الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة

الخبر قبل المبتدأ

الخبر قبل المبتدأ
13 سبتمبر 2012
بدءاً من اليوم السابع في الشهر الجاري بدأت الجهات المختصة بالتعرف على عدد من العروض التي ستتنافس على جوائز مهرجان المسرحيات القصيرة الذي ينظم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتشرف عليه إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وذلك في الفترة من 24 إلى 28 من الشهر الجاري بالمركز الثقافي لمدينة كلباء؛ حيث ستعاين لجنة مختصة نحو 14 عرضا لتنتقي الأفضل منها للعرض على خشبة المهرجان الوليد. شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطا ملحوظا وسط المجاميع المشاركة سواء في مسرح المركز الثقافي العربي في الشارقة أو مسرح مركز كلباء الثقافي، إذ تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، ويشرف على التي تقدم في الشارقة الممثل والمخرج إبراهيم سالم فيما يتابع الممثل الرشيد أحمد عيسى مع مجموعة المنطقة الشرقية. من جانبها، ضبطت إدارة المهرجان، بحسب بيان صحفي، كل الجوانب التقنية الخاصة بالهيكلية التنظيمية وكونت العديد من اللجان للاشراف والمتابعة والإعلام حتى تأتي فعاليات الدورة الأولى في الشكل المنتظر. خلفية لكن، على أي اساس يقام هذا المهرجان، وهل تحتاج الشارقة إلى تظاهرة أخرى إلى جانب مهرجانها المعروف “أيام الشارقة المسرحية” والذي يوشك ان يكمل سنته الثلاثين؟ وما هي الامكانات المتوافرة في المنطقة الشرقية حتى ينظم المهرجان بها؟ كلها اسئلة لا شك انها ستتبادر إلى ذهن المرء حين يبلغه خبر هذا المهرجان. على ان اجابات هذه الاسئلة تبدو سهلة لأي مراقب؛ فلعل مما يمكن الاتفاق عليه ان المسرح سيظل في حاجة دائمة إلى المهرجانات، فهو، في الأساس، فعل “مهرجاني” أو احتفالي، كما قال الناقد المغربي عبدالكريم برشيد وأصحابه في بيانهم الشهير، ولذلك تجد ان إقبال الناس، ومنهم أهل المسرح، أكثر وأكبر إلى المهرجانات وينقص عددهم دائما حين يتعلق الأمر بمشاهدة عرض مسرحي واحد في صالة ما. أما ضيق بعض أهل المسرح بمصطلح “مهرجان” فسببه ان أيام هذا الاحتفال دائما ما تكون معدودة ويحلم هؤلاء بمهرجان قائم على الدوام! وليس أدلّ على شغف المسرحيين بالمهرجانات من انشغالهم لشهور عديدة بالإعداد لعروضهم المشاركة في مهرجان ما سعياً وراء جائزة ما أو صدى نقدي مشرف. فالمهرجان، وخصوصا مع الجوائز واللجان والفعاليات الموازية والإعلام، ليس فقط مجرد اختبار لقدرات أو مهارات المسرحيين في الإخراج والتمثيل إلخ.. بل هو إحياء وتجديد لعلاقتهم باجسادهم وحواسهم وعقولهم وهو إذكاء لحساسياتهم الإبداعية، ولشد ما يكون وقع ذلك مؤثراً حين يحضر الناس كلهم، كما حالهم في المهرجان! الحال، اننا عندما ننظر إلى مهرجان أيام الشارقة المسرحية، مثلاً، نتعرف على حقائق عديدة تدل على فعاليته أو أثره الكبير ليس فقط في صياغة المشهد المسرحي الإماراتي وارساء تقاليده بل في تأسيس هذا المشهد وتجذيره منذ البداية في تربة هذا المكان؛ فالمهرجان الذي بات الآن بين المهرجانات المسرحية الأعرق في الوطن العربي، كان السبب وراء توجه العشرات من المسرحيين الإماراتيين إلى دراسة المسرح، كما كان له الفضل كله في تأسيس نحو 18 فرقة مسرحية موزعة جغرافياً على سائر إمارات الدولة، وهذه الفرق لا تنشط في معظمها إلا عبر المهرجان، فهي تستغرق ما تخصصه من وقت للنشاط في الإعداد للدورة الجديدة من المهرجان، من سنة لأخرى. إلى ذلك، لمهرجان أيام الشارقة الفضل في ظهور العديد من الكتّاب والنقاد المسرحيين سواء من الإماراتيين أو من العرب المقيميين؛ وبالمجمل، يمكن القول، إن تاريخ المسرح الإماراتي، في وجهه المشرق، هو ما كتبته “الأيام”، عروضاً وقراءات نقدية وتكريمات وضيوفا وكتباً وملتقيات فكرية إلخ.. من هنا، تجد ان بعض المتكلمين إلى الصحافة من مسرحيي الإمارات يصف هذا المهرجان، من باب العرفان، بـ”الأكاديمية”، وتلك صفة مستحقة بالفعل، إذ ان كل دورة من دوراته كانت عبارة عن “كورس” دراسي بالنسبة لأغلبهم، بخاصة أولئك الذين لم يدرسوا المسرح أكاديمياً. لكن، مع مرور السنوات، كبرت “الأيام” واستعصت على كثير من الهواة، فلقد غدت مكاناً لا يحل به إلا “الكبار”، اما الهواة “الصغار” فمصائرهم لم تخرج عن حالين فإما ان الفرق المسرحية التي انتسبوا إليها تخوفت من ترشيحهم خشية الخسران وبالتالي تحولوا إلى متفرجين في صالة المهرجان، أو هم غامروا بالترشح للمشاركة لكن فرزتهم معاينات “لجنة اختيار العروض” لنقص أعمالهم أو ضعفها! يحق، طبعا، للمهرجان ان يحافظ على ما كسبه، باستمراريته، من تقاليد ومعايير، وعليه ان يمضي أكثر لجهة تعميق ما يصدره إلى الساحة من قيم مسرحية وثقافية واجتماعية، ولجهة ترسيخ وتعزيز مكانته بين مهرجانات المسرح في العالم أكثر فأكثر؛ فهذا أقلّ ما يمكن تقديمه لأولئك الأوائل/ الرواد، الذين بذلوا كل جهدهم حتى يرقى المهرجان إلى هذا المستوى المتقدم، وهذا أقل ما يمكن تقديمه، في باب الوفاء والعرفان، لصاحب السمو حاكم الشارقة الذي آمن بهذا المنبر وأمّن له كل السبل حتى يحقق هذا الإجماع الملحوظ في تقدير أهميته وضرورته ليس فقط في الساحة الثقافية المحلية ولكن في عموم المجتمع العربي. إذاً، بما ان خشبة “الأيام” غدت بعيدة وعصية على جيل مسرحي جديد، خرج من تجمعات الورش والدورات التدريبية، المبذولة هنا وهناك، فلماذا لا يؤسس مهرجان جديد، يجمع شتيت هذا الجيل الشاب ويكون سبيله إلى ذاته المبدعة اولا.. وإلى الناس والعالم؟ تأسيس من هنا، بدت فكرة مهرجان المسرحيات القصيرة مهمة وضرورية لتلبية حاجة أولئك الشباب. ولعل من وجوه التوفيق إن ادارة المهرجان الجديد شاءته للنصوص القصيرة وهو ما سيبرزه مختلفاً عما كرسته “الأيام” من عروض مسرحية؛ كما ان هذا الاختيار للمسرحيات القصيرة سيتيح، في المستقبل، للمشهد الإماراتي ان يتعرف إلى كتاب ومخرجين وممثلين في هذا الجنس المسرحي، ولئن بدا ذلك ليس بالاهمية القصوى فما لا شك فيه ان تنظيم هذا المهرجان في المنطقة الشرقية يمثل إضافة نوعية للحراك المسرحي هناك، بخاصة ان مناطق كلباء وخورفكان والذيد إلخ.. ظلت تثري الساحة الثقافية الإماراتية بالعديد من المبدعين وفي سائر المجالات. إذن، ليس أقلّ من تنظيم مثل هذه التظاهرة لتقديم المزيد من الوجوه والطاقات الجديدة من هناك. وجوه ولعل من الأمور المهمة أيضا في سيرة تأسيس هذا المهرجان أنه عبارة عن نتيجة وليس مقدمة؛ أو بعبارة أخرى هو الخبر وليس المبتدأ؛ فلقد اُعلن عنه بعد سلسلة من الورش والدورات التدريبية التي نظمتها إدارة المسرح بالدائرة بدءاً من دورة أولى في كلباء استمرت مدة ثلاثة أشهر منذ مطلع أبريل وانتهت في الخامس من يوليو 2011، وذلك في إطار مشروع لاكتشاف وجوه مسرحية شابة ولإثراء المشهد المسرحي في المنطقة الشرقية وقد شارك في تلك الدورة عشرون متدرباً تلقوا تدريبات في التمثيل والإخراج والكتابة المسرحية وشارك أغلبهم في هذه الدورة التي سبقت الاعلان عن المهرجان، وهي كانت انطلقت في النصف الثاني من شهر مايو في السنة الجارية، بقراءات في مجموعة من النصوص المسرحية المنتقاة تحت إشراف المسرحي السوداني الرشيد أحمد عيسى، وفي مطلع شهر يونيو الماضي بدأت الدورة محاضراتها النظرية والعملية الخاصة بـ “الإخراج المسرحي” وأشرف عليها المخرج المغربي هشام شكيب واستمرت خمسة عشر يوماً واختتمت باختبار أولي لمستوى المشاركين عبر أربعة مشاهد من أربع مسرحيات قصيرة حضرها جمهور المسرح في المنطقة الشرقية. محاضرات وتابع المشاركون، في الأيام التالية، محاضرات نظرية تكميلية حول “تاريخ المسرح” و”كيفية تحليل النص المسرحي” و”عمل المخرج مع الممثل” وأشرف عليها المسرحي خليفة التخلوفة، فيما انطلقت تدريبات السينوغرافيا في الخامس والعشرين من يونيو الماضي واستمرت إلى الثاني من شهر يوليو، وأشرف عليها الفنان المصري سامي عبد الحليم عقب انتهاء تدريبات السينوغرافيا تواصلت المحاضرات النظرية حيث شارك المسرحي العراقي محمود أبو العباس بتقديم محاضرة بعنوان “نظرية العرض المسرحي”، وتلاه الممثل والمخرج إبراهيم سالم بمحاضرة بعنوان “عمل الممثل مع الدور”، أما الممثل والمخرج السوداني يحيى الحاج فقدم محاضرة بعنوان “أدوات الممثل”. ومنذ منتصف يوليو انتظمت مجموعات المشاركين في بروفات متصلة، تطويراً لعروضهم وذلك قبل ان عاينتها لجنة مختصة في اليوم السابع من الشهر الجاري لتفرز من بينها العروض المستحقة للتقديم عبر خشبة المهرجان. أما الاعمال المرشحة فهي: “القرنفلات الحمراء” ويخرجها محمد حسن، و”لغة الجبل” وتخرجها عبير جلال، فيما تخرج عائشة الشويهي مسرحية “لعبة الغولة”، وسميرة النهال “الأقوى”، وحسن موسى “جرة الذهب”، وبدر الرئيسي “مشاجرة رباعية”، وسعيد الهرش “السموم”، ويوسف الغيلاني “أريد حلا”، وهالة الشمس “الكونكان”، ورامي مجدي “الغرباء لا يشربون القهوة”، وعبد الجواد محمد “المقامة البغدادية”، ونور نواف “المشهد الأخير من المأساة”، وفاطمة طرابلسي “المحكوم عليه بالإعدام”، وحنان محمد “الدب”، وسهير مصطفى “مجلس العدل”، وكلها منجزة باللغة العربية أو مترجمة إليها وهي من مدارس مسرحية مختلفة. إذاً، ها هي الشارقة تبادر إلى اقتراح منبر مسرحي جديد وهي بلا شك ستعرف رعايته وتطويره كما عرفت في تجربة “الأيام” و”مهرجان المسرح المدرسي” و”الموسم المسرحي” و”مهرجان المسرح العربي” وسواها من أنشطة ومبادرات مسرحية، محلية وعربية، احدثت فرقاً كبيرا في مسار هذا الفن العريق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©