أن تكون دورياً قوياً في محيطك القاري قبل العالمي، معناه أن تتمتع أولاً بقدرة رهيبة على الجذب الاقتصادي والجماهيري، وأن تكون ثانياً بـ «دينامكية» تطور قوية لا تتوقف عن إبداع التغيير والارتقاء للأعلى، وأن تتمتع ثالثاً بالحد الأقصى من درجات التمنيع للحيلولة من دون الانكسارات الفجائية.
وطبعاً لا شيء من هذا يأتي من دون قاعدة اقتصادية متينة، عليها يقوم الصرح، قاعدة تنقل اقتصاديات الأندية التي هي «عماد» أي دوري، من نظام الريع القائم على الاتكالية والاستجداء، إلى نظام الاستثمار الذي يحول الأندية إلى مقاولات منتجة.
طبعاً لم تفاجئني التصنيفات التي صدرت عن مواقع متخصصة في تصنيف الدوريات الآسيوية، بحسب القيم السوقية للاعبين الذين ينشطون فيها، وهي تضع «دوري أدنوك للمحترفين» في المرتبة الثالثة، بقيمة إجمالية تصل إلى 198 مليون يورو خلف الدوريين السعودي «368 مليون يورو»، والياباني «322 مليون يورو»، كما لم تفاجئني القفزة النوعية التي حققتها القيم السوقية الجديدة لـ «دوري أدنوك للمحترفين»، وهي ترتفع بنحو 55 مليون يورو، لأن لذلك ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية الموضوعة من قبل اتحاد الكرة، ومن خلال الهيئات الحاضنة لكرة القدم بالإمارات، استراتيجية من محدداتها الكبرى، ضخ قيم مالية معتبرة، بغاية تمكين الأندية الإماراتية من استقطاب لاعبين من المستويات العالية، لتجويد الأداء الجماعي، ولإيجاد حوافز جديدة للشباب الإماراتي لمزيد من الإبداع، ورفع رساميل الأندية الإماراتية، لتجويد المنتج الكروي، بما يسمح لاحقاً بوجود جيل من اللاعبين الموهوبين وبما يسمح أيضاً بتقوية القاعدة الاقتصادية للأندية.
سيكون من الظلم، بل من باب «التيئيس»، أن نعقد مقارنات بين القيمة السوقية لدوري «البريميرليج» أغنى الدوريات الأوروبية بل والعالمية، والتي تقف اليوم عند رقم 3.386 مليار يورو، وبين «دوري أدنوك للمحترفين»، أو حتى الدوري السعودي، لأن الدوري الإنجليزي الممتاز، وكل الدوريات الأوروبية الكبرى التي تسير في ركابه، أنفقت عقوداً من الزمن في إرساء الهياكل الاقتصادية، وفي تطويع النظم المالية، وفي تجريب العديد من المعاطف الرياضية، لتصل إلى هذه الأرقام التي نصفها بـ «الفلكية»، لذلك سيكون من المفيد أن نحيل أنفسنا على المسار الذي مشت فيه هذه الدوريات، لكي تصل هذا المستوى الإعجازي، ولو نحن فعلنا، لقلنا إن «دوري أدنوك للمحترفين»، وهو يطلق شهابه الأول في سماء الإبداع والحلم، يؤسس لمرحلة جديدة في مقاربة النجاح الرياضي والمقاولاتي، النجاح الرياضي الذي يضمن لنا مشهداً جذاباً بإثارته وتنافسيته الكبيرة، ومسرحاً يتطور فيه الأداء الكروي بشكل مطرد.
والنجاح الاقتصادي الذي يستثمر في النجاح الرياضي والكروي، ليرفع بنسب مقدرة القيمة السوقية للدوري، وينقله إلى الصدارة آسيوياً وبعده للمنافسة عالمياً.
دوري جذاب وحماسي ومثير، هذا بالضبط ما يحقق التميز والنماء، وهذا ما ننتظره من كل الأندية بلاعبيها وإداراتها وطواقمها الفنية وجماهيرها، وما ذلك عليها بعزيز، وعلى الله التوكل.