رصدت بلدان الشرق الأوسط استثمارات تقدر بنحو 200 مليار دولار(734 مليار درهم) لتطوير واطلاق العديد من المشاريع في مجال الطاقة المتجددة خلال السنوات العشر المقبلة، تستحوذ الإمارات على النصيب الأكبر منها، وفقا لتقديرات خبراء متخصصون في قطاع تمويل المشاريع.
واعتبر هؤلاء ان الاستثمارات الضخمة التي تقوم دولة الإمارات بضخها في هذا المجال من خلال المبادرات التي تقودها ابوظبي، تضعها في قلب خارطة اقتصاد الطاقة النظيفة على المستوى العالمي والاقليمي، مشيرين الى أن ابوظبي شقت طريقها لتصبح مقصدا هاما للطاقة النظيفة والطاقة المتجددة، باطلاقها مشروع مدينة "مصدر" وجهودها الرامية إلى استكشاف وتطوير مصادر تقنية جديدة للطاقة تشمل الطاقة الشمسية والهيدروجينية.
وفيما اعتبر خبراء ان اهم التحديات التي تواجه استدامة مشاريع الطاقة النظيفة يتثمل في توفير التمويلات اللازمة لهذه المشاريع، قلل مشاركون في ندوة نظمها مركز دبي المالي العالمي امس لمعالجة هذه المسألة من تأثير هذه التحديات على خطط حكومة ابوظبي في مجال الطاقة النظيفة، وذلك بعد ان نجحت في ارساء معايير جديدة في تمويل هذا النشاط وتمكنها من اطلاق صندوقين استثمارين لتكنولوجيا الطاقة النظفية لاقيا اقبالا قويا من قبل المستثمرين احدثهما تم تأسيسه في يناير الماضي بما يترواح بين 500 الى 750 مليون دولار، وتم الانتهاء مؤخرا من الإغلاق الأول له بجمع 265 مليون دولار، وفقا لريتشارد رينولدز، مدير سلسلة التوريد في "مدينة مصدر".
خطط طموحة
واستعرض رينولدز خلال الندوة التي شارك فيها العديد من خبراء تمويل المشاريع في المؤسسات المالية والائتمانية الدولية، الخطط الطموحة لمشروع مدينة مصدر بما فيها رأس المال المشترك للمشاريع الجديدة الذي يقوم بإدارة صناديق مصدر للتقنيات النظيفة التي تعد بمثابة مجموعة متنوعة من وسائل الاستثمار في رأس المال المشترك وتركز على تأسيس محافظ للاستثمارات المباشرة في أبرز التقنيات العالمية الواعدة في التقنية النظيفة والطاقة المتجددة.
واوضح ان هذه المحافظ تركز على الإستثمار الفعال في الحصص المسيطرة وغير المسيطرة في الشركات التي تعنى بالتقنيات النظيفة، والمساعدة في تحفيز الشركات على النمو والإرتقاء من خلال توفير رأس المال والخبرات الإدارية، بالاضافة الى استهدافها الشركات ذات الأنشطة والتقنيات في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وإدارة الكربون، وتحويل الكربون إلى أصول نقدية، واستخدام المياه وتحليتها.
بدوره، اعتبر الدكتور ناصر السعيدي، رئيس الشؤون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي خلال الندوة التي انعقدت تحت عنوان "تمويل مشاريع الطاقة المتجددة"، بالتعاون مع "الرابطة الدولية لتمويل المشاريع" وبمشاركة من "مصدر"، أن الحصول على الطاقة بتكلفة منخفضة يعد أحد أهم عوامل التقدم الاقتصادي، لاسيما في البلدان النامية، مشيرا الى ان هناك ما يزيد على 1,6 مليار شخص اليوم يفتقرون إلى المستوى المطلوب من خدمات الطاقة التي يمكن التعويل عليها.
مصادر التمويل
واوضح السعيدي ان التحدي الأكبر أمام نمو مشاريع الطاقة المتجددة يكمن في توفير مصادر التمويل، خاصةً في ظل المبالغ الكبيرة التي تحتاجها البنية التحتية والمواد والتقنيات التي تنطوي عليها هذه المشاريع. وستكون الحكومات مطالبة بتوفير حوافز تنظيمية ومالية لتشجيع استهلاك وإنتاج الطاقة المتجددة، وكذلك برفع الدعم تدريجياً عن إنتاج الطاقة المعتمد على النفط".
واكد ان دولة الإمارات العربية المتحدة تعد إحدى الدول الرائدة عالمياً على صعيد الاستثمار في المشاريع الضخمة للطاقة المتجددة، ومشيرا في هذا السياق بمبادرة "مصدر"، واستضافة أبوظبي لمقر "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة".
وقدر السعيدي استثمارات منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2009 في مشاريع الطاقة النظيفة بنحو 1,67 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعاً ملحوظاً مقارنةً بـ 745 مليون دولار التي تم استثمارها في عام 2007، مشيرا الى ان الأزمة المالية العالمية كشفت مدى الحاجة إلى توفير مصادر تمويل بديلة، وتأسيس إطار قانوني راسخ لدعم عملية تمويل مشاريع الطاقة المتجددة بغية الحفاظ على موقع الصدارة في هذا القطاع دائم التطور".
وأوضح "يحظى "مركز دبي المالي العالمي" بإطار تنظيمي قوي وخبرة مالية واسعة تتيح له المساهمة بشكل فاعل في تسهيل عملية تمويل مشاريع الطاقة المتجددة. ويضم المركز عدداً كبيراً من المؤسسات المالية التي يمكنها المساعدة في تمويل مجموعة من المشاريع الصغيرة والضخمة في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى توفير رأس المال المغامر اللازم لإطلاق هذه المشاريع. علاوة على ذلك، يتمتع المركز بالبنية التحتية المؤسسية اللازمة لتأسيس منصة شاملة لتبادل الرصيد الكربوني. كما تمتلك "بورصة دبي للطاقة"، التي تتخذ من "مركز دبي المالي العالمي" مقراً لها، كافة المؤهلات اللازمة للتحول إلى مركز رائد لتداول الأرصدة الكربونية في المناطق الواقعة إلى الشرق من أوروبا".
من جهته، قال جيف هالي، مؤسس ورئيس مجلس إدارة الرابطة الدولية لتمويل المشاريع "تمثل مشاريع الطاقة المتجددة تحدياً حقيقياً أمام الحكومات حول العالم، خاصة وأن تطوير هذا النوع من مصادر الطاقة بأسرع زمن وأقل تكلفة ممكنين بات ذا أهمية كبرى إثر حادثة التلوث النفطي في خليج المكسيك. وفي هذا الإطار، ترحب الرابطة بمبادرة مركز دبي المالي العالمي الرامية إلى رفع الوعي بضرورة إيجاد طرق بديلة ومستدامة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة.
بدوره، قدر كريم ناصف، المدير الشريك في "ستاندرد آند بورز" حجم الاستثمارات التي تعتزم بلدان الشرق الأوسط توجيهها لمشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة بنحو 200 مليار دولار حتى العام 2020، لافتا الى عمليات تمويل هذه المشاريع والتي تعتمد في هيكلها على تقييمات وكالات التقييم العالمية، اخذه في التزايد وذلك بعد ان خصصت هذه الوكالات معايير خاصة لتقييم مثل هذه المشاريع والمخاطر التي تواجهها.
واعتبر ان الحصول على تقيميات كانت عملية صعبة في السابق، لكنه مع تنامي الطلب على تمويل هذه المشاريع اخذت وكالات التقييم في صياغة المعايير والمنهجية اللازمة للوصول الى تقييمات مقنعة بمشاريع الطاقة المتجددة.
واشار انه بالرغم من قيادة الحكومات لهذه النوعية من المشاريع الا ان تصنيفها الإئتماني لا يخضع للتقييمات السيادية وانما يندرج تحت تقييم المؤسسات والمشاريع، لكنه في الوقت ذاته يؤخذ في عين الاعتبار قوة التصنيف السيادي للحكومات الداعمة لمشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة.
بدوره، اشار فرانك بيكرز، العضو المنتدب والمدير التنفيذي لقسم استشارات المشاريع ورؤوس الأموال لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا في مصرف "دويتشه بنك"، الا ان دويتشه بنك ابدى مبكرا اهتماما واسعا بتمويل مشاريع الطاقة المتجددة وذلك في سياق الاهتمام العالمي المتزايد بها، لافتا الى ان السجل الناجح لعمليات التمويل التي قام بها البنك في هذه المشاريع في اروبا واجزاء اخرى حول العالم.
واوضح ان هناك شهية قوية لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، تخضع الى قبول تخصيص المخاطر والعوائد المجزية، معربا عن اعتقاده بان توفير مصادر التمويل الخاصة بهذه المشاريع في منطقة الشرق الأوسط لن يشكل تحديا امام بلدان المنقطة، بقدر أهمية العمل على زيادة عدد هذه المشاريع.