لكبيرة التونسي (أبوظبي)
إذا كانت الشيخوخة تسبب الخوف للبعض في العديد من دول العالم، فإن العكس هو الصحيح في الإمارات، في ظل اهتمام ورعاية الدولة للمسنين في جميع مناحي الحياة، وهذا ليس بغريب على الإمارات التي تحترم الإنسان، وتضعه في صدارة أولوياتها، مما جعل هذه الفئة تنعم بصحة ونشاط وحيوية وفعالية، فكبير السن محل تقدير واحترام كبيرين، وخصصت له العديد من البرامج والأنشطة، ما جعله يحيا حياة كريمة بصحة وإيجابية ومعنويات مرتفعة، وهذا ينعكس على نمط الحياة وفن العيش الإيجابي في الدولة، ويتحدى تصنيفات الشيخوخة العالمية، فرغم الوصول إلى عمر متقدم، إلا أن هذه الفئة تتمتع بحالة صحية جيدة، وسط أجواء من السعادة والتفاؤل والنشاط والرعاية الصحية.
إنسان منتج
يقول الدكتور عبد اللطيف العزعزي مدرب تطوير الذات واستشاري أسري، إن بعض كبار السن الذين وصلوا إلى السبعين، نراهم وكأنهم في الخمسين من عمرهم نتيجة ما يلاقونه من اهتمام ورعاية تساعدهم على مقاومة الأمراض والإجهاد، فكبار السن بحاجة لأن نشعرهم بالقيمة والأهمية والمكانة، دون التعليق على كبر العمر أو تجاعيد الوجه أو وهن الجسم أو ضعف البصر أو ضعف السمع، وما أجمل كلمة «الوالد» وكلمة «الوالدة»؛ لأنهما كلمتان تنعشان النفس عند المسنين، وتشعرانهما بقيمة ما فعلوا وأنتجوا وأعطوا الوطن، فنراهم في حالة معنوية جميلة.
ويرى العزعزي، أن الإنسان في مرحلة الشباب نراه يتمتع بالنشاط والحيوية والاهتمام بأمور كثيرة والتفاعل مع الناس، كما يقدم خدماته ومساعداته لمن يطلبه، فيشعر بقيمته كإنسان منتج بناء يفيد المجتمع، وعندما تمر الأيام وتأخذ منه السنون بريق الشباب وقوة الجسم وسرعة الحركة، قد يقل اللجوء إليه من أهله وأقاربه، فيجد نفسه فجأة شبه معزول وليس ذا قيمة يستفاد منها، هكذا هو شعوره، بل أصبح هو من يحتاج إلى من حوله، وقد يكون احتياجه لهم يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم، فيزيده الأمر ألماً نفسياً، موضحاً أن هذه المرحلة تعد من أصعب المراحل التي تمر على الإنسان، حيث ينتظر من يرعونه، فنجده يتحدث عن الماضي والدموع في محاجره.
الاهتمام ضرورة
وأضاف العزعزي أن كبير السن الذي يحظى بالاهتمام من قبل أسرته يعيش حياة سعيدة بصحة ونشاط، بخلاف من يتم إهماله، فإنه يشعر بالكثير من المضاعفات الصحية، وكثيراً ما أنصح في دوراتي التدريبية وجلساتي الاستشارية بالاهتمام بكبار السن، وعدم إقصائهم والجلوس بعيداً عنهم؛ لأن في هذا السلوك قتلاً لمشاعرهم ولأجسادهم، وقتلاً لرغبتهم في البقاء أحياء، فقد وجدت أن من لا يرغب أبناؤهم في لقائهم ولا حضورهم، قد تعرضوا لأوجاع وآلام في الأقدام والمفاصل، وهذه إشارة إلى عدم الحاجة إلى تفعيل هذا الجزء من الجسم، وبالتالي تأخذ منهم الأوجاع طريقها إلى أن تقعدهم عاجزين عن الحركة؛ لأن الملف الذهني الذي تكون لديهم يقول للجسم: «ما حاجتك للحركة وقد بات من عشت لتربيتهم ورعايتهم لا يرغبون في قدومك لهم ولا في زيارتك»، إن الإحساس بعدم الأهمية أمر مؤلم للإنسان بشكل عام، فكيف به لمسن، والجدير بالذكر أن جسم الإنسان يتأثر بنوعية أفكاره، وقد قيل: «يشيخ الجسم إذا شاخ العقل»، وبالتالي إذا كان عقل المسن تدور فيه أفكار سلبية تولد لديه مشاعر سلبية، فينتج عن ذلك سلوك وشعور وجسد ضعيف عليل.
زمني وبيولوجي
وأشارت ندى زهير الأديب، مديرة إدارة التغذية المجتمعية بشركة صحة أبوظبي، إلى أن هناك فرقاً بين العمر الزمني والعمر البيولوجي لكبار السن، مؤكدة أنه ليس دائماً العمر الزمني مؤشراً على الصحة الجيدة، فقد يكون فرد عمره الزمني 75 عاماً، ويتمتع بصحة ونشاط أكثر من فرد عمره الزمني 55 عاماً فقط، والعكس صحيح، وقد نجد أفراداً أعمارهم 70 ويمارسون ركوب الدراجة وغيرهم على كرسي متحرك، والبعض قد يتمتع بالصحة والنشاط والاستقلالية، في حين يعاني الآخرون الأمراض المزمنة والتي قد تعوق الحركة والنشاط وتزيد التعرض لسوء التغذية، معتبرة أن عملية التقدم في السن عملية فردية إلى درجة كبيرة، حيث تؤثر الحياة والمعيشة الصحية، والسلوك الغذائي السليم تأثيراً إيجابياً على صحة الفرد، وبالتالي تحسن في نوعية الحياة، وقد يصل الفرق بين العمر الزمني والعمر البيولوجي إلى ثلاثين سنة، إذا ما اتبع الفرد منذ الصغر السلوكيات المعيشية والغذائية الإيجابية ومنها، النوم وكفايته، تناول الأطعمة بانتظام، خصوصاً وجبة الإفطار، المحافظة على الوزن المناسب، القيام بأنشطة رياضية مناسبة حسب العمر، عدم التدخين وتجنب الكحوليات.
وأشارت زهير إلى أن المسن يجب أن يتّبع نظاماً غذائياً متوازناً، ويجب أن يشتمل على المغذيات الأساسية، وهي البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، والفيتامينات، والعناصر المعدنية دون إفراط، أي أن يكون بالكمية اللازمة لاحتياج المسن وما يبذله من طاقة، بحيث لا يتغلب عنصر غذائي على آخر، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن سوء التغذية تنتج عنه مشكلات صحية عديدة، كما أن الإفراط في استهلاك الطعام يؤدي إلى السمنة وما يصاحبها من مشكلات طبية ونفسية واجتماعية، ولا بد من الاهتمام بالأغذية الصحية، لاسيما أن الكثير من الأمراض تنتقل إلى الإنسان عن طريق الطعام الملوث.
نشاط بدني
وأكدت زهير، أن الغذاء الصحي المتوازن والنشاط البدني يقيان من الكثير من الأمراض خلال مراحل العمر، مشيرة إلى أهمية تناول الكميات المناسبة من السعرات الحرارية لتساعد على الوقاية من السمنة وداء السكري وما يتبعه من مشكلات صحية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، كما أن تناول الكمية الكافية من الأطعمة الغنية بالمغذيات يقي الإنسان من بعض أنواع العوز الغذائي، مثل عوز الحديد، واليود، وفيتامين (ج)، موضحة أن تنوع الغذاء مع زيادة تناول بعض أنواع الخضراوات والفواكه قد يقيان من بعض أنواع السرطانات، ويساعد تناول كمية كافية من الألياف على تجنب حدوث الإمساك وما يتبعه من مشكلات صحية، كما تقي الكمية الكافية من الألياف من سرطان القولون، وتناول كمية كافية من الكالسيوم خلال مراحل العمر يقي من الإصابة بحالات هشاشة العظام، حيث يحدث الفقد التدريجي لعنصر الكالسيوم من العظام خلال فترة زمنية طويلة قد تمتد نحو عشرين عاماً قبل ظهور الأعراض الإكلينيكية.
وأشارت زهير إلى أن المشاركة في إعداد الطعام واختياره بطريقة صحية يقللان من مشكلات التغييرات الفيسيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، مع التقليل من الملح والسكر، والتثقيف الغذائي الشخصي من متخصصين في التغذية، والالتزام بالأدوية التي يصفها الطبيب المعالج، وعدم اتباع كل ما هو جديد أو الوصفات الشعبية، إلى جانب اتباع رياضة بسيطة كالمشي أو صعود السلالم، لأن ممارسة الرياضة بانتظام ثلاث مرات أسبوعياً تساعد على صفاء الذهن من الضغوط النفسية، وتفيد في تحسين الجهاز الدموي والأوعية الدموية، كما تساعد في تنظيم توزيع الأملاح المعدنية في العظام.
توفير حياة كريمة لكبار السن
تولي العديد من مؤسسات الدولة اهتماماً خاصاً بكبار السن، وتعمل على ضمان انسجامهم ضمن المنظومة المجتمعية، ودورهم في نقل الخبرات والمعارف في أجواء وظروف تتناسب مع احتياجاتهم الصحية، وتراعي رغباتهم ومتطلباتهم، وتعتبر الاستفادة من خبراتهم ضرورة حتمية للتنمية المستدامة، كما تعمل على تقديم دورات خاصة بهم وبجلسائهم، بما يضمن لهم حياة إيجابية، ضمن محيط الأسرة والمجتمع، وهذا ما تقوم به بالفعل مؤسسة التنمية الأسرية من خلال برامجها، خاصة برنامج «بركة الدار».
وفي هذا الصدد، قال عرفات الكعبي رئيس قسم المسنين بمؤسسة التنمية الأسرية: تقديراً للمكانة الكبيرة التي يشغلها كبار السن في الأسرة والمجتمع والوطن، تعمل المؤسسة من خلال برنامج «بركة الدار» على استثمار خبراتها وإمكاناتها لتثقيف وتعميق معارف هذا الجيل، من خلال تخصيص جلسات وفعاليات ومشاركات للمسنين بالمدارس والمهرجانات للحديث عن تجاربهم الشخصية، وعن الإرث الحضاري للدولة في ظل بانيها ومؤسسها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤكداً أن البرنامج الحكومي يستهدف توفير حياة كريمة لكبار السن، وتعزيز قدراتهم والاستفادة من خبراتهم، ويعد المشروع إحدى الوسائل الفاعلة التي تضمن تحقيق برنامج الإمارة في توفير حياة كريمة لكبار السن، من خلال رفع نسبة المسنين الذين يتم تحسين وضعهم اجتماعياً ونفسياً على المديين القريب والمتوسط، والوصول إلى مسن يتمتع بحياة صحية وشيخوخة نشطة، ومشاركة فاعلة في المجتمع على المدى الطويل، ما يسهم بشكل مباشر في رفع مؤشر نسبة كبار السن المشاركين في برامج المجتمع، كما يسهم بشكل غير مباشر في رفع مؤشر التلاحم الأسري، ويأتي هذا المشروع كأحد مخرجات دراسة الخدمات المقدمة لكبار السن في إمارة أبوظبي الواقع والمأمول والتي تم إعدادها من قبل لجنة حصر الخدمات المقدمة لكبار السن برئاسة مؤسسة التنمية الأسرية. وأضاف الكعبي، أن بناء على متطلبات موائمة الخطة الاستراتيجية لمؤسسة التنمية الأسرية مع خطة إمارة أبوظبي 2016 - 2020 فقد تمت توسعة إطار مشروع الرعاية الاجتماعية المتكاملة للمسنين ليتضمن توظيف طاقات كبار السن، وبناءً عليه تم وضع هذا الإطار والذي ستتم ترجمته من خلال خطة إجرائية تضمن تطبيقه بالشكل السليم؛ بهدف تحديد الأهداف والمرتكزات والاتجاهات الرئيسة لتوظيف خبرات وإمكانات كبار السن ومساعدتهم على الاستمرار في العطاء والحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، بما لا يخل بالتغيرات البيولوجية التي يتعرض لها، وسيتم بناءً على ذلك توظيف واستثمار طاقات كبار السن، بحيث تشير الرؤية الديموغرافية في إمارة أبوظبي إلى التزايد الملحوظ والمتوقع في معدلات الشيخوخة، وفي هذا الإطار تحرص حكومة أبوظبي على الاستفادة القصوى من فرص تزايد عدد المسنين بتشجيع كبار السن على مواصلة العطاء والمساهمة في الإنتاج، بصفتهم رأسمال بشري، يمكن تعزيز مشاركتهم، وتأمين الاستقلالية لهم بتمكينهم من الاعتماد على الذات، وضمان مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، وفي هذا السياق تبرز مجموعة من العوامل والتي يتوجب أخذها بعين الاعتبار في هذا المجال، منها استثمار طاقات وخبرات هذه الفئة من المسنين، خاصة في مجال نقل الخبرات التي يتوافرون عليها، مما يتطلب العمل على تشجيع المشاركة الاقتصادية، وتوفير بدائل وظيفية تتناسب وقدراتهم وإمكاناتهم، لاسيما أن أكثر من نصف المتقاعدين بعد سن الستين يتمتعون بصحة جيدة خالية من الأمراض والإعاقات، وبذلك يمثل كبار السن النشطين طاقة إنتاجية اكتسبت خبراتها عبر سنوات طويلة؛ وبذلك يمكن الاستفادة من الخبرة وعمق التجربة التي تثري القطاعات في مجالات تنمية المجتمع، ومجالات التدريب، والتدريس، وغيرها.