فاطمة عطفة (أبوظبي)
انطلقت، أمس، فعاليات ندوة «رواد المشرق – الرّحالة الغربيون والجزيرة العربية»، ومعرض «خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية» في المجمّع الثقافي في أبوظبي، والتي تنظمهما دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بهدف تسليط الضوء على الثقافة العربية وتاريخ الحوار الثقافي والتبادل الحضاري بين الأمم.
حضر افتتاح الندوة والمعرض، في المجمّع الثقافي، معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد للغة العربية، وسعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للغة العربية، ومعالي د. فهد عبدالله السماري، المستشار بالديوان الملكي، الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز، المشرف العام على المركز الوطني للوثائق والمحفوظات في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى نخبة من الأكاديميين ورواد الفكر والثقافة والمتحدثين، من خبراء دوليين مرموقين ومستشرقين وكتّاب وأكاديميين من الإمارات والخليج والعالم العربي.
في الكلمة الافتتاحية للندوة، قال عبدالله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع المكتبة بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: «إنّ تنظيم ندوة «رواد المشرق – الرّحالة الغربيون والجزيرة العربية»، ومعرض «خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية»، يأتي ضمن رسالة دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي القائمة على نشر المعرفة وتنمية الوعي الثقافي. كما ونؤكد اليوم حرصنا المستمر على جمع كافة المصادر المتعلقة بتراث منطقة الخليج العربي والعالم العربي في آنٍ معاً، هذا الإرث الإنساني الثري الذي يضم المئات من نصوص الرحلات النادرة. تأتي فعاليات هذا الأسبوع كمبادرة طموحة نهدف من خلالها إلى تعريف القارئ العربي على أرقى مستوى علمي من التحقيق والبحث، عبر الوثائق والصور والخرائط المفيدة».
وأضاف آل علي: «نستعيد اليوم، من خلال جلسات ومحاور ندوة «رواد المشرق»، التاريخ العزيز على قلوبنا، ومدى ارتباطه بتاريخ منطقة الخليج العربـي عموماً، والإمارات العربيّة المتحدة بشكل خاص. مستمدين الإلهام والعزيمة من الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الذي أسس لمستقبلنا المزدهر اليوم، ومن الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي أكمل مسيرة النهضة، ومن توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الساعية إلى ترسيخ مكانة العاصمة كوجهة عالمية أولى في كافة القطاعات».
ونوه آل علي في كلمته إلى أنّ هذه المبادرة تطمح إلى الإسهام في تعريف الجيل الجديد على مجموعة واسعة من الرحلات التي قام بها المستشرقون إلى منطقتنا العربية، وخاصة إلى منطقة الخليج العربي، والتي سنكتشف من خلالها كنوزاً معرفية تفتح آفاقاً جديدة في رؤية تاريخ منطقتنا هذه، لما لذلك من فوائد لمثقفي العربية ودارسي تراثها وتاريخها الحضاري والسياسي والاجتماعي.
يقدم معرض «خمسة قرون من المغامرة والريادة – رحّالة الغرب في الجزيرة العربية»، والذي يستمر لغاية السبت 30 نوفمبر، فرصة للزوار للاطلاع على مجموعة من أبرز المقتنيات التاريخية النادرة، ومجموعة واسعة من الكتب والوثائق التاريخية، من بينها 130 صورة نادرة بعضها يعرض للمرة الأولى، إضافةً إلى الصور والخرائط والرسومات المأخوذة من السلسلة التراثية «رواد المشرق العربي»، والتي تهدف إلى التعريف بتجربة الرحالة الغربيين أثناء تجوالهم في الجزيرة العربية، من خلال نشر الوثائق والرحلات التاريخية التي قام بها المؤرخون عبر الزمن.
تحدث في الجلسة الأولى للندوة، التي جاءت بعنوان «تمثيلات الجزيرة العربية في كتابات الرحّالة الغربيين»، د. فهد عبدالله السماري، المستشار بالديوان الملكي، الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز، المشرف العام على المركز الوطني للوثائق والمحفوظات في المملكة العربية السعودية، وأدارت الجلسة شانتال صليبا أبي خليل، الإعلامية في قناة سكاي نيوز عربية.
ناقش د. فهد الأسباب التي تجعل من ندوة ومعرض روّاد المشرق حدثاً ذا أهمية خاصة، حيث يتم دراسة ما تركه رحالة الغرب من منظور معرفي وبصري هام جداً على مدار خمسة قرون.
وأكد: «يعكس هذا الإرث الثقافي مدى تسامح ثقافتنا العربية، حيث احتضنت مجتمعات أجدادنا هؤلاء الرحالة، مما يوفر أرضية خصبة لشبابنا للعمل على ترسيخ مبادئ التسامح. وأدعو شبابنا من المهتمين بهذه المواد التاريخية الثمينة أن يعملوا على توسعة آفاقهم والحفاظ على هذا الإرث الثقافي الثمين، وأدعوهم أن يتحصنوا بتاريخ الثقافة العربية الأصيلة لفهم سياق هذا المحتوى الذي تركه الرحالة، وذلك ليتمكنوا من التدقيق والتمحيص ضمن علم الاستشراق».
فيما ناقشت الجلسة الثانية منهجية الدراسات والتجارب المتعلقة بأدب الرحلات إلى المشرق وجزيرة العرب، وقد شارك بها د. ديونيسوس أغيوس، زميل الأكاديمية البريطانية وأستاذ فخري في الدراسات العربية من جامعة أكستر، والكاتب والأديب البولندي ستانيسلاف ستراسبورغر، وأدارتها الباحثة والكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري.
من جهته، استعرض د. ديونيسوس التراث الملموس وغير الملموس لحياة المجتمعات التي تعيش على سواحل البحر الأحمر على مدار الزمن، وتطرق إلى المنهجية التي اتبعها لتوثيق معالم التراث البحري للجزيرة العربية، بعد دراسته للمواد التاريخية التي تركها الرحالة الأوروبيون وتقارير الأرشيف البريطاني، وزياراته المتعددة لسواحل ومدن البحر الأحمر وخليج عمان لتسجيل السمات الأساسية لسكان سواحل الجزيرة العربية.
شارك في هذه الجلسة أيضاً الكاتب والأديب البولندي ستانيسلاف ستراسبورغر، مؤلف كتاب «بائع الحكايات» الذي وضعه بعد زياراته المتعددة للعالم العربي، ومن ثم قام بترجمته إلى اللغة العربية.
الرحالة الغرب بين إشكاليات النقل وشفافية التدوين
تتراءى في أفق الجزيرة العربية تجربة خاصة تعبر عن استكشاف عناصر الحياة فيها من قبل الرحالة الغربيين الذين جابوا المنطقة للتعرف إلى أنساقها الاجتماعية والحضارية والإنسانية والجغرافية، بحثاً عن سبل الحياة ونموذجها الحي في العادات والتقاليد، وعبر عصور تركت هذه البعثات أثراً في الفكر العالمي، حيث أعطت صورة صادقة وغير صادقة لتجليات الطبيعة العربية، منذ مطلع القرن العاشر الهجري «السادس عشر الميلادي»، وتجسدت رحلات العديد من الرحالة في النقل واكتشاف جغرافية الآخر، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا التحقيق، ما مدى مصداقية النقل والتدوين في هذه الرحلات؟ وهل اتخذ هؤلاء الرحالة مبدأ الشفافية في التعامل مع تاريخ وثقافة المنطقة؟!
«الاتحاد» التقت مجموعة من المهتمين بتاريخ الجزيرة العربية على هامش ندوة «رواد المشرق -الرحالة الغربيون والجزيرة العربية» للوقوف على مدى صحة ما نقلوه عن أهل الجزيرة العربية في العصور التي شهدت وفودهم، والتي مهدت لعدد كبير من المؤلفات الذائعة الصيت في الغرب والشرق.
تقول أستاذة التاريخ بجامعة الإمارات الدكتورة فاطمة الصايغ: ترك الرحالة الغربيون إشكاليات جدلية تتعلق بالنقل والتدوين للجزيرة العربية، بخاصة أن البعض منهم جاءوا إلى المنطقة ولم يستقروا فيها، وهو ما يعني أن انطباعاتهم لم تكن صحيحة بالشكل الكافي، وأن مشاهدتهم وقراءتهم للمنطقة كانت مثل نظرة عابر سبيل ليس إلا، وعلى الرغم من كل السلبيات الموجودة في دراسات الرحالة، فإنها نقلت خصائص من الواقع، ومن ثم تفاصيل دقيقة إلى حد ما، أغفلتها الوثائق السياسية عن المنطقة، لافتةً إلى أن الذي يعتمد عليه الأساتذة الأكاديميون هي الدراسات التي تركها الأرشيف البريطاني، هي معظمها دراسات سياسية، بينما الواقع الاجتماعي وحياة المرأة والأسرة لم يسجلها إلا الرحالة من النساء على وجه التحديد، لأن هؤلاء الرحالة استطعن دخول البيوت العربية، ولو كنا نتساءل عن مدى مصداقية ما نقله الراحلة الغربيون، فإنه من اليقيني أن الجزم بشيء ما يضعنا أمام إشكاليات جدلية، وبطبيعة الحال يعمل المتخصصون في التاريخ على تدقيق مواطن الشك.
عادات وتقاليد
ويورد الدكتور صديق جوهر، رئيس قسم الآداب والترجمة بجامعة الإمارات، أنه قرأ وترجم عدداً كبيراً من كتب الرحالة الغربيين عن الجزيرة العربية، وأن غالبيتهم كانوا صادقين في النقل، والبعض الآخر نقل صورة تواكب الفكر الاستشراقي بما يتشابه مع وجهة النظر الغربية للمنطقة العربية، ويرى أن الرحالة الألمان كانوا صادقين في ما ذهبوا إليه عن تاريخ المنطقة، بينما الرحالة البريطانيون والذين أتو من أميركا الشمالية لم يكونوا على قدر من الشفافية، بخاصة أنهم جميعاً كانوا يبحثون عن كل غريب وما هو مختلف عن الحضارة الغربية في عادات الزواج، والعادات الخاصة بالمأكل والمشرب، والعادات الاجتماعية، لنقل ما هو لافت للقارئ الغربي، وفضلاً عن أن بعضهم كان يحاول توثيق فكرة أن ثمة قروناً فارقة تفصل الحضارة الغربية عن الحضارة العربية من حيث الثقافة والتقدم العلمي، والتقني، ويؤكد أنه لا داعي للاعتماد على كتابات الرحالة الغربيين من الناحية السياسية، لكن فيما يخص العادات والتقاليد فإنه من الممكن الاطلاع عليه لأنه يعبر عن الحقيقة.
الصدق والتاريخ
ويبين الدكتور ترنس كراج، من جامعة مونت ألسون في كندا ومتخصص في الأدب الإنجليزي، أن له قراءات عن تاريخ الجزيرة العربية وعن منطقة الخليج بخاصة، مبيناً أن معظم هؤلاء الرحالة الذين جابوا الجزيرة العربية حققوا ثروات مما كتبوا، لأنهم قدموا لمجتمعاتهم أشياء غريبة، وأنهم كانوا يكتبون من وجهة نظرهم وما يعتقدون أنه الحقيقة، وأن معظمهم لم تكن لديهم نية لتزييف التاريخ، ولا يخفي أنه يكاد يجزم بأن نصف الرحالة الذين جاسوا الجزيرة العربية كانوا في حالة من الصدق الخالص، بينما الآخرون لا يعتد بكتاباتهم لأنها غير دقيقة، ويشير إلى أنه قرأ الرحالة البريطانيين الذين قال بعضهم الصدق بشفافية مطلقة، فضلاً عن مجموعة منهم تجاوزت الحقيقة في الكثير من التقارير.
شفافية النقل
ويضيف الدكتور منصف الوهيبي، أستاذ النقد والترجمة في إحدى جامعات تونس: لا ينبغي الحكم على الرحالة الذين جابوا الجزيرة العربية بأنهم جميعاً غير صادقين، ولم تكن لديهم شفافية في النقل والتدوين، بخاصة أن شهاداتهم حول المنطقة سيسألون عنها أمام التاريخ، لافتاً إلى أن هؤلاء الرحالة كانت لديهم أهداف معينة في التعامل مع واقع المنطقة، ومن ثم استكشاف كل ما يقع تحت أعينهم، ولا يمكن أن ننفي دورهم في الإضاءة على تاريخ المنطقة، ومن المهم أيضاً أن نذكر أن الكثير منهم قدموا صورة بعيدة كل البعد عن الحقيقة فيما يتعلق بالجزيرة العربية وتاريخها وحضارتها.