الإثنين 11 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
علوم الدار

الشارقة.. رحلات في أعماق التاريخ

الشارقة.. رحلات في أعماق التاريخ
15 ديسمبر 2020 02:46

محمد عبد السميع (الشارقة)

تزخر الشّارقة بالعديد من المواقع التراثيّة المهمّة، والتي تؤكّد غنى وتنوّع دولة الإمارات التراثي وأصالتها الضاربة في أعماقق التاريخ، وتحتفي الإمارة بهذا الإرث من خلال هيئة الشارقة للآثار ومعهد الشارقة للتراث، ومن خلال فعاليات تراثيّة مهمة ومنتظمة. 
وجولتنا اليوم هي في متحف الشارقة للحضارة الإسلاميّة، الذي افتتح لأوّل مرّة في منطقة التراث بالشارقة منتصف تسعينيات القرن الماضي، لتُنقل بعد ذلك مقتنياته إلى مبنى سوق المجرّة وفق أسلوب العرض المتحفي، ثم تحول بعد سنة 2008 إلى مسمّى «متحف الشارقة للحضارة الإسلاميّة».

ويستكشف المتجوّل في صالات وأروقة المتحف شواهد العصر الإسلامي ومقتنيات تاريخية تشمل مسكوكات نقديّة، ودنانير أمويّة، وهي مؤشّر مهم على سكّ العملة في العصر الأموي والتخلّص من الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي قبل هذه الحقبة، ولذلك فإنّ هذه المسكوكات تجسد أهمية قراءة المحتوى والنقوش ودلالاتها آنذاك.
وإضافةً للمسكوكات، يمكن للزائر أن يتأمّل الفن الإسلامي أيضاً من خلال «ستارة باب الكعبة المشرّفة»، أو ما تسمّى «البردة»، حيث جماليّة الزخرفة والتذهيب في كتابة الآيات القرآنيّة. 
وهناك عرض لـ«الاسطرلاب» الذي يكشف أهميّة العلم في العصر الإسلامي المبكّر، باستخدامه آنذاك للمراصد، وتحديد الوقت وقياس الارتفاعات ومسارات النجوم، ومجسّمات الاسطرلاب تعود بنا إلى فترة 1100 ميلاديّة، ويمكن للزائر النظر بعين المقارنة بين عدد من النماذج لهذا الإنجاز الرائع قياساً على طبيعة تلك الفترة.

ويشتمل المتحف أيضاً على أداة «المبخرة»؛ وهو ما يعرف الزائر بطبيعة الطقوس الدينية والدنيوية والجمالية كتعبير عن الأجواء الجميلة وروعة الاستقبال، وفي المتحف نقف أيضاً أمام مباخر متنوعة بعضها من البرونز في القرن الحادي عشر الميلادي والثاني عشر الميلادي أيضاً، وبالتجوّل في صالات المتحف نعود إلى الفترة المملوكيّة في الدولة العربية الإسلاميّة لنتأمل «حامل المصحف الشريف»، وهو مماثل لمصحف مملوكي شهير في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، حُفر عليه اسم السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلوون.
ويتميّز المتحف بجماليّة تصميمه وروعة وأجواء الدخول إليه واستعادة التاريخ من خلاله، وفهم الأزمان بين الأمس واليوم، وعلاوةً على المقتنيات الثريّة فيه، وتتخذ صالات هذا المتحف أسماءً ذات صلة بالعصر الإسلامي، مثل صالة «أبو بكر للعقيدة الإسلاميّة»، و«صالة ابن الهيثم للعلوم والتكنولوجيا»، وأكثر من صالة بعنوان «صالة الفنون الإسلاميّة»، ويشتمل المتحف في هذه الصالات على مخطوطات نادرة من القرآن الكريم والتفاسير، ومجسّمات للمساجد والجوامع في العالم الإسلامي، إضافةً إلى عرض إسهامات علماء المسلمين في الحضارة الإنسانيّة واكتشافاتهم في الفلك والطب والهندسة والجغرافيا والرياضيات والكيمياء والملاحة البحرية، وغير ذلك من الحقول التي كانت رائجة جداً وذات حضور عالمي، كما تعود بنا مشغولات خزفيّة ومعدنيّة وزجاجيّة إلى القرن الثالث عشر الميلادي، ما يعكس امتداد الحضارة العربية الإسلاميّة، وتأثّرها بالأساليب الفنيّة من الحضارتين الإغريقيّة والفارسيّة قبل أن تتميّز بطابعها الخاص والمستقل.

ويسير بنا المتحف أيضاً في صالات الفنون الإسلاميّة، من خلال قطع فنيّة إسلاميّة من القرن الثاني عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر، بعضها معدنيّة وخزفيّة مملوكيّة وعثمانيّة وغيرها تشير إلى تقلبات السياسة وتحالف الدول في تلك الفترات. كما تحمل لنا هذه القطع التبادل التجاري الإسلامي بين الشرق والغرب بالإشارة إلى أسماء بلدان على هذه التتشكيلات والمقتنيات المهمّة.
ولم تكتفِ هذه الصالات فقط بذلك، بل تضع الزائر أمام أركان الإسلام ومبادئ العقيدة الإسلاميّة، كما في صالة «أبو بكر للعقيدة الإسلاميّة».
وتجيء أهميّة هذا المتحف من كونه صورة متنوعة عن عصر مزدهر، وأرضاً خصبة لدراسات مقارنة بين ثقافات وحضارات الدول والأمم والشعوب.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©