمراً حاسماً لمسألة التعافي، على اعتبار أنها تضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد المحلي قبل أن تجف عروقه، فالولايات المتحدة وحدها طبعت حتى الآن ما يقارب عشرة تريليونات دولار، وهو مبلغ خيالي يساوي نصف الناتج المحلي الأميركي تقريباً، مما أتاح للشركات والمؤسسات، بما فيها الصغيرة والمتوسطة التأقلم مع تداعيات «الجائحة»، وجنبها الإفلاس المؤكد في غياب هذا الدعم، بل إن الحكومة الأميركية قدمت إعانات للأفراد على شكل دفعات نقدية تصل إليهم عبر البريد بصورة دورية، مما انعش الأسواق المحلية، ووفر السيولة اللازمة لاستمرار الدورة الاقتصادية، تلك الميزة، أي طباعة النقود لا تتوافر للأسف لبقية دول العالم دون أن تؤدي إلى انهيار اقتصاداتها.
أما الدول النامية فتحتاج إلى وقتٍ أطولَ للتعافي؛ لعدم امتلاكها سيولة مالية كافية لاحتواء تداعيات الوباء، ما يستوجب التعاون معها من المؤسسات المانحة والقوى الصناعية الكبرى. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي شكّلها الوباء، فإن هناك قطاعات استفادت من «الجائحة» كقطاع الاتصالات والتجارة الإلكترونية وشركات التوصيل والترفيه الإلكتروني.
سعيد الصوافي: الإمارات واجهت تحديات الوباء وحافظت على استمرارية الأعمال والتعليم والقطاعات الحيوية
في مستهل إدارته للجلسة الثالثة، وجّه سعيد الصوافي شكره للمشاركين في الندوة التي تأتي في ظل استمرار تداعيات جائحة «كورونا» التي يمر بها العالم، وتسعى لرصد أفق التعاون الدولي في مكافحة الأوبئة، وما الذي يمكن فعله على الصعيد العالمي لتجنب أوبئة مثل «كوفيد - 19» في المستقبل. ويقول الصوافي: وضعت «الجائحة» العالم أمام تحديات صحية واقتصادية وسياسية صعبة. والإمارات واجهت هذا التحدي بخطوات علمية وموضوعية، وانتهجت التدابير كافة لاحتواء الفيروس والحد من انتشاره، مع ضمان استمرارية الأعمال والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية في الدولة.
نحن أقوى متحدين ومتعاونين
أشارت عائشة المري في مداخلتها بالجلسة الثانية إلى أنه في بداية شهر أبريل 2020، وفي لقاء أجراه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مع سفراء الدولة، وجه خلالها رسالة الإمارات إلى العالم عبر كلمة يقول فيها: «نحن أقوى مجتمعين ومتحدين ومتعاونين، والعالم بعد هذا الوباء يحتاج لمنظومة تعاون صحي واقتصادي وسياسي مختلفة وسريعة». وهذه الكلمة تم تفعيلها إلى حزمة مبادرات ومساعدات دولية انطلقت من الإمارات إلى العالم.
روح استباقية
أثناء إدارته للجلسة الثانية المعنونة بـ«هل وحّد الوباء العالم؟»، أكد الكاتب الصحفي علي العمودي أنه لا شك في أن الإمارات استطاعت خلال هذه «الجائحة» تقديم تجربة ملهمة في مواجهة «الجائحة» برؤية استشرافية وبروح استباقية.
كلمة ختامية
من رحم المعاناة تنتصر دوماً القيم النبيلة، خاصة قيمة التعاون ومنطق التضامن والتعايش، وتلك أسس بنت عليها الإمارات رؤيتها الفريدة في الأخوّة الإنسانية، ورسخت من خلالها سياستها وخططها الراهنة والمستقبلية.