مشاعر مختلطة ما بين القلق والتفاؤل والأمل غمرتني وأنا أتصفّح مجلّد (تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها - 2021) الذي وصلني بإهداء كريم من وزارة الثقافة والشباب. والإصدار هو اللبنة الأولى في إطار مشروع دائم لدراسة حالة اللغة العربية، ونقطة مرجعية لمساعدة صنّاع القرارات في الحكومات والمشتغلين باللغة العربية من أجل تطوير ودعم حضورها لتواكب التحولات العالمية ومجالات الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات والترجمة، وأمور أخرى كثيرة تواجهها اللغة العربية اليوم، وتحتاج إلى جهود جبّارة لجعلها تواكب كل هذا الكم من المتغيرات السريعة.
تشيرُ معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب رئيس المجلس الاستشاري للغة العربية في تقديمها للتقرير الذي يقع في نحو 460 صفحة، إلى أن المشروع جزء من التزام دولة الإمارات بتعزيز هويتها الثقافة. وهو بالفعل كذلك، عمل كبير شارك في إنجازه أكثر من 75 باحثاً من الأكاديميين والمثقفين وأساتذة جامعات من أنحاء العالم. كما أسهمت في دعمه مؤسسات إعلامية ومنظمات في الوطن العربي، ما يجعله مصدر ثقة من الجميع ومرجعاً اختصاصياً يؤسس ويدعم تبني خطاب وبرنامج عمل عربي موحّد للنهوض باللغة العربية أمام تحدياتها الكثيرة.
مشاعر القلق أثارها التقرير في أكثر من موقع حين استشرف مستقبل لغتنا العربية في تعاطيها مع الذكاء الاصطناعي والبرمجيات، وأبرزها أن لغات العالم كلها تواجه صعوبات كثيرة في هذا المجال، ولكن اللغة العربية (الغنيّة بامتداداتها ومفرداتها يضيف سطحاً آخر لها في احتواء هذا العلم الحديث)، ولذلك هي في حاجة إلى جهود بحثية تفصيلية ومركّبة ومعقدة فنياً لتجاوز هذا النوع من التحدي. لكن الرائع في التقرير أنه يقدّم حلولاً مقترحة لجميع هذه الإشكالات، ويعقد مقارنات بين لغات أخرى نعتقد أنها منتشرة عالمياً، من بينها الإيطالية والألمانية واليابانية والروسية والبرتغالية، ونحنُ نتفوق عليها في نسبة استعمال اللغة العربية على الإنترنت. ومن بشائر التقرير أيضاً ارتفاع نسبة تعليم اللغة العربية في العالم. في الولايات المتحدة وصلت إلى 6% متفوقة على الروسية والبرتغالية. وفي بريطانيا احتلت اللغة العربية المركز الثالث بين أكثر اللغات انتشاراً في التعليم العالي. وفي التقرير أرقام وإحصاءات كثيرة ومثيرة.
ما يميز التقرير، مع بحوثه العلمية الرصينة، مشاركة شخصيات ثقافية بمقالات رأي ووجهات نظر مع صورهم الشخصية، وتطعيم الصفحات بالجداول والرسومات البيانية الملوّنة، ما جعله تحفة طباعية راقية وقريبة من القلب كما هو متاح إلكترونياً أيضاً.