ساسي جبيل (تونس)
لم تكن تتوقع الناشطة الفرنسية من أصول مغربية لطيفة بن زياتين الفوز بهذه الجائزة الرفيعة، فقد تلقت الخبر بفرحة عارمة، سرعان ما تقاسمتها مع الآلاف من رواد صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي، هؤلاء اعتبروا تتويجها مستحقاً نظير ما تقوم به من عمل في سبيل مساعدة شباب الضواحي الفرنسية على الاندماج وإنقاذهم من الوقوع في براثن التشدد، وأشادوا بكونها نموذجاً لكل الأمهات، بينما تدين صاحبة كتاب «مات من أجل فرنسا» لابنها الراحل عماد الذي يمنحها القوة والشجاعة لتأدية رسالتها الإنسانية، كما تثني على دور دولة الإمارات في نشر ثقافة التسامح والتعايش في المنطقة.
* كيف تلقيت خبر فوزك بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية في نسختها الأولى إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش؟
** غمرتني فرحة كبيرة عندما اختاروني للحصول على هذه الجائزة المهمة، فلم أتصور حدوث ذلك إطلاقاً، ومصدر سعادتي، هو أنني تأكدت من وجود أشخاص في أماكن أخرى تتابع ما أقوم به من عمل ونشاط في سبيل إدماج الشباب في المجتمع الفرنسي ومساعدتهم على التخلص من التطرف، وأنا مدينة لابني عماد، الذي قتل في هجوم مدينة تولوز في عام 2012، فهو من يمنحني القوة والإصرار لخوض هذه المعركة، كما أتقاسم هذا التكريم مع زوجي وأصدقائي الذين دعموني وشجعوني، فأنا فخورة اليوم بنيلي جائزة تحمل اسم الشيخ زايد، لقد تتبعت مسيرته، وتعرفت على محطات من حياته، لقد كان يملك قلباً كبيراً، ويقوم بأعمال خيرية ومبادرات إنسانية واسعة، وأنا سعيدة أيضاً لتقاسمي الجائزة مع شخصية دولية مهمة بحجم أنطونيو جوتيريش، كما أشكر شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا الكنيسة الكاثوليكية.
* ما رأيك في وثيقة «الأخوّة الإنسانية» التي اقترحتها دولة الإمارات على هيئة الأمم المتحدة، وانتهت بتحديد الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوّة الإنسانية؟
** أنا أعتبره اختياراً موفقاً، وفي منتهى الأهمية، سواءً تأسيس جائزة تحتفي بالأخوة والسلام، وتروج لمبادئ الإنسانية، أو تخصيص يوم ليحتفل العالم بأسره بهذه القيم، ويدرك أهمية التعايش والمحبة بين البشر بمختلف انتماءاتهم ودياناتهم وجنسياتهم، أنا أثمن هذه الخطوة التي سعت إليها دولة الإمارات وكانت سباقة إليها، خاصة وأن الخطوة تأتي من دولة عربية، هكذا تمنح صورة إيجابية عن المنطقة العربية والإسلامية في نظر المجتمعات الأخرى.
* كما تعلمين دولة الإمارات استحدثت وزارة للتسامح، وهذا استثناء في العالم، كما تعد البلد العربي الوحيد الذي افتتح مراكز ودور العبادة لمختلف الديانات والمعتقدات دون استثناء، إلى أي مدى تعد هذه المبادرات ضرورية لمحاربة ظاهرة التعصب؟
** إن الإمارات تقوم بدور كبير في سبيل الترويج للثقافة التسامح واحترام الآخر، وحوار الديانات، والتعايش بين مختلف الطوائف على أرضها، وتتصدى للتمييز، وهذا كله يشكل مصدر فخر لنا كعرب أو مهاجرين من أصول عربية ومسلمة نعيش في بلدان أوروبية. عندما اطلعت على ما تقوم به هذه الدولة من مبادرات، وما عقدته من اتفاقيات في هذا المجال سعدت كثيراً بمعرفة أن هناك مسؤولين عرباً يقومون بهذه المساعي التي تقارب بين الشعوب وتؤاخي بينهم، لقد استطاع حكام الإمارات أن يغيروا الصورة النمطية عن الإنسان العربي الذي يُتهم عادة بأنه متطرف ومتعصب ومنغلق.
* ما السبيل في نقل مثل هذه التجارب الإنسانية والمنفردة نحو بلدان عربية وإسلامية أخرى؟
** أنا أنحدر من المغرب، وهو بلد منفتح نوعاً ما على الديانات، فلدينا معابد يهودية وكنائس، وهناك مواطنون وجاليات من طوائف مختلفة، وهو وضع قد يختلف قليلاً في دول مغاربية وعربية أخرى ينحدر منها المهاجرون في أوروبا، فتلك الدول بحاجة إلى الانفتاح، لكن الأهم أن تفتح الشعوب قلوبها للإيمان والمحبة، فالدين عنصر مهم في حياتنا، وهو وحده من ساعدني على تجاوز محنتي والصبر على فاجعة فقدان ابني الذي رحل وهو في الثلاثين من عمره، فقد كان التقوى زادي ومعيني طوال هذه السنين. علينا أن ندرك بأن الدين لا علاقة له بالتعصب، فكلنا أخوة، والاحترام هو السبيل الوحيد نحو المصالحة والسلام.
* ما هي مشاريعك القادمة في إطار نضالك المستمر لتصدي لتمدد التطرف داخل الضواحي وإنقاذ الشباب الفرنسي من براثن التطرف؟
** مكاني دائماً بالقرب من هؤلاء الشباب، فأنا اخترت التضحية بوقتي وجهدي في سبيل انتشال أبناء الضواحي والأحياء الفقيرة من التطرف، والحيلولة دون وقوعهم في فخ تعبئة عقولهم بخطابات الكراهية. أنا ملتزمة بهذا الواجب ولن أرضخ، فابني رفض الخضوع للقاتل «محمد مراح»، والذي طلب منه الركوع، أو يطلق عليه الرصاص، لكن ابني رفض ذلك ومات بشجاعة، هذا ما أخبرني به القاضي وطلب مني أن أظل فخورة به. لقد حملني ابني عماد المسؤولية ومن أجله أنا وافقة وقوية ومرفوعة الهامة، وحلمي هو مساعدة الشباب على الاندماج ونبذ التعصب، ولذلك أنا أقوم بزيارة العديد منهم، أدعمهم وأساندهم، وأقدم لهم النصح في المدارس والأحياء وحتى في السجون، لقد أقنعت الكثير منهم بعدم السفر إلى مناطق النزاع للالتحاق بالجماعات الإرهابية. لقد أنقدت حياتهم. فتوعية هؤلاء هو عمل مهم جداً بالنسبة لي. وجائزة زايد للأخوّة الإنسانية تدفعني نحو عمل المستحيل من أجل إكمال مسيرتي، وسأتقاسم قيمتها المالية مع ضحايا الفكر المتطرف من الشباب في كل مكان.