يستبشر سكان الخليج العربي ببزوغ نجم سهيل، خلال شهر أغسطس من كل عام، كونه إشارة لبدء انكسار حدة الحرارة واعتدال الجو، فمع طلوع هذا النجم، يبدأ تقويم خاص لأهل الخليج يعرف باسم «الدرور»، يقسم السنة إلى ثلاثة أقسام، وكل عشرة أيام منها تسمى «دراً»، ومع طلوع سهيل تهب رياح تساعد على تخفيف حدة الحرارة يطلق عليها «هبايب سهيل»، وتلاحظ بداية عند الفجر ثم تزحف على بقية الليل ثم النهار، ومع منتصف أكتوبر يشعر الناس بقدوم البرودة مع الفجر.
اهتم أبناء الجزيرة العربية منذ القدم بمطالع النجوم والنظر فيها ومعرفة منازلها، نظرا لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار، حيث أشار إبراهيم الجروان الباحث في علوم الفلك والأرصاد الجوية والمشرف العام للقبة السماوية التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، إلى أن أهل المنطقة يعرفون من خلالها دخول فصول السنة ووقت نزول الأمطار، ووقت البرد والحر ومن خلال حساب النجوم يعرف أهل القرى والفلاحون متى يحرثون أراضيهم، ومتى يبذرون استعداداً لنزول المطر وأهل البر يعرفون مواسم الرعي والسفر، وأهل البحر يعرفون مواسم الصيد والسفر.
وقال الجروان: بطلوع نجم سهيل تنكسر حدة الحرارة تدريجياً ويبدأ الجو بالاعتدال ليلاً، وبعد سهيل بـاثنين وخمسين يوماً يدخل حساب الوسم، وهي اثنان وخمسون يوماً إذا جاء فيها المطر فإنه يكون نافعاً بإذن الله تعالى للبر والبحر، ففي البر تنبت أنواع كثيرة من النباتات لا تنبت إلا في مطر هذا الوقت، وكذلك تنبت الكمأة أو الفطر المعروف باسم (الفقع) محلياً، وأما فائدة المطر للبحر في فترة الوسم فإنه ينتج اللؤلؤ بإذن الله تعالى في بطون المحار، وسمي بالوسم لأنه يوسم الأرض بالخضرة والعشب والكلأ ويتكون من أربعة منازل (نجوم) هي (العواء والسماك والغفر والزبانا).
تسمية العرب
وأوضح إبراهيم الجروان أن سهيل نجم جنوبي أو يماني كما سمته العرب نسبة إلى اليمن، وهو ثاني ألمع نجوم السماء بعد الشعرى اليمانية، أما الأسـاطير فتقول إن سهيل قتل نعشاً، وكان لنعش سبع من البنات، فأقسمن أن لا يدفن جثة أبيهن إلا أن يدركن ثأرهن من سهيل، فهرب سـهيل إلى الجنوب، وحملت أربع بنات عذراوات نعش أبيهن، وسارت خلف النعش ثلاث، إحداهن حامل، وثانيتهن برفقة طفل صغير، وثالثتهن عرجاء تمشي الهوينا، وبنات نعش يعرفن باسم المجموعة النجمية الدب الكبير، ويظهرن في الجزء الشمالي طوال العام، أما سهيل فهو نجم يظهر في الجنوب.
كما أشار إلى أن الأساطير نسجت حول نجم “سهيل” فهو زوج الجوزاء، وهو أخو الشعريان، وذكر أنه كان فتى يبطش بالناس ليأخذ أموالهم ويقطع الطرق فمسخ إلى نجم جنوبي أوحد، و(الشِّعْرى) الشعرى نجم نير مضيء يطلع بعد الجوزاء ألمع نجوم السماء، وطلوعه في شدة الحر، وهما شعريان الشعرى العبور وهي اليمانية التي في الجوزاء والشعرى الغميصاء وهي الشامية التي في الذراع، وتزعم العرب أنهما أختا سهيل.
رمز التفاؤل
وحكي أيضا أن سهيلا والشعرى كانا زوجين، فانحدر سهيل فصار يمانيا، فاتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور، وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عيناها، فسميت غميصاء من الأخرى لأنها أخفى منها، وسهيل رمز التفاؤل العربي، وقد أثبتت مخطوطات من القرن السابع عشر، أن المحور الأكبر للكعبة المشرفة يتجه نحو نقطة شروق نجم سهيل، بينما يتجه المحور الأصغر ناحية شروق الشمس في منتصف الصيف، ولما كان سهيل نجما عملاقا وجبارا وأبيض اللون ويعد ألمع النجوم في السماء بعد نجم (الشعرى اليمانية)، فقد كان الفلكيون المسلمون في العصور الوسطى يحددون اتجاه القبلة بواسطة هذه المعلومات الجغرافية.
وعن مراحل ظهور واختفاء نجم سهيل وأهميته الفلكية في دولة الإمارات والمنطقة، قال الجروان: كون نجم سهيل نجما جنوبيا فهو يظل فوق الأفق في البلدان الجنوبية لفترة أطول، إذ يطلع في جنوب الجزيرة العربية الأسبوع الأول من أغسطس، أما بوسط الجزيرة العربية فيطلع في الأسبوع الأخير من أغسطس، وفي شمال الجزيرة العربية يطلع خلال الأسبوع الثاني من سبتمبر، وفي دولة الإمارات يقترن سهيل مع الشمس خلال الفترة من منتصف مايو إلى منتصف أغسطس، ثم يتقدمها تدريجيا حتى يبدأ بالطلوع قبلها، ويشاهد قبل طلوع الشمس صبيحة 24 أغسطس بحدود الخامسة والنصف فجرا من الجهة الجنوبية الشرقية، ويتقدم تدريجيا بمعدل ساعتين كل شهر حيث يبتعد عن شمس الشروق، حتى يطلع منتصف الليل في قدوم البرد مع بداية ديسمبر، ويظل يتقدم حتى يطلع بعد غروب الشمس مع إدبار الشتاء منتصف فبراير، ثم يقترب أكثر من شمس الغروب، إلى أن يغيب عن الأنظار مع الثامن من شهر مايو.
هجرة الطيور
وحول أثر نجم سهيل أو دلالات ظهوره على تحسن الطقس بعد فصل الصيف أضاف الجروان: بطلوع (سهيل) تنكسر حدة الحرارة تدريجيا ويبدأ الجو بالاعتدال ليلا بالرغم من شدة الرطوبة، حيث تهب رياح تساعد على تخفيف حدة الحرارة يطلق عليها (هبايب سهيل)، ويلاحظ بداية عند الفجر ثم يبدأ يزحف على بقية الليل ثم النهار، ومع منتصف أكتوبر يشعر الناس بقدوم البرودة مع الفجر والتي تبدأ تزحف، حيث قال قدامى العرب: (إذا طلع سهيل برد الليل وخيف السيل وامتنع القيل ولأم الفصيل الويل ورفع الكيل). وقالوا أيضا: (إذا طلع سهيل طاب الليل وامتنع القيل).
ونبه إلى أن أجواء سهيل المناخية مناسبة لغرس فسائل النخيل، وبذر الخضراوات كما تبدأ مع ظهوره هجرة طيور، فخلال موسم سهيل ينتهي فصل الصيف وتنتهي شدة الحر والقيظ، ويبدأ فصل الخريف عند أهل الجزيرة العربية، وموسم سهيل عبارة عن أربعة من الطوالع أو المنازل القمرية كل منها له 13 يوما، (الطرفة والجبهة والزبرة والصرفة)، فيكون المجموع 52 يوما يتغير فيها الجو وتغزو الرطوبة العالية والرياح اللطيفة التي يطلق عليها هبايب سهيل، وتتناوب رياح الكوس في الهبوب، كل ذلك يساعد على تحسن الجو وتبدأ حدة الحر بالانكسار خاصة عند دخول نجمه الثاني (الجبهة)، وتتوغل الرطوبة في طبقات الجو العليا وتتشكل السحب بعد غياب يطول انتظاره، وفي آخر موسم سهيل الذي ينتهي منتصف أكتوبر، تتوقف حركة السحب الصيفية من الشرق للغرب وتبدأ بالعكس، نظراً للانكماش النسبي لمنخفض الهند الموسمي وتراجعه نحو الجنوب من جزيرة العرب.
إضاءة
يعرف أهل البادية أن ظهور سهيل يعني رحيلهم عن المقياظ وميل الجو إلى الاعتدال، وبالتالي رحيلهم إلى الصحراء، لذا فإنهم يأخذون حصتهم من التمر، ويرحلون إلى البر، كما يستأنس أهل الإبل وهواة الصيد بطلوع نجم سهيل، وذلك لميل الأجواء إلى الاعتدال وخلاله ينزل مطر الوسم، وتهاجر الطيور، وتبدأ الجوازي بالحركة والبحث عن المراعي بدلا من البحث عن الظل والمقيل، وتنهج الأحياء الفطرية هذا السلوك لحرارة الجو، وقلة المياه.