الإثنين 11 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة

مسرح الطفل... من المدرسة نبدأ

مسرح الطفل... من المدرسة نبدأ
29 ديسمبر 2010 20:32
يفرض البحث في العلاقة الإشكالية بين الإعلام ومسرح الطفل في الجزائر، مجموعة من التساؤلات من نوع: ما هو موقع المسرح عموماً ومسرح الطفل بشكل خاص، في التكوين الجامعي في مجال الإعلام في الجزائر؟ وما هو حجم ونوعية الحضور الإعلامي (الصحافة المكتوبة والإذاعة والتليفزيون) على مستوى تغطية نشاطات مسرح الطفل؟ وما هو دور كل من الأسرة والمدرسة وهياكل المجتمع المدني (الجمعيات) في ترسيخ الاهتمام بمسرح الطفل؟ وكيف كان الاهتمام بالمسرح عموماً ومسرح الطفل على وجه الخصوص خلال المراحل السابقة، وما هي أسباب تراجع هذا الاهتمام اليوم؟ وهل للتكنولوجيات الجديدة في مجال المعلومات دور في ذلك؟ المسرح هو أحد فروع فنون الأداء أو التمثيل الذي يجسد أو يترجم قصصاً أو نصوصاً أدبية أمام المشاهدين باستخدام مزيج من الكلام، الإيماءات، الموسيقى والصوت على خشبة المسرح. أما مسرح الطفل فهو مسرح حقيقي بكل مفرداته وعناصر عمله بدءاً من النص ومروراً بتحضيرات العرض وتشكله من خلال عمل المخرج واشتغال الممثلين، سواء كان هؤلاء الممثلون كباراً أم صغاراً. وما يميز مسرح الطفل هو خصوصية الرسالة المراد توصيلها، وطبيعة الجمهور المستهدف وما يفرضه ذلك من آليات خاصة على مستوى الخطاب. ومن هنا نلاحظ أن المستوى النفسي والإدراكي لمتلقي هذه الرسالة المسرحية (الطفل) يحدد: لغة العرض وآلياته والموضوعات المطروقة وبنية الحبكة. ضآلة الاهتمام إن الاهتمام بمسرح الطفل يدخل في إطار الاهتمام العام بالطفل وثقافته داخل المجتمع. ويلاحظ في هذا السياق أن الاهتمام بثقافة الطفل على المستوى العربي عموماً، وفي الجزائر بشكل خاص، لا يزال ضئيلاً جداً ودون المستوى المطلوب كماً ونوعاً، الأمر الذي ينعكس حتماً على واقع مسرح الطفل. كما أن مادة المسرح عموماً، ومسرح الطفل بشكل خاص، غير مقررة في برامج التكوين الإعلامي الجامعي المتخصص، ما يجعل الإعلامي غير مزود بثقافة تخصصية في هذا المجال. وهذا من الأسباب التي تجعل الإعلاميين بعد تخرجهم لا يهتمون بمسرح الطفل، حتى لو شاركوا في تغطيتها فإن ذلك لا يكون من منطلق إرادتهم الحرة، بل من موقع واجبات العمل ليس إلا. من هنا نجد أن حجم الحضور الإعلامي في التغطيات المرتبطة بمسرح الطفل، ضئيل جداً، وذلك على مستوى الصحافة المكتوبة، كما على مستوى التليفزيون والإذاعة. والملاحظ أن حجم الاستثمار الثقافي في الصحافة المكتوبة هو أصلاً ضئيل، على أساس المقولة الشائعة “إن الثقافة لا تبيع”. إن الصحفي المحترف، ينظر الى الطفل وثقافته بانتقاص شديد، بل إنه قد يرى من “العيب” بالنسبة لمساره الإعلامي، أن يظهر اسمه تحت تغطية تخص مسرح الطفل، على أساس أن الموضوع نفسه “غير لائق” بسمعته كمحترف. وحتى إذا وجدنا تغطية من هذا النوع من صحيفة يومية، فإن الصحفي الموقع عليها لن يكون إلا شخصاً مبتدئاً لم يمض على دخوله عالم الاحتراف سوى بضعة أشهر على الأكثر، إضافة الى ضيق المساحة التي ستمنح للموضوع. أما دور التليفزيون بوصفه وسيلة إعلام ثقيلة في التوجيه نحو الاهتمام بالمسرح فقد كان التليفزيون الجزائري حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي يخصص ليلة في الأسبوع على الأقل للعروض المسرحية في وقت الذروة، وكانت المسرحيات الموجهة للأطفال تعرض أيضاً مرة كل أسبوع على الأقل ضمن برنامج “بين الثانويات” وهو برنامج أسبوعي مدرسي تنافسي يبثه التليفزيون على المباشر كل مرة من مدينة مختلفة، ما كان يدفع المدارس الى الاهتمام بالمسرح. وقد تخلى التليفزيون عن ذلك الآن ولم يعد يقدم العروض المسرحية إلا نادراً. غير أن هذا التوجه الجديد للإعلام الثقيل، ليس نابعاً من موقف ذاتي لهذا الوسيط الإعلامي بقدر ما هو نابع من غياب سياسة ثقافية واضحة تعطي للمسرح ولمسرح اطفل خاصة مكانهما اللائق بهما. لقد كان التمثيل في السابق يعتبر مادة أساسية في المرحلة الابتدائية ويسمى “مادة المحادثة”، يتدرب عليه التلاميذ مع المعلم بهدف تعليمهم اللغة وتحرير ملكاتهم ومواهبهم وتفجير طاقاتهم، وأيضاً تحريرهم من بعض العقد النفسية التي يمكن أن تكون فيهم، غير أن هذه المادة ألغيت من البرنامج المدرسي في المنظومة التربوية الجديدة. كما أن مادة “المحادثة” كانت تسهل على التلاميذ الاهتمام بالمسرح المدرسي الذي كان له رواج حيث كانت تنظم العروض المدرسية للجمهور في المسارح البلدية عدة مرات خلال السنة الدراسية. هؤلاء الأطفال كان من السهل عليهم الانخراط ضمن جمعيات المسرح الهاوي. لهذا كنا نجد جمهوراً واسعاً من الأطفال في العروض التي يقدمها مسرح الهواة خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، غير أن توقف المدرسة عن أداء هذا الدور الذي كانت تقوم به في السابق، كانت نتيجة غياب المسرح المدرسي وعدم اهتمام الأجيال الجديدة من الأطفال: لا بمسرحهم ولا بمسرح الكبار، لأنه لا أحد يوجههم الى ذلك. دور المجتمع المدني كثيرة هي الانتقادات التي تم توجيهها الى النظام الأحادي السابق في الجزائر (نظام الرئيس هواري بومدين والنصف الأول من عهدة الرئيس الشاذلي بن جديد)، غير أن ذلك النقد لم يكن كله على صواب، على الأقل فيما يخص واقع المسرح في تلك المرحلة، حيث نلاحظ أن الحالة المسرحية على عهد النظام الأحادي (الحزب الواحد) كانت جد نشيطة، بما في ذلك مسرح الطفل. وكان المسرح يتحرك تحت مظلة ما كان يسمى آنذاك “المنظمات الجماهيرية”، مثل “الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية” و”الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين” وغيرها من المنظمات والاتحادات التي كانت ترعى الحركة المسرحية وتنشيطها، سواء بالنسبة للصغار أم للشباب الهاوي، حيث كان لها دور كبير في ترسيخ تقاليد مسرحية وضمان التواصل بين الجيل المؤسس للمسرح في الجزائر (جيل الفنان الكبير الراحل محي الدين باش تارزي 1897 - 1938). وكنت ترى دور الشباب ممتلئة عن آخرها بالكبار والصغار، خلال العروض الهاوية التي كانت قدمها فروع “الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية” بشكل أسبوعي، بل إن كثيراً من الأطفال والمراهقين كانوا، لقلة الأماكن، يجلسون على الأرض لمشاهدة تلك العروض الممتعة. هذا بالنسبة لمسرح الطفل والمسرح الهاوي. أما عن المسرح المحترف فحدث ولا حرج. لقد كان مئات المشاهدين يشترون تذاكر الدول ولا يتمكنون من متابعة العرض لاكتظاظ المسرح. غير أن مرحلة التعددية السياسية والانفتاح الاقتصادي قضت على جميع تلك الهياكل التي كانت تؤطر المسرح وتشجع الأطفال والمراهقين على الاهتمام به. ولم يبق اليوم سوى الجمعيات الهاوية التي ما تزال تحافظ على التقاليد المسرحية الجزائرية، والتي بفضلها ما يزال “المهرجان الوطني لمسرح الهواة” ينظم منذ أكثر من 40 سنة، ولم يتوقف حتى في العشرية الدموية (سنوات التسعينيات من القرن الماضي)، حيث كان التنقل بين المدن والقرى لتقديم العروض يعرض الفرق المسرحية لخطر الموت المجاني. دور الأسرة من المؤكد أن الأسرة أيضاً لا تقوم بدورها في توجيه الطفل نحو المسرح أو اكتشاف موهبته واستعداداته في هذا المجال. ويلاحظ التربويون أن الطفل الموهوب في التمثيل يتميز بالصفات التالية: القدرة على محاكاة الآخرين وتقليدهم، الحيوية والنشاط الدائمان، الإكثار من الحركات والإشارات التعبيرية بوجهه، البراعة في تقمص الأدوار المختلفة، القدرة على إضحاك الآخرين. صعوبة كشفه عندما يكذب، وأخيراً يستطيع غالباً مواجهة الآخرين بلا خوف أو خجل. ولاكتشاف الموهبة التمثيلية عند الطفل، ينصح التربويون باتباع جملة أساليب من بينها: المتابعة غير المباشرة للأطفال في أماكن تجمعهم، القيام بأنشطة تمثيلية حيث يتم توزيع الأدوار على الأطفال ليسهل اكتشاف الموهوبين منهم في هذا المجال، يطلب المربي من الأطفال أن يحكي كل منهم قصة، ويرى كيف يحكي كل طفل وكيف يتقمص الشخصيات وكيف يؤثر في السامعين. أما تنمية الموهبة التمثيلية عند الطفل، فيمكن أن تتحقق بإمداد الطفل بالقصص والمسرحيات وتعويده على القراءة منذ طفولته الأولى (يرى كثير من علماء النفس أن الطفل ينبغي أن يبدأ القراءة منذ سن 6 أشهر)، واصطحاب الطفل الى المسرح، والاهتمام بالمسرح المدرسي وإلحاح أولياء الأمور في ذلك ومطالبتهم به في حال عدم وجوده في برنامج المدرسة. وحتى نضمن الاهتمام الإعلامي الكافي واللائق بمسرح الطفل، نقترح ما يلي: ? تدريس المسرح ومسرح الطفل ضمن برنامج تكوين المعلمين في الطورين الابتدائي والمتوسط (التكميلي). ? تدريس المسرح ومسرح الطفل ضمن البرنامج الجامعي في كليات علوم الإعلام والاتصال. ? إعادة إدراج مادة التمثيل ضمن البرامج المدرسية في المراحل الابتدائية. ? إدراج مادة المسرح (كما الموسيقى) ضمن البرامج المدرسية في مرحلة التعليم المتوسط (التكميلي). ? تنظيم ندوات ولقاءات تحسيسية يحضرها المربون والإعلاميون (ناشرو الصحف بصفة خاصة) حول ضرورة الاهتمام المدرسي والإعلامي بمسرح الطفل. ? إعداد برامج إذاعية وتليفزيونية تهتم بمسرح الطفل وتعرض بشكل منتظم مسرحيات للأطفال. ? استحداث صفحات خاصة بمسرح الطفل في الصحف والمجلات المحلية / القُطرية والعربية. ? استحداث مواقع إلكترونية عربية، يشرف عليها إعلاميون، تهتم بالترويج لمسرح الطفل والتحسيس والتوعية بأهميته. ? استحداث جوائز قُطرية وعربية لأحسن تغطية إعلامية في مسرح الطفل. ? استحداث جوائز قُطرية وعربية للكتابة والتأليف لمسرح الطفل. ? استحداث جوائز قُطرية وعربية معتبرة لمسرح الطفل، على غرار جوائز المسرح الهاوي والمحترف. * باحث وإعلامي جزائري ** من بحوث ملتقى مسرح الطفل العربي في الشارقة (23 - 24 ) نوفمبر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©