الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
التعليم والمعرفة

قصائد متمردة.. لكنها غير فوضوية

قصائد متمردة.. لكنها غير فوضوية
18 يوليو 2019 03:16

ترجمة وتقديم: أحمد فرحات

أمامنا نماذج من الشعر الهندي الحديث تنقل للمرة الأولى إلى اللغة العربية، وهي لشعراء ما زالوا في عزّ عطائهم الإبداعي المتميز. أولهم الشاعر جاويد أختر المولود في مدينة جواليار في ولاية براديش عام 1945. حاصل على جوائز وطنية ودولية عديدة، منها جائزة بادام بوشان وبادام بيبهوشان. اشتهر بكتابة القصص وسيناريوهات الأفلام الهندية، وهو من أنجح كتاب السيناريو في تاريخ السينما البوليودية. وله العديد من الدواوين الشعرية.
أما الشاعر الثاني فهو مانغليش دابرال، مواليد 16 مايو عام 1948 في قرية «كالباني» في ولاية أوترا خاند. عمل في العديد من الصحف الهندية المعروفة، ويتولى حالياً رئاسة تحرير صحيفة «جانستا». لديه خمس مجموعات شعرية، ويكتب قصائده بلغة «هندي»، وحاصل على جائزة «أكاديمية الأدب» (ساهيتا أكاديمي) في الهند. نقلت أشعاره إلى معظم لغات الهند الرئيسة، وكذلك إلى لغات أجنبية كالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والروسية، والهولندية، والبرتغالية، والبلغارية، والألمانية.
الشاعر الثالث اسمه كريشنا موهان جها، وهو يقف في طليعة الشعراء الشباب المميزين في المشهد الشعري الحديث في الهند. يكتب قصائده بلغة «هندي» ولغة «ميثلي». من مواليد عام 1968 في مقاطعة سهرسا في ولاية بيهار. حاصل على شهادة دكتوراه في الأدب - جامعة جواهر لال نهرو، ويعمل حالياً أستاذاً في قسم الأدب الهندي في جامعة أسام بسيلتشار في ولاية آسام. له العديد من المجموعات الشعرية. حاصل على جوائز أدبية عدة، من أهمها: جائزة «كنيها أسمرتي بورسكار» عام 1998 و«هيمانت سمرتي كويتا بورسكار» عام 2003 و«كيرتي نارايان ميشرا ساهتيا سمان» عام 2013.
من قراءتنا ونقلنا لهذه القصائد إلى اللغة العربية، نلحظ أن الشاعر الهندي الحديث يتميز بنزعة تمردية عالية الصوت، لكنها تظل واعية وغير فوضوية إجمالاً. كما أن هذا الشاعر ينقد وبعمق الحياة السياسية والاجتماعية الراهنة في بلاده، غير أن نقده لا يغادر رصانة العاطفة، وحتى رصانة الخيال.
كما أن الشاعر الهندي الحديث يبحث عن ألوان الحياة المفقودة واكتشاف مدلولات جديدة للحقائق والمظاهر الحياتية المحيطة به.
وعلاوة على احتضانه ألواناً من الألم، بعضها شخصي والبعض الآخر اجتماعي، فإن قصائد الشاعر الهندي الحديث تفيض بالشكوى العامة من تجاهلنا كبشر للطبيعة، حيث تكاد الحياة المعاصرة تخلو من ارتباطنا بالطين والشجر والماء والهواء والألوان والمطر ورائحة الطبيعة، إلخ.. وتطفو هذه الشكوى على السطح على شكل ألم عميق يؤرق الوجود.. وجودنا جميعاً على هذا الكوكب.. والشاعر الهندي الحديث يكرر نداءه للطبيعة، عسى أن تغفر لنا وتعود إلينا.
في ما يلي نماذج شعرية مختارة من الشعراء المذكورين أعلاه.

زهور الحديقة
لا يمكنها أن تكون بلونٍ واحدٍ
شعر: جاويد أختر
المرسوم الجديد
أمَرَ الحاكمُ
بأنّ على الرياحَ كلَّها
أن تخبر دوماً، وقبل هبوبها،
عن الجهة التي ستهبّ منها
وتلك التي ستصل إليها
وأنّ عليها أيضاً
أن تخبر مسبقاً عن سرعتها
فلا إذن الآن للعاصفة
لأن أسوارنا الرملية
والقصور الورقية التي نشيدها
علينا حمايتها
من الرياح العاتية
التي يعلم الكل بأنها معادية
أمر الحاكمُ
بأنّ أمواج البحر
يجب أن تحدّ من تلاطمها
فلا يجوز لها أن تهتاج وتموج
وتحدث الضوضاء والضجيج
فكلها علامة الثورة والشغب
ولن تُتحمل الثورة
ولن يُقبل الشغب
في نظامنا الجديد
إذا أرادت الأمواجُ البقاء في البحر
عليها أن تجري بصمتٍ
أمر الحاكمُ
بأنَّ الحديقة لن تضمّ إلا
زهوراً بلونٍ واحدٍ
وأن بعض الضباط سيقررون
كيف ستُيّشد حديقة الغد
ويقررون كثافة لون الزهور
التي ستكون بلونٍ واحدٍ حتماً
من سيخبر الحكام الجدد
بأن زهور الحديقة لا يمكنها
أن تكون بلونٍ واحدٍ
لأن كل لون يضم ألوانا
تحيا فيه بالخفاء؟!
والذين أرادو تشييد حديقة اللون الواحد
أنظروا إليهم ولاحظوا
مدى قلقهم وانزعاجهم
من مئات الألوان التي
انبثقت من اللون الواحد

ألا خبّروا هؤلاء الحمقى
أن الرياح والأمواج
لن تذعن لأمر حاكمٍ جائر
لقد خلقت حرة لتعيش حرة
إنها لن تقف مسجونة
لا في الزنازين
ولا في قبضة الحكام الجائرين
إن الأمواج مهما كانت ساكنة
فكلما مُنعت عن خط مسارها
انقلبت مضطربة
ثائرة ومندفقة
في فيضانٍ عارمٍ جائح.

الدمعة
ما هذه الدمعة التي
اغرورقت في عينَي
على سماع حكاية ألم
لأحد الأشخاص؟

هل هذه الدمعة شهادة
على رأفتي ورِقّتي
وحبّي للإنسانية؟
هل هي دلالة على
سطوع إخلاصي؟

هل الدمعة تحكي
أن في جسدي
قلباً حسّاساً
نابضاً بالحياة
وحين يسمع حكاية شقاء
يتفطر حزناً وألماً
ويحترق في اللهيب
ويذوب ويتقطر دماً؟

على أني أسائل نفسي
لربما كنت قد سمعت بالحكاية للتو
هل الدمعة سالت للتو؟
هل أتخيّل أن الدمعة
لم يسبق لها وجود
أو أنني أشك في وجودها؟

هذي المسافة بين قلبي وعيني
حيث تسكن مدن الخيالات
حيث تزدهر الأحلام
حيث في حدائق الحب الخرِبة
تتحكم المرارات
ولاشيء دونها... لا شيء
وحيث تقع وراءها
غابات الهموم الكثيفة

لعل هذه الدمعة
كانت مختبئة منذ زمان
الأحزان التي ولّدتها
راحت ضحية المصالح
ففقدت دواعي وجودها
ومبررات بقائها
وخسرت صدقيّتها
صارت يتيمة
وتناست مسارها
فتوقفت في طريقها
وترددت وتمنّعت..

مرت بقربي اليوم
قافلة حكاية ألم
فعلمت الدمعة اليتيمة
أن الحكاية قد تهديها
إلى طريقها ومنتهاها
فأمسكت بأصابع الحكاية
وظلت تستفسر وتسأل
إلى أن وصلت إلى جفوني.
الآثار القديمة
تمثال حجري غير مكتمل
عملات نحاسية عتيقة
حلى عجيبة من الفضة السوداء
وأواني برونزية متكسّرة
ثمة صحراء في جوف الأرض
يقول الناس إنه
قبل مئات القرون
وحيث توجد الصحراء اليوم
كانت هناك مدينة
ويخطر ببالي
كلما أصادفك
في محفل أو في مناسبة
لدقيقة أو ثانية
أن حرارة جسمك
ونظرتك السريعة
ولمعان النقطة الحمراء
على جبينك المتوهج
وحفيف لباسك الجميل
ورائحة شعرك الساحر
وحلاوة لمسك
من غير قصد
تدغدغ أنفي كالزهرة
ثم هناك صحراء ممتدة
إلى مسافات بعيدة
الصحراء التي وجدت فيها
مدينة في الماضي السحيق.

.....................................
العولمة
شعر: مانغليش دابرال
فجأة صدمني شيء
تعثرت قدماي
وعلا صوت من داخلي
ها ها ها ها
بدأتُ أتلعثم
فعلّق عليَّ أحد
«قُبِضَ عليك من جديد»
كنتَ ما زِلتَ تخفي عدم أهلّيتك
هناك من يفتشني
ويقرأ الألفاظ التي كتبتُها
من الطرف العكسي
ويُسوِّي الجبال والأشجار
التي نبتت على أرض كلماتي
ويجفف مياه أنهارها
اليومَ لا يعبأ الناس
بما يحدث معهم
لا أحد يحس بالظلم
النازل بالمظلومين
يتجاهلون الظلم، كما
ينفضون الغبار عن ثيابهم
وفجأة يصرخون لا لا لا
ثم بعد بحث طويل
يجيئون بفرح جديد
ويكدسونه
كأنه خُلق لهم وحدهم
ويرتدون ملابس وأحذية كثيرة
ويتناولون كميات كبيرة
من فاخر الأطعمة المتنوعة
ويُخرجون جوالاً من الجيب
يحمل رسائل سوداء
عن صور المقتولين في بيوتهم
في الاضطرابات الطائفية
وثمة جهاز تلفاز
يبث برامج الترفيه والتسلية
.....................................
هنا تحتضر حضارة

شعر: كريشنا موهان جها
حضارة وادي النهر..
كلما أنزل النهر
تطفح نفسي بحميّة السير
على أقدم الطرقات
وتبدأ في الظهور على شاشة ذهني
ذكريات غابة كثيفة غارقة في الأسرار
يحيطني ويلفني بالتدريج
حفيف دبيب الزواحف غير المرئية
أستحضر انعكاسات الأنعام المرتعشة
على مياه النهر التي
تغطّ عليها مع سربها
لتروي عطشها
وآثار أقدام الأسود وراءها
على الطين المبتل
وأسمع صوت ارتطام السفن بالماء
وسط الضباب الكثيف
ويلوح على الضفة أناس
غطوا أجسادهم
بجلود الأنعام
ولحاء الأشجار
وأسمع بجلاء
مرحهم وهتافهم وضجيجهم
يفيدني تاريخ الأنهار المتدفقة
بقصة حضارة البشر
على ضفاف الأنهار
في الكهوف العتيقة التي
تضم التماثيل والصور
وتحكي قصص الغابر
وتفيدني آثارها الباقية
بحكايات مجدها الغابر
بكل زهو وفخر

تلوح لي الكلمات
المتولّدة من الماء والطين
تتراءى اللغة المزدهرة
ازدهارَ الخيرات الزراعية
ويقفز الإنسان للخارج
محطماً كل قواعد الحضارة

يا للغرابة، يا للمفارقة
سيأتي يوم ينسى فيه الإنسان الأنهار

متغاضياً عن منبع الحياة

من اللحظة ذاتها
يبدأ تاريخ النسيان
هنا تحتضر حضارة
هنا تبدأ الهجمات الانتحارية
وهنا تلوي الأنهار مجاريها

هم الثلاثة
هو يملك كلمات لا تُحصى
يُبرهن خلالها على وقوع الحادث
سواء أكان إيجابياً أم سلبياً
ويمتلك ناصية البيان
ويملك لغة رنانة طنانة
يستخدمها للتعبير والتصوير
لكنه هو وحده يعلم
حقيقة ما في الأمر

والثاني لا يملك سوى
وجه ملطخ بالدم
ورعشة لا تفارقها لحظةً
قَطَعَ لسانَه كي ينقذ بذلك حياته
أو قُطِع لسانُه
حتى لا يقدر على الكلام

أما الثالث الذي شاهد
هذا الحادث الهمجي عن كثبٍ
فلم يعُد موجوداً بيننا
ليحكي لنا الحادث
بقضّه وقضيضه

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©