إبراهيم سليم (أبوظبي)
نظمت اللجنة العليا للأخوّة الإنسانية مساء أمس الخميس، احتفالية افتراضية تم بثها إلكترونياً على مستوى العالم للاحتفاء بالمكرمين بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية لعام 2021. وتصدر مشهد الاحتفالية كل من قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف اللذين توجها بالتهنئة لكل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والناشطة الفرنسية من أصول مغربية لطيفة بن زياتن.
وكانت لجنة تحكيم الجائزة قد أعلنت اختيار كل من معالي أنطونيو جوتيريش والسيدة لطيفة بن زياتن للتكريم بهذه الجائزة السنوية المرموقة، تقديراً واحتفاءً بجهودهما في الدفاع عن قضايا السلام والتعايش، والقضاء على الصراعات، والتأكيد على فاعلية الحوار كأداة لتجنب النزاعات المدمرة، وإعلاء القيم والمبادئ الإنسانية المنصوص عليها في وثيقة الأخوّة الإنسانية.
وتم بث الاحتفالية من موقع صرح زايد المؤسس بأبوظبي تحت عنوان «الاحتفاء بالأخوّة الإنسانية» في رمزية على ما تستوحيه هذه الجائزة من الإرث الإنساني الرائد للوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والذي التزم طوال حياته بالدفاع عن القيم الإنسانية والتقريب بين المجتمعات. وقد تزين الموقع خصيصاً لهذه المناسبة إلى جانب معالم بارزة أخرى في العاصمة، وذلك لإحياء النسخة الأولى من «اليوم العالمي للأخوّة الإنسانية»، والذي شاركت فيه أيضاً معالم الفاتيكان مساء يوم الخميس.
وألقيت خلال الاحتفالية كلمات ترحيبية لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر، والمكرمين بالجائزة والأمين العام للجنة العليا للأخوّة الإنسانية.
ووجّه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في مستهل كلمته التحية إلى البابا فرنسيس، واصفاً إياه بالأخ الشجاع والصديق الدائم على درب الأخوّة والسلام. كما أكد فضيلته أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية ليكون يوم 4 فبراير من كل عام هو «اليوم العالمي للأخوة الإنسانية» بأنه دعم عالمي لكل الجهود المخلصة التي تسعى لنشر ثقافة التعايش والإخاء وانتصار لكرامة الإنسان في كل مكان.
وتوجه فضيلة الإمام الأكبر إلى معالي أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة بالتحية والمباركة لتكريمه بجائزة زايد للأخوة الإنسانية، حيث أثنى فضيلته على الجهود الحثيثة وواسعة النطاق التي يبذلها الأمين العام والمنظمة الدولية، والتي تسعى إلى تجنيب البشرية ويلات الصراع وتخفيف آثار الجائحة العالمية وما ترتب عنها من صعوبات طالت الجميع».
كما بارك فضيلته للناشطة لطيفة بن زياتن فوزها بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية، وأكد أنها قد قدمت نموذجاً عالمياً نادراً للعطاء والثبات بقدرتها على تحويل معاناتها الشخصية وآلامها إلى رسالة أمن وأمان للجميع وانتصار لكل الإنسانية وقوة قادرة على دحر قوى الشر والإرهاب.
وأكد أن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإجماع أعضائها، إعلان الرابع من شهر «فبراير» من كل عام «يوماً دولياً للأخوّة الإنسانية» هو انتصار لكرامة الإنسان، أياً كان دينه، وكائناً ما كان جنسه أو لونه أو موقعه.
وأعرب عن أمله في أن يمثل يوم «الرابع من فبراير» من كل عام جرس إنذار وتنبيه، يوقظ العالم وينبه قادته، ويلفت أنظارهم إلى ضرورة ترسيخ مبادئ الأخوّة الإنسانية، وأن تحقيق هذه الوثيقة وتنزيلها على واقع الناس يحتاج إلى إرادة صادقة، وعزيمة صلبة، وإيمان راسخ بأن الناس جميعهم إخوة، ومن حقهم أن يعيشوا في سلام وأمان، وأن ما بينهم من اختلاف وتنوع إنما هو سنة الله في خلقه وعباده.
وأضاف فضيلته: «وإنني لملتزم -إن شاء الله- فيما تبقى لي من حياة في هذه الدنيا- بمواصلة العمل مع أخي البابا فرنسيس، ومع إخوتي: علماء الأديان ورموزها، بل مع كل محبي الخير والسلام، لأن نجعل من مبادئ الأخوّة الإنسانية وأهدافها واقعاً ملموساً يعيشه الكبير والصغير في العالم أجمع».
وعبر شيخ الأزهر عن تقديره البالغ لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يواصل مسيرة والده الخيرة- على رعايته لهذه الوثيقة، ودعمه بكل صدق وإخلاص لمبادرات ترسيخها وتأصيلها ونشرها في العالم أجمع، مشيراً فضيلته إلى أن «جائزة زايد للأخوة الإنسانية» تأتي كمبادرة عالمية من أجل تحقيق أهداف الوثيقة، تحمل اسم هذا القائد العربي الذي لم يكتف بتأسيس دولة عصرية فحسب، بل أسس معها نهجاً مميزاً للتعايش، ونموذجاً للتعددية والتسامح.
وأكد قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية خلال كلمته على أن الأخوّة الإنسانية تعد اليوم أمراً ضرورياً لا مفر منه للبشرية من أجل تعزيز وحدتها وتآزرها، مشدداً على وجود الكثير من التحديات التي تتطلب الوحدة والتآخي والتعاون بين بني البشر، وترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل والانفتاح على الآخر والإيمان بمبادئ الأخوّة الإنسانية.
وأكد قداسته أن البشرية التي تنحدر من أصل واحد، وعلى الرغم من اختلاف ثقافاتها الحالية، قادرة على تعزيز تعاضدها واحترام ثقافات وتقاليد الآخر، وأن يكون ذلك مصدر إلهام لتعزيز الأخوّة وليس للمساومات، وأنه قد حان الوقت للاستماع والقبول الصادق للآخر.
ومن جهته قال القاضي محمد عبد السلام، الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية: «تحظى اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بدعم قامتين من أكثر قادة العالم تأثيراً، وهما قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، أول من تم تكريمهم شرفياً بجائزة زايد للأخوة الإنسانية، والذين نستلهم من أخوّتهم وصداقتهم وهدفهم المشترك طريقنا نحو تحقيق أهداف وثيقة الأخوّة الإنسانية».
وأضاف عبد السلام: «إن المكرمين بجائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2021 - لطيفة بن زياتن والأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو جوتيريش - يمثلون القيم التي تسعى إلى إعلائها وثيقة الأخوّة الإنسانية، والتي تشكل أيضاً معايير تقييم الجائزة. وقد نجح كل منهما في تقديم نموذج ملهم لمعالجة العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية الرئيسة في العالم، ومثالاً يحتذى به لكل من ينشط في مجال ترسيخ الأخوّة الإنسانية».
وتزامنت الاحتفالية مع ذكرى توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية يوم 4 فبراير 2019، وهو ذات التاريخ الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر من العام الماضي، وبإجماع كل الدول الأعضاء ليكون 4 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية وإحياءً لذكرى اللقاء التاريخي الذي جمع قداسة البابا والإمام الأكبر شيخ الأزهر في أبوظبي في هذا اليوم.
أنطونيو جوتيريش.. الأمين العام للأمم المتحدة
تولى أنطونيو جوتيريش منصبه كتاسع أمين عام للأمم المتحدة في عام 2017، وشرع منذ ذلك الحين في العمل على إيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها العالم، خاصة فيما يتعلق بالسلم والأمن العالميين، حيث وضع سلسلة من الإجراءات الفعّالة التي تحقق السلام والاستقرار على المستوى العالمي. كما أطلق العديد من المبادرات الفردية والمشتركة بهدف القضاء على العنف ضد الإنسانية والعنف ضد الطبيعة وتحقيق السلام، ومن بينها مبادرة نزع الأسلحة النووية، ومكافحة الكراهية والعنف، ومبادرة التخلي عن خطط ضم الأراضي المحتلة في فلسطين، وحماية حقوق وكرامة كبار السن أثناء وبعد كورونا، ومبادرة «كوفاكس» التي تهدف إلى جمع ما يقرب من 4,2 مليار دولار لشراء لقاح فيروس كورونا للدول الفقيرة بالقارة الأفريقية، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي.
وتبقى أهم المبادرات التي أطلقها جوتيريش في مارس 2020 هي مبادرة وقف إطلاق النار حول العالم، ففي يوم 23 من مارس، وجه جوتيريش بصفته الأمين العام للأمم المتحدة دعوة لقادة الدول لدعم مبادرته الرامية إلى وقف إطلاق النار حول العالم وتطبيق ما سمّاه بـ«حظر الحروب» في سبيل مكافحة جائحة كورونا.
وفي يوم 24 يونيو 2020 استجاب للدعوة التي أطلقها جوتيريش 170 من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والمراقبين، وأعلنوا دعمهم لتلك الدعوة. وفي 1 يوليو 2020 أصدر مجلس الأمن بالأمم المتحدة قراراً يطلب فيه وقف فوري عام للصراعات لما لا يقل عن 90 يوماً. وقد حققت هذه المبادرة العديد من ردود الأفعال الإيجابية. وحظيت بدعم واسع من القيادات المختلفة، ومن بينهم بابا الفاتيكان، والرئيس الفرنسي، وعدد من المنظمات الدولية.
وبهذا تكون جهود جوتيريش وتفانيه ودوره الفاعل في إطلاق العديد من المبادرات التي تهدف إلى إنهاء العنف ضد الإنسانية والانتهاكات ضد الطبيعة قد وافقت القيم والمبادئ المنصوص عليها في وثيقة
الأخوّة الإنسانية.
لطيفة بن زياتن.. ناشطة فرنسية
أما لطيفة بن زياتن فهي أم وناشطة فرنسية من أصول مغربية كرست حياتها لرفع الوعي تجاه التعصب الديني، وذلك في أعقاب مأساة فقدان ابنها عماد في هجوم إرهابي في عام 2012. ومنذ ذلك الحين أضحت لطيفة ناشطة حقوق مدنية معروفة في فرنسا وخارجها، حيث تعمل مع العائلات والمجتمعات لحماية الشباب من الوقوع في فخ التطرف، والعمل على نشر السلام وثقافة الحوار والاحترام المتبادل.
واختارت لطيفة منذ رحيل ابنها طريق النضال وتكريس جهودها تخليداً لذكراه من خلال السعي إلى معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وقد أظهرت في ذلك التزاماً كبيراً بالدفاع عن القيم الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان. ومن خلال التركيز على حقيقة أن الإقصاء والتهميش يؤثران على الكثير من القلوب الشابة، اختارت لطيفة خوض هذه المعارك مسلحة فقط بـ «سلاحين» هما المعرفة والتعليم.
وبصفتها ناشطة معروفة في المجتمع المدني في فرنسا وعبر أوروبا، تعمل لطيفة بشكل وثيق مع العائلات والمجتمعات لمنع تطرف الشباب ونشر رسالة الأخوّة الإنسانية، من خلال الوسائل السلمية، مثل الحوار والاحترام المتبادل. ومن خلال تلك الجهود، أظهرت لطيفة بوضوح أنها واحدة من أشجع نساء العالم، وأنها قادرة على المساهمة بقوة في صنع مستقبل أفضل للجميع والقضاء على الأسباب التي تؤدي إلى العنف الذي لا معنى له، والذي أودى بحياة ابنها.
جائزة زايد للأخوّة الإنسانية تتلقى ترشيحات الدورة المقبلة أول مايو
تنطلق مرحلة تلقي ترشيحات جائزة زايد للأخوّة الإنسانية لعام 2022 بداية مايو 2021 وحتى نهاية أكتوبر 2021، وتكرّم الجائزة الأعمال والإسهامات الجليلة التي كان لها دور فاعل في تحقيق السلام والعيش المشترك وتطور الإنسانية. وتُمنح الجائزة للأفراد والمؤسسات في أي مكان في العالم تقديراً لدورهم القيادي وقدرتهم على العمل بشكل تعاوني والتفاني والمثابرة عبر الإقناع لترسيخ الإنسانية وتعزيز السلام.
تأسست الجائزة في فبراير 2019 كأحد ثمار اللقاء التاريخي الذي جمع بين قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في أبوظبي للتوقيع على وثيقة الأخوّة الإنسانية. وتعد الوثيقة بمثابة دعوة لجميع الناس لتنحية الخلافات جانباً سعياً وراء تحقيق التقدم من خلال التفاهم والتسامح والمصالحة والسلام العالمي.
تم منح الجائزة شرفياً فور الإعلان عن تأسيسها لقداسة البابا، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، تكريماً وتقديراً لجهودهما في التقريب بين المجتمعات والدفاع عن قضايا التسامح والأخوّة والسلام، وعرفاناً لجهودهما التي أثمرت عن توقيع «وثيقة الأخوّة الإنسانية».