إبراهيم سليم (أبوظبي)
أجمع العلماء على أن الظروف التي يمر بها عالمنا الإسلامي والعالم أجمع، تحتم ضرورة طاعة أولياء الأمر والالتزام بما تم فرضه من إجراءات للبقاء في البيت والتباعد الجسدي.. وأوضحوا أن هذه الإجراءات لا تؤثر على العبادات، فالله يُعبد في كل مكان وكل وقت.. وقالوا إن الظروف الراهنة قد تكون فرصة أكبر للتقرب إلى الله تعالى وإظهار قدر أكبر من الإخلاص في عبادته سبحانه وتعالى، والتصدق في مختلف أوجه الخير، مشيرين إلى أن الشهر الفضيل في الظروف الحالية، يُعد فرصة للخلوة مع الله وتدبر آياته وحكمته.. مع الحرص على صلة الأرحام بالتواصل المستمر عبر وسائل التواصل مع الأقارب.. وأكدوا أن «كورونا» لن يكون عائقاً لأداء العبادات والتقرب للعلي القدير بالصلاة وإطعام الطعام.. ودعا العلماءُ المسلمينَ في مشارق الأرض ومغاربها إلى أن يجعلوا بيوتهم مساجد للصلاة والذكر.
يؤكد المستشار الدكتور فاروق محمود حمادة، المستشار الديني في ديوان ولي عهد أبوظبي، أن شهر رمضان هذا العام 1441 هجرية يحل في ظروف مغايرة للمعهود في السنوات السابقة نتيجة اجتياح العالم كله بفيروس خطير يمكن أن يؤدي إذا اجتمع الناس إلى هلاكهم وموتهم، والله تعالى يريد لعباده الحياة والاستمرار، فإذا كان في الاجتماع هلاك وأذى، فلا يجوز ذلك كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ...)، «سورة الأنفال: الآية 24».
فغاية الدين استمرار الحياة وإقامتها. وهذا يتطلب اليوم التباعد والاحتياط في عدد من الأمور اليومية، ومن قواعد شريعة الإسلام «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وهذا التباعد الظاهر بين الناس يعمق البعد الباطني في الإنسان في روحه وفكره ومشاعره، ويقوي هذا الجانب، وهو من مقاصد الصيام وغاية تشريعه.
وأوضح فضيلته أن الله تعالى يُعبد في كل زمان ليلاً ونهاراً، فليس هناك وقت يُعبد الله فيه وآخر تترك فيه العبادة، ويُعبد سبحانه في كل مكان وليست أماكن العبادة في الإسلام محصورة في المساجد، بل الأرض كلها مسجد، كما قال عليه الصلاة والسلام «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»، وإن كانت للمساجد فضيلتها ومكانتها، ولكن قواعد الشريعة تقرر أنه «لا ضرر ولا ضرار» و«الضرر يدفع بقدر الإمكان». وقال فضيلته: «إن رمضان هذا العام سيكون مناسبة ليخلو كل مسلم ومسلمة بنفسه وأسرته، ولينظر في داخله، ويحاول جاهداً للارتقاء الروحي والفكري، وهما مقصد الصيام الأساسي، وذلك من خلال:
الذكر.. فرمضان هو شهر القرآن، وقد خصه الله تعالى بذلك حين ابتدأ نزوله في هذا الشهر المبارك وجعله النبي، صلى الله عليه وسلم، مناسبة لدراسة القرآن ومذاكرته، فكان جبريل عليه السلام يأتيه كل ليلة من ليالي رمضان يخلو به ويقرأ عليه آيات القرآن، فتسمو بذلك روحه ويتسع فؤاده وترتاح جوانحه، وكان أجود الناس، فيزداد سماحة وجوداً، قال عبدالله بن عباس: «كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود بالخير من الريح المرسلة».
وتابع فضيلته: إن القرآن قد أصبح ميسوراً لكل واحد منا في بيوتنا وإذاعاتنا وتسجيلاتنا، فما علينا إلا أن نعكف عليه في هذه الأيام المباركة استماعاً وتدبراً وفهماً، فهو معراج الفضائل وطريق الترقي الروحي والفكري، وليس الذكر مقصوراً على القرآن وحده، بل كل ذكر الله بالثناء عليه والتأمل في الملكوت ذكر يقوم به الإنسان في سرِّه وجهره وفي كل لحظة من لحظات عمره، وهو أيضا عبادة ترقى بها الروح وتزكو بها النفس، ويتحقق القرب من الله تعالى. وفي هذه الدورة التي يخلو فيها الإنسان وحده أو يكون شبه وحيد يدخل في مناسبة عظيمة لتصفية الذكر وتنقيته مما اعتراه وهو يتقلب في فجاج الحياة، وذلك بأن يعيد النظر في أحواله بتؤدة وتأنٍ على هدي القيم ونور القرآن، وبذلك يستطيع أن يحظى بدرجات من الصفاء الداخلي والنقاء أكثر مما هو في أحواله العادية؛ لأن الصوم في ضوابطه يساعد على ذلك، وهذا من أعظم مقاصد الصيام وغاياته.
وقال إن الذكر لله، والفكر في أنفسنا وما حولنا من الكون والمجتمعات القريبة المحيطة بنا والبعيدة سيقودنا إلى الإدراك العميق والصحيح لنعم الله علينا في أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا ووطننا، إننا سندرك النعمة العظيمة، نعمة الأمن الشامل والاطمئنان الكامل الذي يلفنا أفراداً ومجتمعاً ووطناً، وسندرك نعمة الصحة ونعم الله السابغة التي نعيشها في هذا الوطن، وسندرك قيمة الخيرات التي تأتينا رغداً من كل الجهات.
وتابع فضيلته: عندما نتفكر، نجد أننا - والحمد لله - نرفل في واسع النعم وعظيم الخير، وقد كان هذا بفضل الله تعالى، ثم بتخطيط القيادة الرشيدة وسهرها الدؤوب ومتابعتها الحثيثة ليل نهار، وقد أعطت هذا الوطن ما يستحقه من العناية والرعاية ورفعة الشأن، وللإنسان في هذا الوطن ما يستحقه من التكريم، فمن عرف هذه النعم الكبيرة في هذا العالم المتماوج الذي نعيش فيه يجب عليه أن يمد يديه شاكراً لأنعم الله، داعياً للقيادة الحكيمة بأحسن الدعاء وأعمقه وأطيبه وأوسعه لما حققته لنا في هذا الوقت العصيب الذي يجتاح العالم، فإذا حمدنا الله وشكرنا للقيادة جهودها وأخلصنا لها الدعاء، فسيكون الخير مدراراً والمستقبل رفاهاً وازدهاراً، كما قال تعالى: (... لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، «سورة إبراهيم: الآية 7». إنه رمضان الذي جاءنا على غير ما كان يأتي، وسيكون مدرسة لها آثار إيجابية رائعة أكثر مما كانت تعطي.
عبـادات الخلــوة.. خالصـــة للعلي القدير
تقدم فضيلة الدكتور عبدالفتاح جمعة مدير مركز الأوقاف للدراسات والبحوث الدينية بوزارة الأوقاف في جمهورية مصر العربية، بالتهنئة بقرب حلول شهر رمضان قائلاً.. «أسأل الله أن يجعله هلال خير وبركة على الأمة الإسلامية، وأن يرفع بقدومه البلاء والوباء عن الإنسانية جمعاء»، وتابع: المسلمون مقبلون على شهر رمضان، وهو شهر عبادة وذكر واتصال بالله عز وجل، وما أخلص العبادة حينما تكون في خلوة مع الله.. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد، وكان يعتكف في كل سنة شهراً بأكمله، والسيدة خديجة كانت تأتيه بالزاد والطعام والشراب، وفي الحديث المتفق عليه تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، فالمفترض أن يقل انشغال الناس بأمور الحياة في هذا الشهر الكريم وتكثر عبادتهم لله رب العالمين.. والخلوة أكبر معين في أن يكثر الناس من عبادتهم صلاة وصياماً وقياماً وذكراً وتلاوة للقرآن الكريم واستغلال هذه الخلوة..
وأكد فضيلته أن صلاة التراويح وصلاة التهجد الأصل فيهما أنهما لا تؤديان جماعة، وأن تصليا في البيت، وثبت في الصحيحين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)، مشيراً إلى أن أجر الصلاة سيثاب عليه المسلم بنيته، فالإنسان إذا حبس عن عمل ما اعتاده من الخير لعذر فإن ثواب ما كان يعمله قائم له أجره، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً».
صلة الأرحام
وعن صلة الأرحام، يقول فضيلته: فيما يتعلق بصلة الأرحام، والتي هي صلة بالله تعالى، وهي باب عظيم من أبواب الخير وحثت عليها الشريعة الإسلامية الغراء.. والسؤال عنهم ومودتهم من خلال التزاور.. ولكن ونحن في ظروف هذا الوباء والتي يمنع فيها الاختلاط، فإن في الفضاء الإلكتروني من وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً في هذه الظرفية. لأن الأمر أصبح يشكل خطورة محققة في انتقال العدوى بالمباشرة والملامسة واللقاء وما أشبه ذلك.. فأنت تكون بعدم المخالطة قد أسديت خيراً كبيراً لأقاربك وذوي رحمك ومن تحب.. وفعلك هذا قمة الصلة وقمة التراحم، فيُكتفى بالوسائل الحديثة للتواصل في هذه الظروف.