الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة

«القيشاني» قطع فنية تنقلنا إلى القصور العتيقة

«القيشاني» قطع فنية تنقلنا إلى القصور العتيقة
17 يناير 2011 20:03
تبقى الفنون الإسلامية باختلاف أشكالها وأنواعها لها قيمة تضرب بأصالتها وعراقتها في عمق التاريخ بما تتمتع به من تفاصيل فنية رائعة حاكتها أنامل الفنانين المهرة الذين استطاعوا أن يحفظوا لنا هذه العناصر الجمالية الشاهدة على براعتهم من خلال القصور والمباني التي سجلت على جدرانها وفي ردهاتها تفاصيل فنية تنطق بالإبداع والرقي في مفرداتها، ومن هذه الفنون، البلاط القيشاني الذي دون على سطحه الكثير من الزخارف والأشكال التي تحاكي الطبيعة الساحرة في تفاصيلها. حول هذه القطعة الجمالية التي يمكن أن نحول بها منازلنا إلى بيئة تراثية غنية تنطق بدفء المكان، ونزين بها مفردات الأثاث أو أي قطعة نريد أن نمنحها قيمة جمالية. تحاول ماري إلياس جاهدة نشر هذا الفن والتعريف بقيمته الثقافية وأهميته الفنية والعمل على حمايته من الاندثار. تقول ماري ألياس: بلاط القيشاني عبارة عن خزف مغطى بقشرة رقيقة بيضاء عليها طلاء أبيض شفاف براق تحته رسوم حدودها سوداء أما ألوانها فإما خضراء براقة أو زرقاء أو حمراء فاتحة، وكثيراً ما يضاف إلى هذه الألوان لون آخر أحمر براق. الحاجة أم الاختراع يعود تاريخ هذا النمط من البلاط إلى مدينة قيشان التي أنشأتها الملكة رشيدة زوجة هارون الرشيد، وهي من أهم مراكز صناعة الخزف في إيران في العصور الوسطى واسم قيشان يعني الخزف. كما انها كانت تصدر الخزف القيشاني بكميات كبيرة إلى كل مناطق الشرق الاوسط، وعندما استولى المغول على بغداد كان خزف قيشان أهم الغنائم التي أخذوها من قصور الخلفاء والامراء لأنه استعمل في كسوة القصور من الداخل والخارج. وتضيف الياس قائلة: إذا أمعنا النظر في صناعة الأواني الفخارية عبر التاريخ لوجدنا أن تطورها كان اسرع من تطور غيرها من الصناعات وكانت مطالب الحياة الباعث الأول لتلك السرعة فالحاجة أم الاختراع، فالإنسان لم يكتفي بالطينة الطبيعية غير الجيدة بل لجأ إلى استعمال الطينة الصناعية المؤلفة من عدة مواد والتي يتوفر لها الصلاحية مالا يتوفر للطينة الطبيعية وذلك رغبة في الحصول على قطعة من الخزف قوية وصلبة. ولم يقتصر تطور الصناعة في تلك العصور على العجينة بل تعداها إلى الطلاء والدهان الذي يكسبها الملمس الناعم والجمال ويمنحها أيضا القوة والعزلة من أن تتسرب إليها السوائل. وقد كان انتاج الخزف في العالم الاسلامي عظيما جدا ويمتاز بتنوع منتجاته وتعدد اشكاله وطرق زخرفته وأساليب صناعته كما برع “الملمسون” بصفة خاصة في طلاء الخزف بالألوان المختلفة في صناعة بلاطات القيشاني، التي نجدها رسمت بتفاصيل جمالية ثرية وغنية بالقيمة التراثية التي تجلت من خلال نقوشها وزخارفها التي استلهمت من الكتابات العربية الإسلامية وتشكيلات مختلفة من الزخارف النباتية وزهور الزنبق وتداخل زخرفي جميل تزين بلاط القيشاني الذي نجده تحفة جمالية تنبض بالعراقة والأصالة التاريخية في شكلها. إرث ثقافي فني تتابع ماري: وعادة ما يأخذ البلاط القيشاني أشكالاً مختلفة حيث نجده على شكل بلاطات مربعة على الأغلب وقد تكون مستطيلة أو سداسية أو مثلثية بحيث تنقش على كل بلاطة منها موضوعات زخرفية متكررة وقد صنعت في سوريا أنواع عديدة من القيشاني ويعود ازدهار هذه الصناعة فيها إلى العهد المملوكي ثم العثماني لدرجة أن القيشاني الذي كانت تزين به البيوت والحمامات في دمشق قديماً من انتاج صانعي الخزف المهرة في دمشق الذين مازالوا يبدعون في تقديم الكثير من الاعمال الخزفية وبلاط القيشاني الذي نطل من خلاله على بيئة تراثية قديمة. ‏ وتشير الياس قائلة: عملية الصنع التاريخية برع بها المسلمون وطوروها لتكتسب الاستمرارية والديمومة للانتفاع بها ونجدها قد انتقلت عبر الأجيال لتكون إرثا ثقافيا فنيا. وعادة ما تتم من خلال اعداد المادة الطينية للعمل وتحتاج هذه العملية إلى عمليات أخرى فرعية، وعادة ما تطحن أنواع الطينات المختلفة كل على انفراد مع مراعاة ان تكون كلها على درجة واحدة من النعومة وان توزن الكميات من الأنواع المختلفة، ثم ينقع كل نوع منها في الماء ويترك حتى تتم عملية التخمير وبعد إتمامها يصفى كل نوع على حدة ثم تخلط السوائل جميعها وتصفى مرة ثانية كمخلوط واحد ثم تترك لتجف ولتتحول إلى عجينة صالحة لعملية التشكيل أو تترك سائلة قليلا في حال تشكيلها سيتم بطريقة الصب وذلك عمل بلاطات القيشاني، يتم عمله بعدة أحجام ومقاسات مختلفة، ويراعى في القوالب نسبة الانكماش حتى لا تتعرض القطعة إلى الكسر عند احتراقها، وعملية التجفيف والحرق تعتبر الخطوة الاخيرة في عملية الحصول على قطعة الخزف فبعد ان تجفف طبيعيا وبالتدريج تصبح معدة لحرقها لتتحول من الطينية الجافة إلى خزف او قيشان. رسم الزخارف وتستكمل حديثها قائلة: فبعد صبّ قوالب البلاط تحرق القيشاني في الأفران لدرجة حرارة عالية لساعات محددة، وهذا يعتبر الحرق الأول ثم تفتح الأفران لتبرد بالتدريج وتخرج قطع البلاطات القيشاني وتبدأ خطوة وعملية الطلاء والزخرفة عليها بواسطة فنانين مهرة، في هذه المرحلة يظهر الذوق الفني وهي عملية معقدة متشعبة فالقيشاني يحتاج إلى طلاء بدهان غالبا ما يكون ابيض اللون او ابيض مطفيا، لكي تظهر عليه الزخارف الملونة وتبرز بشكل جميل وواضح، وعادة ما يعرف هذا الطلاء باسم البطانة وهي عبارة عن طينية سائلة تطلى بها قطع القيشاني قبل حرقها او بعدها فتلتصق به التصاقا تاما ولا تنفصل عنها ابدا. وبعد الطلاء بالبطانة ترسم فوقها الزخارف وفق رؤية الفنان والذي يقوم بتشكل مختلف النقوش والزخارف النباتية بأشكال فنية مختلفة، بواسطة فرشاة رفيعة جداً، يخط على قطع القيشان نماذج فنية مختلفة، تعتمد على الدقة والصبر والتأني في العمل، ونجد الألوان المعتمدة للقشاني الازرق النيلي، الاخضر التركوازي، والاحمر إلى جانب الاصفر، ولقد ادخلنا الوانا اخرى هي الالوان التربية نظراً لاختلاف ذوق الزبون الذي يرغب في ألوان أخرى بعيدا نوعا ما عن الألوان المعتمدة في القيشاني والامر اولا واخيرا يتوقف على رغبة الزبون وتفاصيل وديكور بيئته، حتى تتناغم هذه القطع وتنسجم مع المكان التي ستوضع فيها، وبعد رسم النقوش والزخارف او حتى كتابة الآيات القرانية على قطع القيشاني نبدأ بادخلها مجددا وحرقها في الأفران حتى تتماسك الألوان جيدا، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة، وإخراجها من الأفران ويتم تركها مجدداً إلى أن تبرد عندها نبدأ بوضع طبقة المينا لإكسابها البريق واللمعة المطلوبة، ثم تدخل الأفران على درجة حرارة عالية جداً، وهنا تكون قطعة القيشاني جاهزة لاستخدامها كمادة تزيينية في ديكور المنزل من خلال وضعها في مدخل المنزل وهي القطع التي تحمل مضامين دينية واسلامية، او حتى تزين قطع الأثاث بمختلف الأشكال والألوان من قطع القيشاني والتي تأتي بأحجام صغيرة جدا يمكن أن نطعم بها الاعمال الخشبية التي لدينا سواء المقاعد أو الطاولات أو عمل بعض اللوحات بحيث تصف هذه القطع بطريقة متتابعة متتالية، على جدار يمكن ان ندخل فيها خامة الخشب فتكسبها جمالاً. وحول عملية توزيع هذا البلاط واستخدامه في ثنايا منازلنا تقول الياس : يمكن أن تكسو الحمامات ببلاط القيشاني في أجزاء منها بحيث تركب كخلفية من هذا البلاط المزدان وراء المغسلة، ويركب الحمام بلون ابيض سادة وأزرق فاتح او حتى اخضر وفقاً للون النقشة المنتقاة. ورغبة صاحب المنزل بخلاف استخدامه كبلاط في الحمامات. تحفة فنية رائعة تشير الياس قائلة: استطعنا إدخال قطع القيشاني أيضاً في الصواني الخشبية بأشكال فنية رائعة، إلى جانب عمل علب خشبية مزدانة بقطع من القيشاني وأيضاً طاولة مغطاة ببلاط القيشاني، إلى جانب بعض التحف والمرايات التي وزعت على أطرافها تفاصيل متنوعة من البلاط القيشاني ذات الحجم الصغير نسبياً، فهذه القطع إنما تحول مفردات الديكور إلى تحفة فنية رائعة فتكسبها قيمة مادية وجمالية، نظرا لكون هذا المنتج قائماً اساسا على العمل اليدوي، بخلاف قطع القيشاني فادخلنا حجر البازلت هذا الحجر الجميل الذي يمنح البلاط إيحاء ثلاثيّ الأبعاد فنجد فيه نتوءات من البلورات متراصة في صفوف عشوائية لتشكل منظرا زجاجيا بديعا. فهذه القطع الجمالية من بلاط القيشاني يمكن أن نستخدمها في الكثير من مفردات الأثاث والديكور ولكن الامر يتوقف أولًا وأخيراً على ذوق ورغبة أصحاب المنازل في اختيار الألوان والقطع والزخرفة التي تتلاءم مع تفاصيل بيته.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©