تستمر العائلات في الفرار من آخر معقل يتحصن فيه تنظيم داعش الإرهابي أثناء المعركة الحاسمة التي بدأتها قوات سوريا الديموقراطية ضده قبل أيام.
وتواجه هذه العائلات رحلة شاقة في منطقة صحراوية قاحلة.
ووصل 300 شخص على الأقل، من نساء وأطفال غالبيتهم عراقيون، إلى نقاط سيطرة قوات سوريا الديموقراطية قرب بلدة "الباغوز" التي يسيطر التنظيم على أجزاء منها، بعدما مشوا لساعات طويلة وسط الصحراء.
وحصل عدد قليل منهم على خيم ليبيتوا ليلتهم فيها، بينما لم يتوفر للغالبية إلا بطانيات وزعتها عليهم قوات سوريا الديموقراطية، التي وزعت كذلك كميات قليلة من الطعام وعبوات المياه في غياب لأي منظمات إغاثية وإنسانية.وتقول العراقية فاطمة، في مطلع الأربعينات وأم لأربعة أطفال، "بكى الأطفال طوال الليل من البرد".
وتضيف "هذه الليلة الثانية التي ننام فيها في البرية. في الباغوز، كان هناك الكثير من القصف وكان من الأفضل لنا أن ننام في الخارج" في الليلة السابقة لخروجهم.
في منطقة الفرز قرب "الباغوز"، يخضع الفارون لعملية تفتيش وتدقيق أولي في هوياتهم، ثم تنقل قوات سوريا الديموقراطية المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم المتطرف إلى مراكز تحقيق، والمدنيين وعائلات الإرهابيين على متن شاحنات إلى مخيم "الهول" الواقع على بعد ست ساعات شمالاً.
تنتظر فاطمة، بفارغ الصبر، الوصول إلى المخيم. وتقول "على الأقل، ستتوفر الخيم هناك".
يروي الخارجون من آخر بقعة تحت سيطرة التنظيم، وتقدر مساحتها بأقل من كيلومتر واحد، الظروف البائسة التي عاشوها في الأسابيع الأخيرة مع نقص في الطعام والمياه والأدوية. ويقول بعضهم إن مقاتلي التنظيم المتطرف يدخرون الطعام لأنفسهم ويستخدمون المدنيين كدروع بشرية ويمنعونهم من المغادرة.
وتوضح هدى (32 عاماً) أنها امتلكت الشجاعة للهروب عندما رأت جيرانها يغادرون منازلهم.
وتقول المرأة العراقية "مشينا بلا تردد رغم وجود قناصة وقصف علينا. كان الوضع صعباً".
وتضيف "مشينا لثلاث أو أربع ساعات ونحن نحمل الأطفال والملابس.. عطشنا لكننا لم نتمكن من أن نحمل المياه معنا".
وجراء التعب، رمت هدى بطانيات حملتها معها نظراً لوزنها الثقيل ولطبيعة الطريق الضيقة والصعبة التي سلكوها.
في كل ساعة، تصل شاحنات محملة بمجموعات جديدة من الفارين إلى منطقة الفرز، تنبعث منها سحب من الغبار تلفح وجوه وأفواه الأطفال الذين لا يكفون عن البكاء.
ويبدي مسؤولون في قوات سوريا الديموقراطية دهشتهم جراء العدد الكبير من المدنيين المتبقين تحت سيطرة التنظيم في "الباغوز" ومحيطها، وهو ما يعيق تقدم قواتهم الميداني ويستنزف قدراتهم الإغاثية والإنسانية.
وفرت رقية إبراهيم (37 عاماً) من قرية "الباغوز" مع شقيقتها وأولادهما. لكن رحلتها كانت مختلفة عن الآخرين، إذ اضطرت لحمل أحد أطفالها المصابين على لوح خشبي بمساعدة شقيقتها.