الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة

تعدد أدوار الفرد في المجتمع يزيد انتشار الاضطرابات النفسية

تعدد أدوار الفرد في المجتمع يزيد انتشار الاضطرابات النفسية
13 أكتوبر 2011 17:51
احتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يقام في العاشر من أكتوبر من كل عام، بهدف تعزيز الوعي بالصحة النفسية وفتح أبواب النقاش أمام الأسباب المؤدية للاضطرابات النفسية، والبحث في أفضل الأساليب لمواجهة المشكلات الصحية النفسية، التي ازدادت في العصر الحالي بشكل كبير بسبب تعقد الحياة الاجتماعية، وتشعب الأدوار المفروضة على كل فرد، والواجب تنفيذ كل منها على أكمل وجه حتى لا يحدث خلل في أي من مناحي الحياة. (أبوظبي) - يأتي التوتر والقلق في مقدمة الأمراض النفسية الأكثر شيوعاً هذه الأيام، ويرجع ذلك إلى زيادة الضغوط التي يواجهها الجميع في كل أمور الحياة بسبب سيادة روح التنافس في أي مجال وأي عمل، وليس التكامل، كما كانت الحال في الماضي. والأدهى أن هذه الأمراض النفسية تؤدي إلى أمراض عضوية خطرة. ساحة منافسة يقول عيد المحيربي “41 سنة”، الذي يعمل في مجال الأعمال الحرة، إن الزملاء داخل العمل يجعلون بيئة العمل ساحة للمنافسات الشديدة والتي تأخذ شكلاً سلبياً في كثير من الأحيان، حيث يحاول البعض الإيقاع بزملائهم والوشاية بهم لدى المديرين والمسؤولين، كما أن هؤلاء أيضاً يسيئون استخدام الصلاحيات التي يملكونها في كثير من الأحوال بشكل سيئ بحجة مصلحة العمل، وهو ما يجعل من بيئة العمل بيئة ضاغطة للأعصاب ومنفرة، ولكن الأعباء والالتزامات المادية تجعل الناس يتحملون هذه الضغوط، وهو ما يؤدي للإصابة بأمراض القولون والضغط والسكر، يسبب حالة الشد العصبي التي يعيشها هؤلاء الموظفون لساعات كثيرة كل يوم، لا تقتصر فقط على ساعات الدوام، بل تمتد إلى المنزل، كون الكثيرين يحملون مشكلات العمل معهم إلى البيت ويحاولون الفضفضة بها مع الأهل والأسرة، غير أن واقع الأمر أن هذا السلوك يزيد من حدة توترهم ولا يخففه؛ لأن واقع الحال حينئذ يقول إن ساعات الدوام كل يوم ستكون أطول من المعتاد عندما نجعل من العمل ومشكلاته موضوع أساسي ويومي في الأحاديث المنزلية. ويلفت صديقه سالم عبدالله “38 سنة” إلى أن المديرين وأصحاب الأعمال يتحملون قسطاً كبيراً من الضغوط النفسية التي يتعرض لها الناس في الوقت الحالي، ولذلك ينبغي إخضاعهم لدورات تدريبية تعلمهم أفضل السبل للتعامل مع مرؤوسيهم والحفاظ على صحتهم النفسية، وبالتالي خلق بيئة عمل سليمة داخل المؤسسة؛ لأن العمل في النهاية مرتبط بالأشخاص الذي يؤدونه، كما أن جميع الأشخاص يعملون من أجل سد احتياجاتهم المختلفة، والعيش بشكل كريم ومريح؛ ولذلك ليس من المنطقي أن يتحول العمل إلى واحد من أكثر أسباب تعرض الناس لاضطرابات نفسية، بدلاً من أن يكون وسيلة للصحة النفسية والإقبال على الحياة. ويقول عبدالله “يسبب كثيراً من المشاكل النفسية، ألا وهو التطلعات المتزايدة لدى الناس والجري وراء وسائل الحياة الحديثة وما تتطلبه من مشتريات مادية وسلع رفاهية تجعل الجميع يحرص على جمع أكبر كمية من الأموال على حساب صحتهم النفسية، والهدوء والاتزان النفسي المفروض أن ينعم به الإنسان”. أدوار متعددة على الجانب الآخر، تقول لمياء الرفيق، موظفة مبيعات “28 سنة”، إن المشكلات النفسية التي يصبح الفرد عرضة لها كثيرة مع تعدد الأدوار التي يقوم بها الفرد في المجتمعات الحديثة، خاصة بالنسبة للمرأة التي صارت تقوم بالعديد من المهام، وكل منها لا تقل أهمية عن الأخرى، فهي الأم والزوجة والموظفة، وعليها أن تقوم بكل منها على أحسن وجه، ومن الطبيعي أن تشكل هذه الأعباء الحياتية ضغوطاً نفسية؛ ولذلك على الفرد أن يحاول أن يمنح نفسه قسطاً من الراحة والبعد عن النمط المتكرر للحياة اليومية، عندما تحين له الفرصة، وإلا أصيب الإنسان بالجنون بسبب استمرار الضغوط وملازمتها له طول الوقت. وتشير الرفيق إلى أن التنافس بين الناس صار سمة غالبة في كل شيء سواء كان في العمل، أو حتى الدراسة من أجل ضمان مستقبل أفضل عبر الحصول على تقديرات عليا والالتحاق بكليات متقدمة، وهذا يجعل الجميع يعيشون في حالة شد وتوتر منذ الصغر تظهر آثارها السيئة على الصحة مع مرور الزمن، حيث تظهر أمراض الضغط والسكري والاكتئاب، وجميعها ترتبط بشكل مباشر بنمط الحياة العصرية وما يحمله من أعباء متزايدة على مختلف فئات المجتمع، وأفراد الأسرة كافة. أما علياء الرويني “32 سنة”، وهي موظفة وأم لطفلة، فتذكر أن الحياة بالفعل تمتلئ بالعديد من مسببات المشكلات النفسية، سواء كان في العمل أو المنزل أو في قضاء المصالح الحياتية اليومية، وذلك بسبب تعقد الحياة الاجتماعية الحديثة، وما صاحبه من اتساع لمتطلبات الإنسان وسعيه إلى تلبيتها، ومع ذلك، بحسب الرويني، يمكن لأي فرد التعامل مع الحياة من حوله بسهولة ويسر عبر تقوية صلته بالله سبحانه وتعالى والمعرفة اليقينية بأن كل الأمور تجري بقدر الله، خاصة في ما يتعلق بالرزق والقدرة على اكتساب المال، وهو ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض أنه لحق مثلما أنكم تنطقون)، حيث تعهد سبحانه وتعالى لكل الخلق بأنه الكافل الوحيد لرزقهم، ولذلك عليهم أن يعملوا ويجتهدوا، ولكن دون أن يعرضوا أنفسهم لضغوط عصبية، قد تؤثر على صحتهم واستقرار حياتهم. ووجهت الرويني دعوتها للزوجات ألا يثقلن على أزواجهن بطلبات لا داعي لها، تجعله يعمل أكثر مما يحتمل ما قد يضر بصحته، وبالتالي يؤثر على الأسرة كلها سواء من خلال الأمراض الناجمة عن الشد والتوترات، أو العصبية واختلاق المشكلات، باعتبارها المكان الوحيد الذي يكون متنفساً للزوج. الاكتئاب النفسي من ناحيته، يقول الدكتور علاء حويل الاستشاري النفسي، في مدينة الشيخ خليفة الطبية، إن أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في العالم هو الاكتئاب النفسي، وتبلغ نسبة الإصابة في النساء أكثر من الرجال، في حين يصاب واحد من كل سبعة أشخاص بالاكتئاب خلال فترة من فترات حياتهم. ويضيف “الاكتئاب النفسي يصنف حالياً ثاني سبب للإعاقة الصحية بعد أمراض القلب، ويتوقع الخبراء أن يكون الاكتئاب النفسي عام 2030 أكثر الأمراض الطبية إعاقة للبشر، والأبحاث الجديدة تؤكد علاقة الاكتئاب بأمراض القلب والسكري وقصور الشرايين، ما يترتب عليها تكون جلطات دماغية أو جلطات بالقلب”. ولتجنب الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، يدعو حويل إلى أن تكون طموحات الإنسان متناسقة مع قدراته، وأن يتيح أسلوب حياته فرصة له للتمتع بأوقات كافية من النوم، والرياضة، والراحة، والتغذية السليمة. غير أن حويل يلفت إلى أن هناك أسباباً سياسية واجتماعية تساعد أيضاً في الحد من الاكتئاب، منها توافر الحد الأدنى للحياة الكريمة للأشخاص مثل الرعاية الصحية والاجتماعية، وكذلك ضرورة التمسك بالدين لما له من تأثير إيجابي في حفظ التوازن النفسي والسلوكي للأفراد، مشيراً إلى أهمية التكافل الاجتماعي والتكاتف الأسري باعتبارهما من أهم الأسباب التي تحول دون وقوع الفرد فريسة للأمراض النفسية. وحول الأمراض العضوية التي تسببها الاضطرابات النفسية، يوضح حويل أن هناك أمراضاً “نفسجسمية” تنتج عن الضغوط العصبية ومنها ارتفاع ضغط الدم، السكري، قرحة المعدة، أمراض الاثنى عشر، اضطرابات القولون العصبي، التهاب المفاصل “الروامتويد”، الصداع بأنواعه، الربو الشعبي. وبالنسبة لأحدث أساليب العلاج النفسي المتبعة في العالم، يشير حويل إلى الكثير منها، وفي مقدمتها، العلاج المتكامل الذي بمقتضاه تتم مراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية جنباً إلى جنب مع العلاج الدوائي. وهناك العلاج الطبي النفسي المجتمعي، ومن خلاله يتم توصيل الخدمة النفسية إلى الأشخاص في بيئاتهم الحقيقة داخل المنازل، بدلاً من الذهاب للمستشفى. ويلفت حويل إلى وجود تطور كبير في الأدوية النفسية وزيادة فاعليتها ونوعيتها، بما يكفل التقليل من الأضرار الجانبية الناجمة عن تلك الأدوية، موضحاً أن هناك من يستخدم المجال المغناطيسي للتأثير على مناطق معينة في المخ لتحسين حالات الاكتئاب. وكذلك استخدام تقنية استثارة مناطق معينة في المخ عبر زراعة بؤرة كهربية لدى الشخص المصاب بالاكتئاب للمساعدة على التخفيف منه. ويؤكد حويل على أن أساليب العلاج النفسي في تطور مستمر على الصعيد النفسي أكثر من الجانب الدوائي، وعلى الرغم من التطور الكبير، إلا إننا مازلنا بعيدين عن مرحلة الشفاء الكامل لكثير من تلك الأمراض”. اضطراب الصحة النفسية والأمراض العقلية أظهرت دراسة بريطانية أن حوالي ربع الأطفال، الذين يولدون عند أقل من 26 أسبوعاً من الحمل، والمعروفين باسم الأطفال الخدج للغاية، يصابون باضطرابات نفسية لدى بلوغهم سن 11 عاماً. وأكدت الدراسة، التي استمرت 11 عاماً، أن هذا النوع من الأطفال معرضون إجمالاً لمخاطر الإصابة بمشكلات عقلية لاحقة تعادل ثلاثة أضعاف نظيرتها لدى الأطفال الطبيعيين. وكانت أكثر الحالات المرضية النفسية شيوعاً هي اضطراب قصور الانتباه أو اضطراب فرط النشاط وشمل 12 % من هؤلاء الأطفال، والاضطرابات العاطفية شملت %9، واضطرابات التوحد %8. والدراسة، التي أجراها الدكتور س. جونسون وزملاؤه، تتبعت 219 طفلاً من الخدج، بغرض دراسة مدى انتشار الاضطرابات النفسية بينهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©