تامر عبد الحميد (أبوظبي)
قطعت مملكة البحرين شوطاً كبيراً في سبيل التنمية وتحقيق الرخاء والاستقرار، وأدرك صناع القرار فيها، أنه لا سبيل للنهضة الكاملة دون الاهتمام بكل روافد الفن والإبداع، خصوصاً أن الفن قوة ناعمة لديها القدرة الكبيرة على التأثير والتغيير، فكان لزاماً الاهتمام بالسينما والتلفزيون والمسرح، وخلقت المملكة مناخاً يستوعب أفكار المبدعين التي تسهم في البناء والتنمية، وتحدت المصاعب من أجل تقديم أعمال فنية لنشر الثقافة والعادات والتقاليد، وتعزيز القيم البناءة.
وفي يومها الوطني الـ 49، تستعرض «الاتحاد» بدايات الحركة الفنية في البحرين وتطورها، ففي السينما، تم إنتاج وصناعة العديد من الأفلام البحرينية باختلاف أنواعها وقصصها، بدءاً من الفيلم التسجيلي «كشمير تنادي» لخليفة شاهين عام 1967، ثم تم تصوير بعض الأفلام الإخبارية القصيرة من عام 1965 إلى 1971 على يد شاهين، لعلَّ أشهرها فيلم «حمد والقراصنة» أنتجته «والت ديزني»، وعرض الفيلم للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، ثم تم توزيعه على دول العالم، وهو فيلم وثائقي درامي يعرض تاريخ وتراث البحرين والتقطت مناظره في البحرين والربع الخالي بالمملكة العربية السعودية وإمارة دبي، وفي عام 1971 أسس شاهين مؤسسة الصقر للتصوير، وحقق عدداً من الأفلام التسجيلية التي عرضت في مهرجانات عالمية، وفازت بعدة جوائز، مثل: «صور من الجزيرة» و«ناس في الأفق» و«الموجة السوداء».
ليدخل بعدها الثنائي مجيد شمس وعلي عباس في تجربة إخراج الأفلام الروائية، ليقدم شمس «الغريب علي عباس» 1972 و«الرجال الثلاثة» 1974 و«انتقام» و«غدار يا زمن» 1975 لعلي عباس ومجيد شمس.
نقلة نوعية
وشهدت السينما البحرينية نقلة نوعية بعد ظهور المخرج بسام الذاودي، الذي تولى إخراج عدد من الأفلام القصيرة المتميزة من أبرزها: «الوفاء» 1975 كأول أفلامه الصامتة و«الأعمى» فيلم ناطق مدته 20 دقيقة 1976، و«الأجيال» و«الأخوين» 1977، و«القناع» 1981، و«ملائكة الأرض» 1983، و«الاعتراف» 1984، ليقدم بعده أولى أفلامه الروائية الطويلة بفيلم «الحاجز» 1990 وبعده فيلمه الروائي الطويل الثاني «زائر» 2003، إلى جانب ظهور عدد من المخرجين الآخرين الذين أبدعوا في عالم الفن السابع، منهم: حمد الشهابي الذي أخرج فيلم «بيت الجن» 1992، و«العطش» لسعيد منصور 1996، و«الهاوية» لمحمد شرفي 1996، و«أكون أو لا أكون» لياسر القرمزي 1996، و«لعبة الزمن» 1996، و«كاميرا» 2001 لمحمد جناحي.
ومنذ بداية عام 2000، تم تقديم عدد من الأفلام المتميزة، منها: «حكاية بحرينية» لبسام الذوادي عام 2007، و«أربع بنات» لحسين الحليبي عام 2008، و«بلوتوث» لنضال بدر 2008، و«مريمي» لعلي العلي 2009، و«لعبة» لصالح ناس 2011، و«سوالف طفاش: جزيرة الهمالايا» 2016 و«طربال رايح جاى» عام 2018 للممثل الراحل علي الغرير.
دار عرض
ويرجع تاريخ المحاولات الأولى لفتح دار عرض سينما في البحرين إلى مطلع عقد العشرينيات، وكان ذلك عام 1922 على يد محمود الساعاتي، الذي أنشأ أول دار عرض سينمائي، وكانت عبارة عن كوخ يقع على ساحل البحر إلى الغرب من موقع محاكم البحرين القديمة «موقع كريمكنزي فيما بعد»، إذ كان البحر يصل بأمواجه المتلاطمة إلى تلك المنطقة قبل ردمها في سنوات لاحقة من القرن العشرين، ووضع بالكوخ 30 كرسياً ولوحة خشبية كبيرة عبارة عن شاشة لعرض الأفلام.
وبمرور الأيام والسنوات، زاد شغف أهالي البحرين بمشاهدة الأفلام، وولدت تطلعات كبيرة وظهر جيل محب للفن ومؤمن بقدرته على التغيير والتأثير، وأسهم انتعاش الدولة اقتصادياً مطلع الثلاثينيات في نهضة تعليمية وحركة ثقافية جادة، حيث تحمس الأهالي في هذه المرحلة لإنشاء المكتبات ودور السينما.
تجربة
بعد ذلك أخذ الحديث عن السينما وعما تعرضه من أفلام ينتشر بين أهالي البحرين، الأمر الذي زاد شهرتها وتردد الناس عليها، حتى جاءت فترة الثلاثينيات لتشهد هذه التجربة طفرة أخرى، ففي عام 1937 شهدت البحرين فترة ازدهار اقتصادي وانتشار التعليم عن طريق المدارس الحكومية، وتأسيس الأندية الثقافية، هذا عدا عن تطور المسرح، الأمر الذي خلق مناخاً ثقافياً وأدبياً، بالإضافة إلى انتشار المكتبات التجارية في البحرين، كل تلك العوامل دفعت ببعض الشباب البحرينيين آنذاك، مثل: الشيخ علي بن عيسى آل خليفة، وعبدالله الزايد، وحسين يتيم للسعي لفتح دار سينما بالبحرين.
وتم فتح دار السينما عام 1938 في المنامة، وأطلق عليها اسم «مرسح البحرين» أو سينما الوطني أو الوطنية، كما عرفت فيما بعد وكان موقعها هو الموقع الحالي نفسه لسينما الحمراء، وكان أول ما عرض فيها فيلم «وداد» من بطولة الراحلة أم كلثوم.
أخذت دور السينما في الانتشار في المنامة والمحرق، حتى بلغ عددها مع بداية الستينيات سبع أو ثماني دور من بينها الوطنية، الأهلي، اللؤلؤ، البحرين، أوال، المحرق، وRAF والعوالي، وكانت هذه الدور تعرض جميع أنواع الأفلام الأميركية والعربية والأوربية والهندية، وفي أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات ظهر ما يعرف باسم السينما المتنقلة، وهي فكرة بدأتها شركة نفط البحرين، إذ تقوم الشركة بعرض الأفلام التثقيفية والتربوية في قرى ومدن البحرين مستهدفة مباني الأندية أو الباحات العامة، وكانت العروض تتم بإشراف المخرج البحريني خليفة شاهين.
أول سينما
أما أول دار سينما مكيفة في البحرين، فتأسست عام 1968، وهي سينما الحمراء التي أقيمت على انقاض السينما الوطنية، وهذا العام نفسه شهد حصول شركة البحرين للسينما وتوزيع الأفلام على امتياز عرض وتوزيع الأفلام، وفي الأعوام الأخيرة من القرن العشرين تم افتتاح المزيد من دور السينما المتطورة، إذ تم افتتاح سينما دلمون الأولى والثانية عام 1996، ثم سينما مجمع السيف عام 1998، وفي 1999 افتتحت شركة البحرين للسينما صالتي عرض في مجمع العلوي بلغ عدد المقاعد 228 مقعداً، لكنها أغلقت بعد مرور عامين على افتتاحها، وفي عام 2002 افتتحت 11 صالة عرض حديثة بمجمع الدانة.
الدراما
بدايات الدراما البحرينية الحقيقة وفترة ظهورها، وإبرازها كانت مع بداية فترة الثمانينات، حيث صُورت أعمال عديدة وتجارب عديدة أقدم عليها الكوادر والطاقات الفنية كان البداية مع «ثلاثية العين» عام 1988، من تأليف راشد الجودر وإخراج بسام الذوادي وبطولة سعد البوعينين ومحمد عواد، والأجزاء 3 من مسلسل «أم هلال» تأليف عيسى الحم وإخراج محيي الدين جلال، بطولة سلوى بخيت وجاسم الصايغ، وفي الأعوام 1987 و1988 و1998، فقد أرهصت لبداية حقبة جديدة من الاهتمام بالدراما التلفزيونية، وسجلت نجاحات جماهيرية، وتعتبر البداية الفعلية للدراما في تلفزيون البحرين كانت مع الجزأين الأول والثاني من مسلسل «بن عقل» تأليف راشد الجودر وإخراج عبد الله يوسف.
المسرح البحريني
في عشرينيات القرن الماضي كانت البداية الفعلية بتأسيس في المسرح البحريني مع مجموعة من المعلمين القادمين من مصر والشام لتأسيس أول فرقة مسرحية في مدرسة «الهداية» بالمحرق، ليخرج أول إبداعاتها عام 1925 بعرض مسرحية «القاضي بأمر الله»، بعدها توالت العروض، لكنها لم تخرج من سور المدرسة، واهتم المعلمون بتقديم أعمال أدبية، مثل: مسرحيات «مصرع كليوباترا»، و«قيس وليلى» للشاعر عزيز أباظة، و«مجنون ليلى» للشاعر أحمد شوقي، وفي الأربعينيات نضجت التجربة المسرحية البحرينية أكبر واستفادت من العطاء الأدبي العالمي، بعد أن كان محصوراً في إعادة إنتاج قصص من التاريخ الإسلامي، ليتجه إلى النصوص الشعرية ويستفيد من مسرحيات عالمية لـ وليم شكسبير، وأحمد شوقي، وعزيز أباظة، وتوفيق الحكيم، وإبراهيم العريض، وعبدالرحمن المعاودة.
بمرور الأيام وتعاقب التجارب زاد تعلق أبناء البحرين بـ «أبو الفنون»، لذا انتقل من داخل أسوار المدارس إلى الأندية، وفي عام 1955 ظهرت الفرقة التمثيلية المتنقلة التي كانت تجوب القرى والمدن لتقديم عروض مسرحية، وفي عام 1960 ظهر مسرح الاتحاد الشعبي، الذي ضم 60 عضواً قدموا أعمالاً محدودة، مثل «قيس وليلى»، و«دكتور في إجازة»، لتشهد الحركة المسرحية في المملكة منافسة قوية كانت تصب دائماً في صالح الجمهور المتعطش للفن الجيد.
وبلغ المسرح البحريني أوجه في فترة السبعينيات، إذ ظهرت فرقة «مسرح أوال» التي تعد من أشهر الفرق المسرحية في المنامة، أسسها مجموعة من الشباب المتحمسين المدرك لقيمة الفن، وقدمت عام 1972 مسرحيات مهمة، أبرزها «كرسي عتيق» للمخرج محمد عواد، وفي الفترة نفسها ظهرت فرقة «مسرح الجزيرة»، التي قدمت عرضين مشهورين هما: «غلط يا ناس»، و«الضائع» للمؤلف فؤاد عبيد، تبعها في التسعينيات ظهور فرق «الصواري»، و«جلجامش»، و«الريف»، و«البيادر»، ما سمح بتقديم عروض متنوعة منها التاريخي والتجريبي والاستعراضي.