«الأيام المقبلة ستكون حاسمة، فهي تتعلق بمستقبل هذا البلد»
تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا
اليوم (الأحد)، يوقع قادة الاتحاد الأوروبي على اتفاق خروج بريطانيا من هذا الاتحاد، وهو اليوم الذي ستتأجج فيه الخلافات بل المواجهات السياسية على الساحة البريطانية.
خروج بريطانيا «بريسكت» يشكل ببساطة أهم حدث على الساحة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية.
تفجرت على مدى عامين من المفاوضات قضايا كثيرة، بين الطرفين الأوروبي والبريطاني.
بعض هذه القضايا كان ينظر إليها المتحمسون للخروج على أنها سطحية هامشية غير ذات معنى، ليكتشفوا أنها لا تقل محورية عن اتفاقات التجارة والمال والتنقل والخدمات.
في البداية تصاعدت أزمة إيرلندا بعد «بريسكت»، وقبل ساعات من توقيع قادة أوروبا على اتفاق الخروج التاريخي، تصدرت أزمة جبل طارق بعد الخروج!
وكأنه تنقص رئيسة الوزراء تيريزا ماي مصيبة أخرى! هي التي لا تضمن بقاءها في السلطة حتى نهاية العام الحالي.
لكن حقائق التاريخ لا تُغطى بالتمنيات.
إسبانيا تريد الوصول السهل إلى جبل طارق، كما جمهورية إيرلندا لا تتنازل عن هذا الوصول مع إقليم إيرلندا الشمالية البريطاني.
عضوية الجميع في الاتحاد الأوروبي حلت كل هذه المشاكل تلقائياً دون حتى الإشارة إليها.
المهم تم حل قضية إيرلندا مؤقتاً، ويتم السعي لحل مشكلة جبل طارق.
غير أن هذا لا يعني أن الأمور ستسير على ما يرام، بل إن توقيع قادة أوروبا كلهم على الاتفاق، لا يعني أن هذا الأخير يمكن أن يمر عبر مجلس العموم البريطاني.
الأرجح أنه لن يمر، لأن معسكري البقاء والخروج يتحِدان عملياً ضد الاتفاق الذي جلبته ماي من بروكسل.
من المفارقات، أن الحكومة الإسبانية أعلنت قبل التوقيع، أنه من حق إسكتلندا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال انفصلت عن المملكة المتحدة، وقال رئيس وزرائها «لن نكون ملكيين أكثر من الملك». وإسبانيا (كما هو معروف) تعاني من أزمة مشابهة في إقليم كاتالونيا.
أي لا أحد أفضل من أحد.
ورغم مشاكل التاريخ التي أظهرها الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، إلا أن المشاكل السياسية في بريطانيا لن تنتهي قريباً، خصوصاً بعد أن أصرت ماي على أن الاتفاق الذي توصلت إليه هو الوحيد الممكن، ولن تقبل بأي بديل.
فالبديل سيكون لا اتفاق، أو البقاء في الاتحاد الأوروبي كما هو الحال الآن.
هنا، فتحت المجال أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن تذعن وتقبل بإجراء استفتاء شعبي جديد، على أساس الانقسام البرلماني والوطني الراهن، أو عليها أن تواجه انتخابات عامة ستخوضها بحزب منقسم بالفعل.
الاتحاد الأوروبي قالها بوضوح لا لبس فيه، لن تكون هناك مفاوضات أخرى، أو حتى إعادة التفاوض على بعض البنود المختلف عليها.
فإما هذا الاتفاق أو لا شيء.
إنها لحظة الحقيقة في المملكة المتحدة وأوروبا.
وهي من تلك الحقائق التي تتصارع فيها الأوهام والأحلام والتشدد والجهل.