الثلاثاء 12 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
علوم الدار

المدينة العالمية للخدمات الإنسانية.. منظومة التسامح والعمل الإغاثي

المدينة العالمية للخدمات الإنسانية.. منظومة التسامح والعمل الإغاثي
22 يونيو 2019 00:58

سامي عبد الرؤوف (دبي)

تختصر العالم بين جنباتها، فهي مجتمع دولي مصغر، حيث تضم 400 شخص من 61 جنسية مختلفة، ومن أعراق وديانات وأفكار وثقافات متنوعة إلى حد الاختلاف لا تمييز بينهم، فالجميع يعمل في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، وفقاً لقواعدها التي وضعتها لنفسها وطبقاً لرؤية ونموذج دولة الإمارات المتسامح مع الآخر المقتنع بأحقية وحرية الشعوب والإنسان في الاعتقاد والدين.
هدف واحد في المدينة العالمية يتلخص في العمل على خدمة الإنسانية للقضاء على الفقر والجوع، ونجحت في أن تفرض نفسها في السنوات الأخيرة، على الساحة الدولية كنموذج رائد لدعم جهود المنظّمات والهيئات الإنسانية، لا سيّما من خلال استراتيجيّتها المرتكزة على أبعاد رؤية تهدف إلى حلّ التحديات الميدانية ملتزمة بالقيم الإنسانية والأخلاقية.
اليوم وصل أعضاء المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي إلى 85 مؤسسة بين منظمات إنسانية وشركات تجارية تنتمي لمجتمعات وبلدان متنوعة الثقافات والأعراق لخدمة البشرية، وهي نموذج يمثل قيم ونجاح دولة الإمارات، في أن تكون مركزاً إنسانيّاً عالمياً يخدم المحتاجين وتقدم العون للإنسان أينما كان لأنه فقط إنسان.
وتطبق المدينة العالمية للخدمات الإنسانية شعار التسامح ومساعدة الإنسان في كل مكان في العالم، عملاً بتوجيهات القيادة الرشيدة لدولتنا، التي تقدم العون إلى المحتاجين في كل بقعة من بقاع الأرض، وتمد يد المساعدة لهم، انطلاقاً من احترام حق الإنسان في الحياة الكريمة.
وتركّز على تسهيل عمل أعضائها وتعزيز الاستجابة السريعة للأزمات وتنفيذ برامج التنمية بهدف التخفيف من معاناة المحتاجين والمعوزين وضحايا الحروب والكوارث الطبيعية في مختلف بقاع الأرض من دون أي تمييز، وعلى سبيل المثال في العامين الماضين، 2017 و2018 تمّ إرسال موادّ إغاثة إلى 94 و89 بلداً على التوالي انطلاقاً من دبي.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية للمدينة، فقد وصل عدد البلدان المستفيدة من المساعدات التي تمّ إرسالها من مستودعات المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، حتى شهر أبريل الماضي، إلى 55 بلداً تتصدّرها موزمبيق واليمن.

جوهر الرسالة
يرتكز عمل المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدبي، على دعم العمل الإنساني الدولي من خلال أعضاء المدينة، ويكمن جوهر رسالة المدينة في سعيها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا سيّما الهدف السابع عشر باعتبار المدينة تشكّل منبراً لبناء الشراكات والابتكار وتبادل المعرفة.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أسّس المدينة العالميّة للخدمات الإنسانية في عام 2003 من خلال دمج مدينة دبي للإغاثة ومدينة دبي الإنسانية، لتصبح المدينة العالمية للخدمات الإنسانيّة السلطة الأولى والوحيدة لمنطقة حرّة مستقلّة إنسانيّة لا تبغي الربح.
ويشكّل أعضاء المدينة مجتمعاً يتألّف من وكالات تابعة للأمم المتّحدة ومنظّمات غير ربحية ومنظّمات حكوميّة دولية بالإضافة إلى شركات تجاريّة.
وتترأس المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سمو الأميرة هيا بنت الحسين، سفيرة الأمم المتّحدة للسلام.

المنظمات الدولية
أظهر التقرير السنوي الصادر عن المدينة لعام 2018، أنها أكبر مركز إنساني لوجستي في العالم يضم 127 ألف متر مربع، موزعة مساحته بين مكاتب ومستودعات ومعرض ومساحة مفتوحة.
وأفاد التقرير بأن المساحة المفتوحة في مكاتب المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدبي تتسع لـ30 محطة عمل لاستضافة عاملين في مناطق خطرة في حال إذا دعت الحاجة إلى إجلائهم.
وكشف التقرير أن أكثر المنظمات تقديماً للمساعدات انطلاقاً من المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدبي العام الماضي، كان برنامج الأغذية العالمي، وثانياً اللجنة الدولية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، وثالثاً المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ثم منظمة اليونيسيف، وخامساً منظمة الصحة العالمية.
وجاءت اليمن في مقدمة الدول المستفيدة من خدمات ومواد الإغاثة، وبعدها أوغندا، ثم السودان ورابعاً كينيا، وبعدها إثيوبيا، ثم سوريا، تلتها بنجلاديش.
وجاءت قارة أفريقيا في مقدمة قارات العالم استفادة من المساعدات بنحو 42 مليون دولار، ثم آسيا في المرتبة الثانية بقيمة 26 مليون دولار.

حلول مبتكرة
يقول جوسيبي سابا، المدير التنفيذي للمدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدبي، وهو إيطالي الجنسية: «لا يختلف اثنان أنّ التسامح يتناغم مع طبيعة العمل الإنساني، بل يشكّل ركيزة له في خدمة الإنسانية، فالعمل الإنساني ينبع من المحبّة والأخوّة رافضاً أي شكل من أشكال الكراهية والتمييز».
وأضاف: «تلتزم كل مؤسسات دولة الإمارات الإنسانية بالتسامح كمنهج لعملها ودورها، وتمثل المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، نموذجاً من التسامح في خدمة الإنسانية، ونجحت بالتعاون مع المنظمات والجهات الدولية في إيجاد حلول مبتكرة لحلّ التحديات الميدانية».
وأكد سابا، أن دولة الإمارات سباقة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأصبحت نموذجاً يُحتذى به من حيث القيم الإنسانية والتسامح، مشيراً إلى أنه في هذا الإطار، تعمل المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، تماشياً مع رؤية الدولة وتوجيهات القيادة الحكيمة، لتعزيز العمل الإنساني وتحقيق التنمية المستدامة لاسيما من خلال بناء الشراكات وإطلاق مبادرات تساهم في دعم جهود المنظومة الإنسانية للقضاء على الجوع.
وأشار إلى أن المنظمات والمؤسسات المتواجدة في المدينة العلمية للخدمات الإنسانية بدبي، أصبحت تشكل قوة عظمى في العمل الإنساني وأصبحت عنصراً أساسياً في منظومة الاستجابة الإنسانية العالمية.
ويشير إلى أن «المنظمات والوكالات الأعضاء كلها متساوية من حيث الأهمية، فكل واحدة منها تركز على مجال معين، سواء كان متصلاً بعمليات ما بعد الطوارئ أو بالتنمية أو الإغاثة الإنسانية أو التجارة».

بنك البيانات
قامت المدينة مؤخراً، بتقديم وتوفير مشاريع وحلول مبتكرة تمّ إطلاقها وتطويرها، أبرزها بنك البيانات اللوجستية للخدمات الإنسانية.
ويزوّد بنك البيانات اللوجستية للخدمات الإنسانية المجتمع الإنساني بمنصة مشتركة لقاعدة بيانات عن مخزونات المساعدات الإنسانية وتدفّقها، من أجل تعزيز الاستعداد لحالات الطوارئ والاستجابة لها.
ووقّع مسؤولون من منظّمات إنسانية رائدة على الصعيد العالمي على رسالة التعاون في هذا المشروع، وضمت القائمة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وصُمّم بنك البيانات اللوجستية للخدمات من قبل فريق من المهندسين المتخصصين ومستشاري تقنية المعلومات والخبراء في الموضوع في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي.
وتمّ ذلك بدعم من الوكالات الإنسانية التشغيلية، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر واليونيسيف وذلك بتعاون وثيق مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ويرتكز بنك البيانات على التتبع الآلي لتحركات موادّ الإغاثة انطلاقاً من البيانات الجمركية من الموانئ والمطارات ونقاط الدخول الأخرى. وهو يزود المجتمع الإنساني العالمي بمعلومات عن الموقع المحدّد لمواد الإغاثة الأساسية مثل الغذاء والدواء والمأوى، مما يجعله في متناول جميع الأطراف المتعاونة.
وتهدف هذه المنصة إلى الارتقاء بالتعاون في مجال الاستجابة إلى حالات الطوارئ وتساعد على تجنب الزحمة في الموانئ والمطارات.
ويوفّر بنك البيانات اللوجيستية للخدمات الإنسانية، لكل البلدان المتأثرة بأزمة ما والعاملين في المجال الإنساني فيها، إمكانية الوصول إلى معلومات محّدثة عن توافر مواد الإغاثة من حيث الكمية والموقع وملكيتها وحركتها، ممّا يمكّنهم من التخطيط لعملهم والاستجابة وفقاً لذلك.
وتمّ اعتماد بنك البيانات في مركزين: المركز الإقليمي اللوجستي للمساعدات الإنسانية في بنما والمدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، الإمارات العربية المتحدة، ويتم تنفيذه حاليًا في مراكز أخرى في مختلف أنحاء العالم.
وتستفيد البلدان المتأثرة بالكوارث الطبيعية أو الكوارث من صنع الإنسان من المنصة؛ لأنها تتيح لها الوصول إلى المعلومات ذات الصلة عن موادّ الإغاثة المتوفّرة.
وعندما تضرب أزمة ما، تسرع الوكالات الإنسانية لإرسال الإغاثة مثل الأدوية والطعام ومواد الإيواء وغيرها إلى تلك البلدان المتضرّرة، وبالتالي يجب إرسال المساعدات بأولوية عالية ومن أقرب مركز إنساني إلى المنطقة المتأثرة.
ويمكن الوصول إلى المنصّة، على موقع المدينة الإلكتروني للحصول على معلومات ونظرة عامة عن البيانات. ويتم منح العاملين في مجال الخدمات اللوجستية ومنظمات إنسانية وأطراف ثالثة أخرى ذات صلة كلمة سر لتسجيل الدخول والوصول إلى البيانات والتقارير التفصيلية.

موقع استراتيجي
تتميّز المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بموقع استراتيجي في دبي التي تُعتبر همزة وصل بين أوروبا وآسيا ممّا يسمح بالوصول، في غضون 8 ساعات، إلى ثلثي سكان العالم الذين يعيشون في مناطق معرضة للخطر في آسيا أو أفريقيا، بما في ذلك مناطق النزاع في الشرق الأوسط.
واليوم أصبحت المدينة أكبر تجمّع في العالم لمنظّمات وجهات تعمل في المجال الإنسانيّ، وتلعب دوراً محوريّاً في تسيير الاستجابة الأولى للأزمات على الصعيد العالمي.
وفي عام 2011، ضاعفت المدينة حجمها ثلاث مرّات وانتقلت إلى موقعها الحاليّ على بُعد 18 كلم من مطار آل مكتوم و21 كلم من ميناء جبل علي، وهو أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم، ممّا يتيح لأعضاء المدينة القدرة على نقل الشحنات من البحر إلى الجوّ في أقل من 10 دقائق.
وتُعتبر المدينة العالمية للخدمات الإنسانية فريدة من نوعها فهي غير سياسية، وتشكّل المدينة منصّةً لأعضائها ووكالات الإغاثة للقيام بأنشطة جمع التبرعات في دولة الإمارات بشراكة ودعم من المدينة للحصول على موافقة الحكومة.
فقد وُجدت المدينة لخدمة أعضائها، مستفيدةً من موقع دبي كمركز لمختلف وسائل النقل والخدمات اللوجستية والخدمات ذات القيمة المضافة، وتقدّم المدينة نهجاً مبتكراً لدعم الاستجابة الإنسانيّة من خلال مرافقها ومستودعاتها وشبكة علاقاتها الوثيقة مع الشركاء في القطاع الخاص والمجتمع المحليّ والحكومة.
وفي أوائل عام 2017، ونظراً لزيادة الطلب على المساعدات وحاجة الوكالات إلى المزيد من المساحات والدعم اللوجستي، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن خطّة لتوسيع المدينة بأكثر من 300.000 متر مربع.

«الفلاش استديو»
يعد مشروع الفلاش استوديو، أحد أبرز مشاريع المدينة، نظراً إلى تزايد أهمية التواصل في الاستجابة للكوارث، حيث قامت بتطوير المشروع الفلاش لاستحداث وسيلة التقاط «قصص من الميدان» بسهولة ونقلها مباشرة بجودة عالية كما في الاستوديو.
وفي البيئات الصعبة، غالباً ما تعتمد المنظمات الإنسانية على وسائل الإعلام المحلية والدولية للحصول على معلومات مباشرة، وتقديم رسالة إنسانية، وإعلام العالم الخارجي بالكارثة ونطاقها. ولكن يصعب الحفاظ على تدفّق المعلومات خصوصاً في المناطق النائية ذات الموارد المحدودة.
ويوفّر «الفلاش استوديو» جسراً صلباً للتواصل بين الميدان ووسائل الإعلام والجمهور وصانعي القرار المعنيّين في منظومة الأمم المتّحدة والحكومات والمؤسسات الدولية.
ويرتكز على نوعين من مجموعات الأجهزة التي توفّرها المدينة العالمية للخدمات الإنسانية لمستخدمين مختلفين كالأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية الأخرى المسجّلة في المدينة.
وتضم المجموعة الأولى أدوات قابلة للنقل، مثل أجهزة محمولة ومستقلّة موجهة للاستخدام في الميدان، تتميّز بسهولة النقل وتضمن الاتصال الفعال ونقل مواد الصوت/‏‏ الفيديو إلى أي جهة (بروتوكول الإنترنت) متلقية حول العالم بجودة عالية.
أما المجموعة الثانية، فهي أدوات تصوير وإعلام واتّصال متنقلة على عجلات (مجموعة كاملة تتألف من المعدات التقنية والمركبات)، متوافّرة بشكل أساسي في الإمارات، ولكنها جاهزة للنقل إلى البلدان المعنية لضمان تغطية إعلامية فعالة ومباشرة ورفيعة الجودة في المناطق التي يصعب الوصول إليها.
ويسمح «فلاش استوديو» للمجتمع الإنساني بـبث المواد الصوتية والمرئية التي يتم التقاطها مباشرة على الأراضي المعنية، ومشاركة المحتوى مع أي «مركز استقبال» في العالم، بما في ذلك القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©