د. نوال الحوسني*
شهد العالم عقب اتفاق «باريس للمناخ 2015» توجهاً حثيثاً نحو اتخاذ جملة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بالمناخ، حيث سارعت العديد من الدول إلى تقديم تعهداتها بالمساهمة في حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
ومنذ ذلك الاتفاق التاريخي، باشرت عدة دول تنفيذ الكثير من مشاريع الطاقة المتجددة لرفع حصة مساهماتها ضمن مزيج الطاقة المحلي لكل دولة، حيث تمت إضافة أكثر من 170 جيجاواط من الطاقة المتجددة العام الماضي بزيادة 8 في المائة عن العام 2017 في حين تبلغ حصة الطاقة المتجددة حالياً 33 في المائة من الطاقة عالمياً بحسب تقرير إحصائي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».
وبرزت دولة الإمارات في تلك الفترة وما بعدها في طليعة الدول التي تقدمت طوعياً بتعهدات كانت قد عكفت على تنفيذها بشكلٍ استباقي، وتميز نهجها في مجالات الاستدامة والطاقة المتجددة بشموليته هذا ما جعله نموذجاً يحتذى به وضمن لدولتنا مكانة مرموقة في صدارة الدول التي تدفع الجهود الرامية إلى توسيع رقعة تبني حلول الطاقة المتجددة.
وعند الحديث عن الشمولية في هذا القطاع الحيوي، يجب التركيز على التكامل الذي خلقته الإمارات بين السياسات والاستراتيجيات المنظمة للقطاع، والعمل على عدم إغفال أي جانب من جوانب الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فبالإضافة إلى تنفيذها لمشاريع الطاقة المتجددة العملاقة ووضع استراتيجية شاملة للاقتصاد الأخضر، تضمنت جهود الدولة كذلك التطوير العمراني المستدام، وخير أمثلة على ذلك «مدينة مصدر» في أبوظبي و«المدينة المستدامة» في دبي، هذا بالإضافة إلى تطبيق نظم عمرانية ملزمة تضمن خفض الاستهلاك من الكهرباء والمياه والحد من البصمة الكربونية.
وفي ذات السياق، وللمساهمة في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كانت الدولة سباقة في توظيف أحدث التقنيات وأنجعها، ومن الأمثلة الرائدة على ذلك ما تقوم به شركتنا الوطنية «أدنوك» لزيادة تطبيق تكنولوجيا التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه من خلال توسيع أول وأكبر مصنع في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى مشروع «غنتوت» التجريبي لتحلية المياه بالاعتماد على الطاقة الشمسية الرامية إلى خفض الطاقة اللازمة للتحلية والتأثير البيئي السلبي لها على البيئة.
وانطلاقاً من إيمانها بأن المبادرات والإجراءات الفردية والمجتمعية وتمكين الشباب والمرأة من القضايا التي تشكل ركيزة أساسية لتعزيز تبني الممارسات المستدامة والتوجه نحو مصادر الطاقة النظيفة، عكفت الإمارات على نشر ثقافة الاستدامة وترسيخ أهمية الطاقة المتجددة بين كافة فئات المجتمع لتعزيز دورهم في الحفاظ على الموارد الطبيعة وصون البيئة.
ومع اقتراب حلول العام 2020، «عام الاستعداد للخمسين» الذي أعلنت عنه قيادتنا الرشيدة، فإن الاستدامة والطاقة المتجددة ستشكل جوهر هذه الاستعدادات التي تشمل كافة القطاعات والمجالات في الدولة، ومحركاً رئيساً ضمن رؤية الدولة الاستشرافية التي كانت ولا زالت دائماً ترسم المستقبل ولا تنتظره لتتكيف مع مستجداته، فدولة الإمارات الآن وخصوصاً في مجالات الاستدامة والطاقة المتجددة وضعت لنفسها أسساً راسخة وقوية، بل وأصبحت مركزاً تستقي منه دول المنطقة والعالم الخبرات والتقنيات والتجارب الناجحة، وستشهد السنوات الخمسين القادمة دخول مشاريعنا العملاقة للطاقة المتجددة حيز التشغيل الفعلي.
ومن خلال تضافر الجهود والسعي المدروس لضمان مستقبل يحفظ للأجيال القادمة حقوقها في الحصول على حصة عادلة من الموارد الطبيعية ويمكنهم من العيش في بيئة نظيفة، سنكون على موعد مع المزيد من مشاريع الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، وستواصل الإمارات إجراءاتها العملية وخطواتها المؤثرة الرامية إلى تنمية المجتمعات وحفز المزيد من التوسيع لنطاق انتشار الطاقة المتجددة في العديد من دول العالم عبر إطلاق المبادرات المبتكرة وتفعيل التعاون متعدد الأطراف ودعم وتعزيز الجهود الدولية بما يرسخ لاستمرارية العمل من أجل غدٍ أفضل ومستقبلٍ مشرق لسكان العالم كافة.