الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة

السفير الأميركي... هل يبقى في دمشق؟

السفير الأميركي... هل يبقى في دمشق؟
15 يوليو 2011 22:52
أن يُسمح لنحو عشرة متظاهرين بتسلق الجدران المحيطة بالسفارة الأميركية في دمشق، أمر يبعث على القلق، لاسيما أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري معروفة بفعاليتها. ثم إن بضعة مئات فقط من المحتجين كانوا خارج بوابة السفارة، وقد كان ثمة ما يكفي من التحذيرات، حيث كانت مجموعات صغيرة قد بدأت خلال الأيام القليلة الأخيرة تتجمع في الخارج وترمي السفارة بالبيض والطماطم. وإذا كان أي أحد من أفراد السفارة الأميركية لم يصب بأذى، فإن ثلاثة حراس فرنسيين جرحوا في سفارتهم خلال مظاهرة احتجاجية مماثلة. لكن الحوادث سرعان ما تم وضع حد لها بعد أن تدخلت، في الحالة الأميركية، وحدة من القوات البحرية التي تتولى حراسة مقر السفارة. غير أن ذلك لن يزيد الطين إلا بلة على الأرجح في واشنطن، ويدعم حجج وموقف أولئك الذين كانوا يجادلون بأن على الرئيس أوباما أن يقوم باستدعاء السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد كرد على الانتفاضة السورية التي قُتل فيها حتى الآن ما يربو عن 1500 شخص لأنهم تحدوا حكم الرئيس بشار الأسد. والجدير بالذكر في هذا السياق أن السفير فورد يوجد في هذا المنصب منذ ستة أشهر تقريباً، وقد كان أول شخص يتولى هذا المنصب منذ أن أقدمت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش على سحب السفيرة مارجريت سكوبي في عام 2005 رداً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والذي كانت الولايات المتحدة قد حمّلت مسؤوليته لسوريا. وكان أوباما قد واجه معارضة شديدة في الكونجرس أثناء سعيه إلى الحصول على موافقة المشرعين الأميركيين على تعيين فورد سفيراً للولايات المتحدة في سوريا، مجادلاً بأن من شأن وجود صوت دبلوماسي قوي ومسموع في دمشق أن يدفع سوريا نحو مفاوضات سلام مع إسرائيل ويعمل على تأمين مصالح الولايات المتحدة. غير أن عدداً من منتقدي أوباما في الكونجرس يجادلون بأن استراتيجية الانخراط التي يتبعها الرئيس تجاه سوريا قد بدأت تفشل. هذا، وترجع فصول الخلاف بين الكونجرس وإدارة أوباما حول تسمية سفير جديد في دمشق من عدمه إلى حادثة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في العام 2005 وما تلا ذلك من سحب إدارة بوش للسفير الأميركي بعد توجيه أصابع الاتهام إلى دمشق، علما أن الانفتاح الغربي على سوريا دشنته أولاً فرنسا التي سعى رئيسها، نيكولا ساركوزي، إلى إعادة فتح قنوات التواصل مع القيادة السورية على أمل كسر التحالف بين سوريا وإيران و"حزب الله" وحركة "حماس". غير أن التساؤلات المثارة داخل الولايات المتحدة حول الجدوى من هذا الانفتاح عادت بقوة لتفرض نفسها على النقاش العام بعد الهجوم الأخير على السفارة الأميركية يوم الأربعاء الماضي. فبعد الزيارة التي قام بها السفير فورد لمدينة حماة السورية خلال الأسبوع الماضي، والتي كانت متزامنة مع زيارة أخرى مشابهة قام بها نظيره الفرنسي إيريك شوفالييه، وما شكله ذلك من تطور مفاجئ للسلطات السورية، تصاعدت مرة أخرى حدة الأصوات الداعية إلى سحب السفير الأميركي، كنوع من الاحتجاج على الهجوم الذي استهدف السفارة في دمشق، هذا الاستهداف الذي رأى فيه العديد من المعلقين الأميركيين ضرباً للقواعد الدبلوماسية. واللافت أن الحجة نفسها تقريباً ساقها الجانب السوري الذي برر الاحتجاجات على السفارة بأنها ردة فعل شعبية وتلقائية على خرق الأعراف الدبلوماسية والتي تقتضي إبلاغ السفير لسلطات البلد بتحركاته قبل الإقدام على خطوة من هذا النوع. ويشار هنا إلى أن السفارات الأميركية في البلدان العربية التي اجتاحتها المظاهرات والاحتجاجات الشعبية منذ مطلع العام الجاري، ظلت بمنأى عن الأوضاع المتقلبة في تلك البلدان، وحافظت على مسافة بينها وبين الأحداث الجارية هناك، خلافاً لتصريحات المسؤولين الأميركيين في واشنطن. فعلى سبيل المثال ظلت السفارة الأميركية في القاهرة بعيدة عن حتجاجات الشعب المصري التي أدت في النهاية إلى تنحّي الرئيس حسني مبارك عن السلطة في وقت سابق من هذا العام، رغم أن مكانها في ميدان التحرير لا يبعد سوى بضع مئات اليردات عن مقر السفارة الأميركية. ومما لا شك فيه أيضاً أن موقف المحتجين الذين يرون أن الولايات المتحدة كانت تعمل على تقديم الدعم لحليفها الرئيس السابق، كان سيجعل من زيارة للسفير مجازفة حقيقية. غير أنه خلال الأسبوع الماضي، استُقبل السفيران، الأميركي والفرنسي، بحرارة في مدنية حماة السورية، وفي ذلك اليوم على الأقل لم يتعرض المحتجون لأي هجوم. وهو أمر يشير إليه المؤيدون لخيار الإبقاء على سفير أميركي في دمشق، باعتبار أن وجوده والدور الذي لعبته زيارته المذكورة إلى حماة، أمور تمثل كلها حجة قوية تثبت صحة وجهة نظرهم. فالنظام السوري قد يكون بصدد قتل المحتجين وتعذيبهم من أجل البقاء في السلطة، كما يقولون، لكن توافر وجود دبلوماسي قوي في دمشق يمكن أن يأتي بفوائد وإيجابيات كثيرة، كما يرون، سواء أكان ذلك من خلال لعب دور قوة معنوية في كبح العنف، أو كوسيلة مباشرة ومهمة للتواصل مع النظام نفسه. وكان مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، نيك بلانفورد، قد أفاد بأن دبلوماسيين أميركيين أخبروه بأن سفارة الولايات المتحدة في دمشق تعرضت لـ"أضرار بالغة" في الهجوم الذي شنه عليها بعض الأفراد خلال الأسبوع الماضي، لكن المراسل يعتقد أيضاً أن فورد سيظل في منصبه لبعض الوقت. وفي هذا السياق، كتب "بلافورد" يقول: "إن منتقدي إدارة أوباما في الكونجرس، والذين كانوا يعارضون إرسال السفير إلى دمشق أصلًا، سيتمسكون باستدعائه". ثم يضيف المراسل قائلا: "وعلاوة على ذلك، فإن إدارة أوباما سبق لها أن شددت مراراً على ضرورة توافر سفير في دمشق من أجل نقل آراء واشنطن إلى القيادة السورية". غير أنه في حال استمرت الاحتجاجات وظلت تقابل بإطلاق النار من قبل قوات الأمن الحكومية، وباعتقال مزيد من المحتجين المطالبين بالإصلاح، فمما لا شك فيه أن العلاقات السورية الأميركية ستسير نحو مزيد من الفتور والتدهور. هذا ويرى البعض أن ثمة نفحة من التحريض الحكومي في الاحتجاجات التي نُظمت أمام السفارتين الأميركية والفرنسية الأسبوع الماضي، وإن كانت لا توجد أدلة على ذلك، على اعتبار أن النظام السوري كان غاضباً جداً بشأن زيارة السفيرين الغربيين إلى حماة، وهي المدينة التي شهدت مجزرة مشهورة نفذتها القوات السورية في عهد حافظ الأسد عام 1982. وعلاوة على ذلك، فإن التلفزيون الحكومي عمل خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي على تخصيص حيز زمني كبير للتنديد بالزيارة التي قام بها السفير الأميركي، وبالولايات المتحدة بشكل عام. وفي هذا الأثناء، حمَّلت وزارة الخارجية الأميركية الحكومةَ السورية مسؤولية الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في دمشق. وجاء في بيان صادر عن الخارجية الأميركية أن "محطة تلفزيونية متأثرة تأثراً قوياً بالسلطات السورية شجعت على هذه المظاهرة العنيفة". والجدير بالذكر في هذا الإطار أيضاً أن السفارة الأميركية سبق أن تعرضت لهجمات خطيرة في دمشق من قبل. ففي عام 1998، اضطرت زوجة السفير الأميركي وقتئذ، ريان كروكر، إلى اللجوء إلى غرفة محمية بالسفارة عندما قامت مجموعات من الغوغاء باجتياح المكان. وحينئذ، كانت الجموع غاضبة من حملة القصف الجوي الأميركية المعروفة باسم"ثعلب الصحراء" ضد العراق، إلا أن الأمور لم تصل إلى حد استدعاء كروكر إلى واشنطن. وفي 2006، أقدم محتجون غاضبون في دمشق على إحراق سفارات الدانمارك والشيلي والنرويج بسبب رسوم كارتونية مسيئة نشرتها إحدى الصحف الدنماركية. دان مرفي محرر في "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©